hit counter script

مقالات مختارة - عمر الصلح

«على ضفاف الكوثر»... أولى ثمار «أبي علي»

الأربعاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٣ - 06:48

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

على رغم أنّ الشاعر الشاب مصطفى صلح قد اختار «على ضفاف الكوثر» عنواناً لتجربته الشعرية الأولى، فإنه لم يقف في باقته الشعرية هذه عند ضفة واحدة، بل تنقّل بين ضفاف الغزل والوطن وصلة الرحم، فبدت قصائده شبيهة بباقة ورود متعددة الألوان ومتنوعة الشذا.

الشاعر مصطفى صلح أو "أبو علي"، حسب ما يحلو لمُحبّيه مناداته، عكس بتجرته واقع الشباب اللبناني الباحث عن ضفّة آمنة يرنو إليها، وعن فضاء لا يشوبه التجاذب السياسي، لكي يُعبِّر من خلالها بحرّية عن رؤيته لوطن أنهَكته الانقسامات على خلفيات مختلفة، وهذا ما تجلّى في قصيدة "عصر التيوس"، حيث قال:

"ما عدت أصغي للقيادات
التي نفخت رؤوس بعيرها بكلامها وخطابها
حتى نما في رأس كلّ عنيزة قرنان".

لعَلّ هذه الأبيات كفيلة بكشف حال الرفض التي يعيشها الشباب اللبناني الملتزم بانتمائه إلى الوطن من دون تصريحات وتوجيهات وتوصيات. فعلاً بَدا "أبو علي" في قصائده الوطنية كالصوت الآتي من أعماق الوجدان ليدقّ مسماراً في نعش متاهات السياسة اللبنانية، ولا سيما أنّه أشار بوضوح من خلال قصائده، التي جاءت في هذا السياق، إلى أن انتماءه إلى الوطن بشكل مباشر وليس عبر أي من قياداته.

أمّا في الغزل، فأبدع أبو علي، ذلك أنّ قصائده تُعيد القارئ إلى عمر الشباب حين كان القلب ينبض حبّاً ولا شيء غير الحب. يُعيد إلى ذاكرتنا كيف كنّا جميعاً في تلك السنوات، وتحديداً على مقاعد الدراسة، نكتب قصائد كاملة إذا ما حظينا بنظرة واحدة من إحدى بنات حوّاء، فكيف إذا حظينا بابتسامة أو بِلقاء؟.

قصائد "أبو علي" الغزَليّة تُشعر القارئ بانسياب سلس لتعابير عفويّة وصادقة وعميقة، وكأنّها جداول من التجارب الكبرى، علماً أنّ عمره والتزامه الاجتماعي لا يسمحان له بعد الغوص في بحور الحبّ وأعماق تلك التجارب، لكنّه أبدع عن حَقّ في وصف بعض تفاصيل تلك الحال النقيّة. ولعلَّ
أجمل ما ورد من غزل في هذه الباقة الشعريّة هو:

"لو ينصف الشعر، أفنيت التفاعيلا
ريما ملاك وريما آية نزلت
عليّ وَحياً... فباتَ الشعر تنزيلا"

كتبَ "أبو علي" قصائد لأعزّ الناس على قلبه هم أفراد أسرته، فأبدع في وصف مشاعره إزاءهم، وعكَسَ العلاقة الروحيّة التي تربطه بهم. لكنّ قصيدته "يا علي"، التي كتبها لولده الذي لم يولد بعد، تعكس قدرته على فهم صلة الرحم بكلّ أبعادها، وتعكس مدى تعلّقه بمُجتمعه البعلبكي الضيّق أوّلاً وبمجتمعه اللبناني الواسع المشتّت ثانياً، إذ إنّه حاول في مطلع القصيدة أن يستخلص لنفسه حال الأبوّة بكلّ معانيها، قبلَ عيشها.

وهنا تبرز بصمات والده، التي بدت واضحة التأثير.. لا بل طغت على الصوَر التي سَطَّرها الشاعر. أما في الجزء الثاني من القصيدة، فقد خرج "أبو علي" من مجتمعه الضيّق ليعطي ابنه درساً في السلوك الوطني، وهذا ما عبّر عنه بالعبارات الآتية:

"في الأفق يا بنيّ غبار طائفي
سوف يحتكر المكان
ليذرّ رملاً جاهلياً
في عيون الحقّ
لولا الحَقّ بان
ويخصّص المال البذيء
لكلّ أفّاك جبان".

يجب القول إنّ تجربة الشاعر مصطفى صلح في الشعر، وإن بَدت يانعة في بعض أجزائها، فإنها تعبّر عن مدى موهبته وعمق رؤيته لكثير من الظواهر والعلاقات الإنسانيّة في المجتمع اللبناني.

  • شارك الخبر