hit counter script
شريط الأحداث

كلمة الرئيس ميشال سليمان في الذكرى الـ50 لتأسيس معهد الدروس القضائية

الثلاثاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٣ - 19:15

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان القضاة إلى "ألا يتركوا الخوف يلج إلى قلوبهم فيحجموا، ولا يجعلوا المحاباة حيزا في عقولهم فيخطئوا، ولا يشقوا للمغريات طريقا في ضمائرهم فيجنحوا".

وقال: "إن حاجتنا اليوم الى الاحكام الحازمة والعادلة حيال مخططي ومنفذي الاغتيالات ومرتكبي المجازر في الضاحية الجنوبية وفي طرابلس، هذه المدينة العزيزة التي افتتحنا فيها قصرا للعدل مكتمل المواصفات في العام 2011، وهذا بات يحتم ترسيخ العدالة وتطبيق القانون واقتلاع المتاريس والدشم ووقف النزف المستمر، ومن الملح ايضا وبالتنسيق مع القوى العسكرية ملاحقة ومعاقبة مرتكبي اعمال الخطف والاعتداءات ضد ضباط الجيش اللبناني وجنوده، ومن دون ان ننسى بالتأكيد القضاة الاربعة الشهداء، فلنهز عصا العدالة ونضرب بها ليطمئن المواطن الى غده ومستقبله ويرتدع المجرمون".

أضاف: "دعونا لا نهدم بأيدينا اعمدة البنيان الديموقراطي، ان بمقاطعة المجلس النيابي او بتعطيل تأليف الحكومة، وتعطيل نصاب المجلس الدستوري، أو غدا بتعطيل نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية".

كلام رئيس الجمهورية جاء خلال رعايته احتفال اليوبيل الذهبي لمعهد الدروس القضائية، الذي أقيم في قاعة "الخطى الضائعة" في قصر العدل، في حضور الرئيس نجيب ميقاتي، الرئيس المكلف تمام سلام، الرئيس حسين الحسيني، وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال شكيب قرطباوي، وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي ممثلا رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون، نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، النائب السابق لرئيس الحكومة عصام أبو جمرا، ممثلة الإتحاد الأوروبي السفيرة أنجلينا إيخهورست، النواب: نعمة الله أبي نصر، سيرج طورسركيسيان، روبير غانم، غازي زعيتر، إميل رحمة وزياد أسود.
وحضر رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد وأعضاء المجلس، رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر، رئيس ديوان المحاسبة القاضي عوني رمضان، مفوض الحكومة لدى مجلس شورى الدولة القاضي عبد اللطيف الحسيني، المدعي العام التمييزي بالانابة القاضي سمير حمود،الوزيران السابقان بهيج طبارة وعدنان عضوم، رئيس معهد الدروس القضائية القاضي سامي منصور، نقيبا المحامين في بيروت نهاد جبر والشمال ميشال الخوري، المدير العام لوزارة العدل القاضي عمر الناطور، رئيسا مجلس القضاء الأعلى السابقان شرفا فيليب خير الله ومنير حنين، النائب العام التمييزي السابق القاضي سعيد ميرزا، ونقباء المحامين السابقون في بيروت والشمال ورجال القانون والشخصيات الديبلوماسية والسياسية.

الوصول
وكان رئيس الجمهورية وصل، عند الرابعة والربع إلى مكان الاحتفال، حيث استعرض ثلة من الحرس الجمهوري، واستقبله قرطباوي والقضاة: فهد وصادر ورمضان ومنصور.

استهل الاحتفال بالنشيد الوطني، ثم دقيقة صمت على نية الشهداء القضاة قبلان غاسبار الذي استشهد في زحلة، حسن عثمان وعماد شهاب ووليد هرموش وعاصم أبو ضاهر الذين استشهدوا في صيدا.

الناطور
بعد ذلك، ألقى الناطور كلمة قال فيها: إن "القضاء هو قضاء للناس وليس عليهم، فالقاضي يقارب الرسل، والتواضع صفة الرسل، والعدالة عمياء ونحن بشر مبصرون، وإن رأيي يحتمل بعض الخطأ، والرأي الآخر بعض الصواب".

منصور
بدوره، قال منصور: "إن مسيرة معهد الدروس القضائية بدأت في عام 1963 في عهد الرئيس الراحل الجنرال فؤاد شهاب وزمن البناء الحقيقي لمؤسسات الدولة الحديثة، فكان هذا المعهد وليد حاجة العدالة إلى حسن اختيار القضاة، بهدف تكريس سلطة قضائية مستقلة منيعة الجانب قوية الأركان، ولم تقتصر الأهداف حينها على رفد القاضي بالعلم والمعرفة اللازمين، بل تجاوزتها إلى تقوية مناعته الأخلاقية إعمالا لموجبات المناقبية القضائية وسلوكياتها".

وإذ لفت إلى "تزايد التحديات في أزمنة الحروب والفوضى"، قال: "إن خطة التغيير الهادئ والثابت، انطلقت من خلال التطوير الدائم في مناهج المعهد العلمية والتدريبية وفي طرق التدريس والمتابعة والتقييم، فإدارة المعهد أولت قواعد السلوكيات والمناقبية القضائية الأولوية التي تستحق، مركزة على تكريس مبادئ الإستقلال والنزاهة والتجرد والتواضع لدى كل قاض".

أضاف: "إن إدارة المعهد عمدت كذلك، إلى نسج علاقات تبادلية وتعاونية في الخارج، وإلى البدء بتطبيق تجربة التدريب المستمر للقضاة الأصيلين، والتدريب الأساسي والمستمر لمساعدي القضاء من أطباء شرعيين وكتاب عدل وخبراء وكتبة، فضلا عن تنظيم العديد من المؤتمرات الدولية والمحلية وتوقيع العديد من اتفاقات التعاون في الداخل والخارج".

وأشار إلى أنه "من بين الأهداف غير المحققة، التوصل إلى تعديل نظام المعهد القانوني من خلال إعطائه الشخصية المعنوية والاستقلالية اللازمين لحسن قيامه بمهامه".

فهد
أما فهد فقال: "باسم السلطة القضائية في لبنان، وبقلب مفعم بالغبطة والعزم والأمل، أقف أمامكم في غرة هذا العام القضائي الجديد، المصادف مرور خمسين عاما على نشأة معهد الدروس القضائية، مرحبا بكم يا رأس البلاد وقاضيها الأول وربانها الى بر الأمان بإذن الله؛ ومرحبا بدولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، الإبن البار لمؤسسة المحاماة، الأمين دوما على رفعة القضاء، والذي لا يألو جهدا في ردفه بالتشريعات الضامنة لمنعته وتطويره؛ ومرحبا بدولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ نجيب ميقاتي، رجل العمل والإعتدال، الباذل في سبيل الوطن كل مبذل، والحامل الهموم الكبرى في هذه الأيام العجاف؛ ومرحبا بدولة رئيس الحكومة المكلف الأستاذ تمام سلام، رجل الإجماع وصاحب الإرث الوطني الكبير، الذي نتوسم فيه خيرا للوطن عامة وللقضاء خاصة؛ وأرحب كذلك بأصحاب المعالي الوزراء، وبأصحاب السعادة النواب، وبأصحاب السعادة سفراء الدول الشقيقة والصديقة، وبأركان الدولة ومسؤوليها، وبقضاة لبنان وفي طليعتهم الزميلان الرئيسان شكري صادر وعوني رمضان، اللذان شرفاني بأن أمثلهما في كلمتي هذه وأن أعبر فيها عما يختلج في صدريهما من آمال وتطلعات. وأرحب بكوكبة مميزة من نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس، يتصدرها النقيب الأستاذ نهاد جبر والنقيب الأستاذ ميشال الخوري؛ وبكل مشارك في هذه الذكرى العزيزة، أهلا بكم تنضمون إلينا في دار العدل المستضيئة بأنوار حكم القانون، وهي في خضم سعي يهدف الى نهضتها حجرا وبشرا".

اضاف: "إذا كان القضاء ركنا من أركان الديمقراطية وحاجة لا غنى عنها انطلاقا من مبدإ أن "العدل أساس الملك"، فإنه لا مفر، اذا ما شئنا النهوض به، قضاء فاعلا، محققا العدالة الناجزة، وسيادة حكم القانون. لا مفر من قيامه، بمراجعة ذاتية دورية، عبر قراءة دقيقة وموضوعية لواقعه، وباستشراف مسؤول لما يقتضي أن يكون عليه دوره في المستقبل".

وتابع: "بالتزامن مع هذه الورشة، الماثلة معالمها أمامكم، والمنصبة على تأهيل البنيان وإعادة الدار إلى سابق تألقها، فإن ثمة ورشة أخرى قائمة على قدم وساق ومنصبة على رصد العمل القضائي، عديدا وآليات عمل، نسعى من خلالها الى معالجة مواطن الخلل، ونعمل في الآن عينه على الانتقال بالقضاء اللبناني إلى مصاف يضحي معها قادرا فاعلا طليق اليدين مستجمعا المعايير العالمية الرفيعة. أما منطلق تلك الورشة، فقناعة تامة بأن القضاء لن يؤدي دوره كاملا، في تثبيت حكم القانون، وإشاعة العدالة المثلى، الا إذا تفانى، واكتسب أسباب الحداثة، وتمتع بكامل الاستقلال، ونهض سلطة متميزة متكاملة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفق تشريع يجسد ما ورد في الدستور اللبناني، الذي اعتبر القضاء أحد أضلاع المثلث التاريخي، وأكد على وجوب فصل السلطات وعلى توازنها وتعاونها".

واردف: "أما محاور تلك الورشة فتتلخص بعناوين كبرى تحمل في مطاويها العديد من التحديات والآمال. ومن هذه العناوين:
- الوصول الى عدالة اكثر فعالية، متاحة للجميع وفوق الجميع، تستجيب للمقتضيات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والوطنية.
- إستقطاب قضاة ذوي أهلية وكفاءة عاليتين.
- الإفادة من المنظومات التقنية الحديثة وفي طليعتها المكننة، إسهاما في ضبط أعمال المحاكم وتسريع المحاكمات.
- إعتماد الشفافية التامة في التعامل مع الرأي العام، وتعزيز سبل التواصل معه.
- مواكبة الطرق البديلة لحل النزاعات وتقبلها وصونها والتفاعل معها.
- جعل العلائق مع السلطتين التشريعية والتنفيذية كاملة التفاعل دون المساس باستقلال القضاء.
- إيلاء المناقبية القضائية كل اهتمام في سبيل تعزيز ثقة الناس بقضاتهم".

وقال: "بوحي مما طرحناه، يتبدى للمراقب الموضوعي، أن ثمة جهودا يبذلها الجسم القضائي لبلورة التعامل مع تلك التحديات ولنقل الآمال الى المرمى العملي سعيا الى قضاء نموذجي. أما أولى الخطوات في الدرب الطويل فأبرزها:
- مزيد من الفعالية في إدارة الملف القضائي، والتزام بالآليات الإجرائية الملحوظة في قوانين أصول المحاكمات توخيا لفصل النزاعات في المهل المعقولة وبالسرعة اللازمة.
- تشكيل لجنة علمية بالتعاون مع نقابتي المحامين لإعداد مقترحات تتناول التعديلات القانونية اللازمة لتأمين سرعة الفصل في القضايا، وهي تقوم بمهمتها على أتم وجه.
- التحضير لتبني المكننة في العمل وفي تنظيم الملفات، وسوف يبصر هذا المشروع النور قريبا.
- إستمرار العمل في تفعيل دور التفتيش القضائي والمجالس التأديبية؛ ومواكبة عمل القاضي بطريقة موضوعية شفافة تمكن الإدارة القضائية من رصد مؤهلاته وإنتاجيته.
- إعتماد آليات مرنة تمهد لمناقلات قضائية مجدية، تأخذ بالاعتبار الأعباء الملقاة على بعض المحاكم ومعايير الجدارة، وتسارع إلى سد الثغرات وملء الشواغر. ونأمل أن يتم في القريب العاجل إلحاق ستة وأربعين قاضيا من خريجي معهد الدروس القضائية. وما تخرج هؤلاء الا شهادة على الدور المميز للمعهد الذي نحتفل اليوم بيوبيله الذهبي.
- السعي مع جهات أجنبية مانحة، وفي طليعتها الاتحاد الاوروبي، الى تبني وسائل تعليم وبرامج تدريب متطورة من أجل رفع قدرات القضاة العلمية والعملية، مع العزم على تطبيق برنامج التدريب المستمر في فترات زمنية لا تؤثر في حسن مسار العمل القضائي.
- إنشاء مكتب إعلامي مرتبط بمجلس القضاء الأعلى من أجل نقل الخبر الأمين والموضوعي إلى الإعلام وعبره إلى الرأي العام؛ وإطلاق موقع رسمي على الشبكة الإفتراضية.
- المطالبة بإصدار مشروع القانون الذي يبلور استقلال السلطة القضائية وينشىء مجلسا أعلى جامعا للقضاء.
- السعي إلى تخصيص السلطة القضائية بموازنة خاصة تمكنها من الاضطلاع بمهامها وبما يعكس حركتها الحرة وينسجم مع واقع الأنظمة العالمية المتطورة.

اضاف: "أقولها أمامكم بفم ملآن، وبقلب واثق مطمئن، وبعزم مشدود:
إن العين ساهرة، وإن السعي مركز على الصورة والسمعة، على المراقبة، والتقدير، والحث والمحاسبة، على فتح آفاق التزود المستديم، على تحديث سبل استقطاب العناصر الجديدة وانتقائها، على متابعة المسيرة نحو قضاء متألق مزدان بالمنعة متميز بالمناقبية العالية وبالمقدرة العلمية والعملية وبالانتاجية كما ونوعا وسرعة فصل، مواكب للحداثة، وبالنتيجة نموذجي في تأدية الدور الذي ينتظره المعنيون بترسيخ العدالة، ولا سيما المحامون ورجال القانون بعامة، هذا فضلا عن رأس المال الباحث عن بيئة قضائية ملائمة، وعن المواطن المتوكل على رحمة ربه وعدل قضاته".

وتابع: "بجهد من القيمين على السلطة القضائية، وبتعاون مع العديد من المخلصين، ودعم من معالي وزير العدل النقيب شكيب قرطباوي، الذي ننطلق وإياه من تطلع واحد نحو قضاء أمنع وعدالة أرسخ، وعلى الأخص برعاية كريمة من فخامتكم، ذهبنا باتجاه تحقيق هذه الأهداف التي من شأن الوصول إليها الإسهام في شد اللبناني إلى أرضه ومعاضدته في الصمود بوجه العواصف الهابة على أمنه واقتصاده، والمساعدة في عودة لبنان قبلة للاستثمارات الأجنبية، والارتفاع بمنظومتنا القضائية لتضحي قدوة ومنارة. وهذا حق لبنان علينا، ونحن مؤمنون به ومؤمنون بخلاصه، وحق القضاء علينا، ونحن مؤمنون به ومؤمنون بنهضته. وإن بواكير الثمار قد بدأت بالظهور الى حيز الواقع، ولا يبقى الا صفاء النيات وتضافر الجهود والثبات على الإيمان، لأن "الإيمان ينقل الجبال"، أما التشكيك فإنه لن يثني العزائم، ولن يحطم الآمال، ولن يحيد بنا قيد أنملة عن الهدف المنشود".

واردف: "وإنني وعبر هذا المنبر أتوجه، بتأييد منكم يا فخامة الرئيس ومن صحبكم أصحاب الدولة، الى الفاعلين في الشأن العام والشأن الإعلامي داعيا إياهم إلى مزيد من التعاون من أجل إنجاح المشروع القضائي النهضوي، فالقضاء في حاجة اليوم الى كل يد صادقة تأخذ بيده وتعضده في مسيرته. كما أدعو المواطن إلى مزيد من الثقة بقضائه وبقضاته وأن لا يتوقف عند بعض الهنات، وألا ينزع الى التعميم. فثمة قضاة في لبنان ينافسون القضاة الأكثر رفعة في العالم، بعلمهم ونزاهتهم وعطائهم، وهم يؤمنون بأن القضاء، هو أولا وأخيرا، وقبل كل شيء، رسالة خدمة، وعطاء لا حد له ولا منة ترتجى من ورائه".

وقال: "قبل الختام، أستعيد، يا فخامة الرئيس، كلمات كنتم قد خاطبتم بها القضاء في مناسبة سابقة، حيث اعتبرتم: "أن الداخل الى محراب القضاء، كالناسك الداخل الى صومعته، يدفعه ايمانه العميق، وتصقله معاناته الدائمة، ويتوجه عطر سمعته الفاضلة"؛ أستعيد ذلك وأنطلق منه، لأذكر نفسي، وكل زميل من زملائي، بالآتي: إن من ولي رتبة القضاء فقد ولي شرفا عظيما لا يرقى اليه أي شرف، وحمل حملا جسيما لا يوازيه أي حمل؛ أما الحمل فيتمثل في أنه تم إختيارنا لنحكم بين الناس ولنحكم على الناس، ولنثبت باسم الشعب اللبناني عماد دولة العدل، ونرفع لواء حكم القانون؛ أما الشرف فقد منحناه، ويبقى أن نحافظ عليه، فيرافقنا طيلة حياتنا، ويكسبنا احتراما وهيبة وتقديرا، فنرضى عن النفس في الدنيا، ويرضى عنا ربنا في الآخرة، ونضحي بسمعتنا الطيبة، وسيرتنا العطرة، مصدر فخر وفرح لعائلاتنا وأولادنا بل حتى لأحفادنا، شرط ان نأخذ العبرة من تجربة غيرنا، وأن تكون لنا في الكبار الكبار منا إسوة حسنة، فنمضي على هديهم، في سعي دائم للاكتساب والاستزادة، علما، وحسن تصرف، ورزانة، ووقارا، ووداعة، ورحابة صدر، واتساع أفق، مع ترفع عن المغريات والعصبيات، وانكباب، بكامل روح الخدمة والتفاني، على الانتاجية التي تشكل السبيل لإثبات الوجود وتنمية القدرات وإتمام الواجبات . وهذه المبادىء الرواسخ تصلح على الأخص لترعى خطوات الخريجين من معهد القضاء، وتشكل البيئة الحاضنة لكل من ينتسب اليه في المستقبل".

واضاف: "أخيرا أذكركم يا قضاة لبنان وأذكر نفسي بأن الوطن يعول علينا الكثير، وأن الظروف مهما صعبت لا تبرر على الإطلاق أي تراخ أو وهن أو انكفاء على مستوى العمل القضائي، بل على العكس فإنها تحتم علينا الاستنفار والنهوض والتصميم على المواجهة كائنة ما كانت العقبات".

وختم: "في هذا اليوم ذي الألق، يوم معهدنا، الدرة الثمينة من درر القضاء والظاهرة الحضارية السباقة، أجدد باسم السلطة القضائية الوعد والعهد بأن يستمر قضاة لبنان في العمل من أجل غد قضائي أفضل، وأتقدم منكم باسمي، وباسم زميلي رئيس مجلس شورى الدولة ورئيس ديوان المحاسبة العزيزين شكري صادر وعوني رمضان، بل باسم قضاة لبنان جميعا، بالشكر على رعايتكم الكريمة لهذا اليوبيل الذهبي، وهي رعاية اضفت عليه بهاء على بهاء واملا على أمل، وشحذت الهمم، ومتنت العزائم؛ وأسأل الله في هذه المناسبة الجلى أن يحل سلامه علينا وعلى هذا الوطن، وأن ييسر لنا سبل الخلاص مما نحن فيه، إنه سميع مجيب.
عاش القضاء سيدا مستقلا، رافعا لواء دولة العدل وحكم القانون، وعاش لبنان وطنا أبيا لبنيه ومصدر إشعاع لقيم السماح والانفتاح والعدالة".

قرطباوي
بعد ذلك، تحدث وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال فشكر "رئيس الجمهورية لقبوله رعاية الإحتفال في الذكرى الخمسين لتأسيس معهد الدروس القضائية الذي أنيطت به رسالة سامية، ألا وهي تنشئة من سيحكم باسم الشعب اللبناني بكامله من على قوس المحكمة"، وقال: "إن حضوركم اليوم وحضور دولة الرؤساء وممثليهم ومعالي الوزراء وسعادة النواب وسائر الضيوف، ما هو إلا دليل منكم جميعا على الاهتمام الذي تولونه للقضاء باعتباره السلطة الثالثة المنصوص عنها دستوريا، ولو كان الواقع لا يأتلف مع روحية النص".

أضاف: "في يوبيله الذهبي، يسعدني أن أذكر بالخير القاضي الراحل خليل جريج مؤسس معهد الدروس القضائية على هذا الإنجاز الكبير، وكل القضاة الذين ترأسوا المعهد أو تولوا مديرية الدروس فيه، مترحما على من توفي منهم، شاكرا عطاءهم، وشاكرا الأحياء من بينهم، متمنيا لهم عمرا مديدا. والشكر بصورة خاصة الى رئيس المعهد الحالي القاضي سامي منصور الذي يغادرنا قبل نهاية السنة الحالية ولوجا الى تقاعد يستحقه بعد حياة قضائية مديدة تشهد له بالعلم والنزاهة والتواضع. والشكر أيضا لمدير الدروس في المعهد القاضي سهيل عبود على ما قام ويقوم به من تجديد وتغيير، وأقول له إننا نعول عليه في المرحلة المقبلة من أجل متابعة تنشئة جيل من القضاة يستحقون الحكم بإسمنا. وفي المناسبة، لا بد أيضا من شكر الدول الصديقة التي ساهمت وتساهم في تطوير معهد الدروس القضائية من خلال المساعدات التي قدمتها وتقدمها".

وتابع: "في اللحظة التي يتم فيها الإحتفال بهذا اليوبيل، لا بد من التقدم بالشكر باسم قضاة لبنان الى المجلس النيابي الكريم ودولة الرئيس نبيه بري على القانون الذي أقره مجلس النواب في صيف 2011 والى فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء على إصدار القانون المذكور المتعلق بزيادة رواتب القضاة، هذا القانون الذي كان معالي الوزير ابراهيم نجار قد بدأ العمل في سبيل إقراره، والذي إنتقده كثيرون بعد صدوره واعتبروا أنه فتح بابا لمطالبات إجتماعية عديدة، إلا أن هذه الإنتقادات أغفلت أن الزيادة تعود لإحدى السلطات الدستورية الثلاث، وأن المقصود منها السماح للقاضي بالعيش بكرامة مع عائلته، فضلا عن محاولة اجتذاب عناصر جيدة من الشابات والشبان ليكونوا قضاة لبنان المستقبل. وذكر أن معالي الوزير بهيج طبارة ساهم في عمل مماثل في بداية التسعينات من القرن الماضي، فأوقف في حينه موجة الإستقالات من القضاء. فشكرا لكل من ساهم ووافق على إصدار قانون سنة 2011".

وتوقف قرطباوي "أمام موضوع القضاء عموما بصراحة وبساطة"، لافتا إلى أنه "وزير للعدل آت من المحاماة، عرف القضاء من خلال عمله كمحام مدة طويلة وكنقيب للمحامين، وعرف القضاء من الداخل كوزير للعدل"، لافتا إلى أنه يعرف بالتالي "الوضع الحقيقي للجسم القضائي بإيجابياته و سلبياته"، وكان شعاره ساعة تسلمه لمهامه الوزارية "العمل في سبيل إعادة ثقة الجسم القضائي بنفسه وثقة المواطنين بالجسم القضائي".

وقال: "إن استعادة الثقة لا تكون بكلمات إنشائية أو بلغة خشبية لا يصدقها حتى من يطلقها، بل بمجابهة الواقع والإعتراف بوجود مشاكل وبيان الحلول الممكنة. أمامكم فخامة الرئيس، ومن على هذا المنبر، أعترف بوجود المشاكل، وأؤكد أن بدايات حلول قد بوشر العمل عليها. وإنني أقول بصراحة كلية إن المشاكل الأساسية تنبع من مصادر ثلاثة: من داخل القضاء نفسه، من الطبقة السياسية والنافذين، ومن ذهنية مهيمنة على أكثرية اللبنانيين لا يمكن تجاهل خطرها على مؤسسة القضاء".

أضاف: "أما في الكلام عن القضاة فيجب الإعتراف بأن الأكثرية الكبيرة من بينهم هي من درجة مميزة، وبالتالي فإن التعميم الإعلامي أو السياسي أو الشعبي في الكلام عن أي خلل قضائي هو تعميم ظالم يصيب القضاة كافة. وبالمقارنة، فإن آلاف الطائرات تحلق كل يوم في الفضاء الواسع ولا أحد يتكلم عنها، في حين أن الطائرة التي يصيبها حادث ما أثناء طيرانها تتصدر الأنباء في العالم أجمع. وهكذا في القضاء، فالقضية التي يشوبها خلل تصبح حديث الجميع وتحجب العمل الممتاز الذي تقوم به الأكثرية الكبيرة من القضاة، إلا أن ذلك لا يمنعني من الإعتراف بوجود معضلات ثلاث لا بد من معالجتها.
المعضلة الاولى: تتعلق بالتأخير في المحاكمات الذي يعود الى أسباب عديدة بعضها يتصل بحق الدفاع المقدس ودرجات المحاكمة من بداية وإستئناف وتمييز، وبعضها يعود الى قسم من زملائي المحامين وتجاوب بعض القضاة مع طلباتهم في التأخير، والبعض الأخير يعود الى بطء عمل بعض القضاة كي لا أقول أكثر من ذلك. وهذا أمر بدأت معالجته من خلال الإحصاءات التي يجريها أحد القضاة بناء لطلب وزارة العدل بالإتفاق مع مجلس القضاء الأعلى، ومن خلال برنامج السجون الإلكتروني المعروف باسم "باسم" والذي يبين الوضع القضائي لكل نزيل في السجون ويتيح بالتالي إمكانية معالجة أي تأخير في بت قضيته. وهذه الإحصاءات لن تتوقف ولو أزعجت البعض. وتحال النتائج الى التفتيش القضائي والى مجلس القضاء الأعلى ليبنى على الشيء مقتضاه. وقد بدأت بوادر التحسن في الظهور خلال سنة 2013 مقارنة مع سنة 2012".

وتابع: "المعضلة الثانية تتعلق بإزالة الشوائب من الجسم القضائي نفسه، وليس هناك عيب في الإعتراف بوجود شوائب. فالقضاة بشر كسائر البشر، والإنسان معرض للتجربة وإن كانت نتائجها على مستوى القضاء أكثر إيلاما من أي موقع آخر. وهنا، دعوني أنقل إليكم نظرتي الى نصف الكوب الملآن بدل التطلع دوما الى نصف الكوب الفارغ. فالجسم القضائي قام ويقوم خلال السنتين الأخيرتين بجهد غير مسبوق في تاريخ القضاء اللبناني. فالإحالة على المجلس التأديبي للقضاة إرتفعت بنسبة 400 في المئة، وعدد من صرف من الخدمة نهائيا خلال سنتين يزيد عن عدد من صرف من الخدمة خلال عشرين عاما متواصلة، وآلية إعلان عدم أهلية القاضي المنصوص عنها في المادة 95 من قانون القضاء العدلي بدأ تطبيقها للمرة الأولى. وهذا كله يدل على شجاعة معنوية كبيرة أبداها كل من التفتيش القضائي والمجلس التأديبي للقضاة والهيئة القضائية العليا للتأديب، وبالطبع كل من مجلس القضاء الأعلى ومكتب مجلس شورى الدولة، كما يدل على الدعم المعنوي الكبير الذي تقدمه وزارة العدل للجسم القضائي، وكل ذلك بتشجيع مشكور من فخامتكم ومن دولة رئيس الحكومة. ودعوني أؤكد وأجزم أن عملية تنقية النفس التي ينفرد بها الجسم القضائي عن كل المؤسسات الأخرى في لبنان ستستمر مهما كانت الصعوبات".

وأردف: "أما المعضلة الثالثة، وسأقول ذلك علنا وبكل صراحة، فطالما أننا نقولها جميعنا همسا، ألا وهي محاولة تسييس بعض الملفات من قبل بعض النافذين ومن قبل قلة من القضاة، وتدخل بعض السياسيين والنافذين في القضاء، ولجوء قلة من القضاة الى أمراء المذاهب والطوائف والى بعض السياسيين والنافذين على أمل نيل مركز قد يعتبرونه ذي شأن أكبر من غيره. وبالطبع مقابل كل خدمة من طرف خدمة من الطرف الآخر".

وتوجه إلى السياسيين مرددا ما قاله عندما كان نقيبا للمحامين عام 1997، بالقول: "السياسة دولاب، يوم لنا ويوم علينا، وحده القاضي النزيه المتجرد والمستقل يحمينا أينما كنا، والى أي دين أو مذهب انتمينا، ومهما كان رأينا السياسي. ولنتذكر أن من يقف على بابنا اليوم قد وقف على باب غيرنا بالأمس وسيقف على باب سوانا غدا. وما قلته عام 1997 يصح في كل زمان وفي كل مكان. ولهذه القلة القليلة من القضاة، أقول: حافظوا على إستقلاليتكم وتجردكم، فللسياسيين مصالحهم، وهذه سنة الحياة، ولكم أنتم مصالحكم ألا وهي المحافظة على كرامتكم وقدسية قسمكم".

وذكر اللبنانيين ب"أن معايير النزاهة والتجرد والإستقلال هي المعايير التي تحمي كلا منهم، وأن في كل قضية هناك خاسرا ورابحا وليس القاضي هو المخطىء في كل دعوى نخسرها، وأننا نستطيع أن نربح دعوانا بالحق وبالقانون، وليس بالواسطة، كما يقول الكثيرون من بيننا. فلا نظلمن القاضي لمجرد خسارتنا الدعوى".

وتوجه قرطباوي الى "القضاة المتدرجين، قضاة لبنان المستقبل، وإلى القضاة العاملين" بالقول: "كونوا أحرارا في قراراتكم، فلا فضل لأحد عليكم. كونوا متواضعين، فالتواضع سمة الكبار. كونوا فخورين لا متكبرين. التزموا واجب التحفظ الذي لا يعني التنسك، إلا أنه يعني حفظ هيبة القضاء وعدم الإنخراط في تلك المظاهر الفارغة التي تكثر في المجتمع اللبناني. تابعوا التحصيل العلمي الدائم، فالعلم يسير بخطى متسارعة جدا ولا بد من متابعتها باستمرار. وتذكروا بأن القاضي يبقى قاضيا له التقدير نفسه أينما كان وفي أي مركز ألحق، ولا تنسوا أن جلوسكم في المقاعد الأمامية من المجتمع يعطيكم بالطبع حقوقا مميزة وضمانات، إلا أنه يرتب عليكم واجبات أكبر وأصعب من أجل دولة القانون التي نريد، والتي يجب أن تصبح واقعا، لا أن تبقى شعارا نتغنى به في المناسبات".

سليمان
والقى الرئيس سليمان الكلمة الآتية: "يرتدي هذا اليوم ثوب الحق والعدالة نصرة للمظلوم وتثبيتا للاستقرار الاجتماعي. وإذ نطوي صفحة لنفتح أخرى في كتاب القانون ومعرفته، فذلك يزيد من تصميمنا ويؤكد عزيمتنا على المضي قدما في ترسيخ مبادىء وقيم الجمهورية، والتي أردناها سيدة، حرة وديموقراطية. ومن المسلم به أن تحصين تلك القيم لا يتم سوى باستقلال السلطة القضائية، والتي وفقا لما أشرنا إليه في خطاب القسم والتي لا يقتصر دورها على الفصل بين المتقاضين فقط بل ترسي مناخ عدالة، يوفر ملاذا لكل صاحب حق، وإنتظاما عاما لكل مرافق الدولة ، فالأيادي البيض سمة العدل، "والعدل أساس الملك".

إن معهدكم، الذي انطلق بعد عقدين من نيلنا الإستقلال هدف وما برح إلى إعداد وتخريج رجال قانون مختزنين علما ومعرفة. لم يستنكفوا يوما عن دورهم في إحقاق الحق، وبرغم الصعاب لم يتركوا الميدان وكان لهم في أحلك الظروف مواقف أهل الجرأة والسؤدد. أعلم أن ما يعترض عملكم شاق، وأنكم في كل يوم في تحد دائم مع الذات ومع الغير.

دعوتي إليكم، وأنتم الحرصاء على القسم والرسالة ألا تتركوا الخوف يلج إلى قلوبكم فتحجموا، ولا تجعلوا للمحاباة حيزا في عقولكم فتخطئوا، ولا تشقوا للمغريات طريقا في ضمائركم فتجنحوا.

ممن تخافون؟ مم تخافون؟
لا تخافوا. فأنتم تحكمون بإسم الشعب اللبناني، ولا يعود لكم بالتأكيد، البحث عن الملاءمة السياسية في الأحكام، وهذا ما طلبته إليكم في خطاب الاستقلال الذي ألقيته أمامكم العام الفائت في قصر بعبدا.

وما أحوجنا اليوم إلى الأحكام الحازمة والعادلة، حيال مخططي ومنفذي الإغتيالات ومرتكبي المجازر في الضاحية الجنوبية وفي طرابلس، هذه المدينة العزيزة، ألتي افتتحنا فيها قصرا للعدل مكتمل المواصفات في العام 2011، وهذا بات يحتم ترسيخ العدالة وتطبيق القانون، واقتلاع المتاريس والدشم ووقف النزف المستمر. ومن الملح أيضا وبالتنسيق مع القوى العسكرية ملاحقة ومعاقبة مرتكبي أعمال الخطف والاعتداءات ضد ضباط الجي وجنوده، ومن دون أن ننسى بالتأكيد القضاة الأربعة الشهداء. فلنهز عصا العدالة ونضرب بها ليطمئن المواطن إلى غده ومستقبله، ويرتدع المجرمون.
وبيروت "أم الشرائع وحاضنة الحق ومرضعة القوانين" والتي أطلقنا من على أرضها في ذكرى مئوية جامعة القديس يوسف جائزة "بيروت أم الشرائع"، لم تكن، ظاهرة تميز فريدة في دنيا القانون. فقد كان لبنان كذلك رائدا في مجال إنشاء "معهد الدروس القضائية" مثلما كان في مجالات عدة، في طليعتها السير في نظام ديمقراطي لم تستطع أن تنال منه المتغيرات الإقليمية إن في أنظمة الحكم وإن في الحروب المتتالية، وخصوصا تحديات الصراع العربي الإسرائيلي وتداعياته.

صحيح أن ممارستنا للديموقراطية إنما نتجت من اقتناعاتنا وكانت انعكاسا لثقافة أساسها احترام حرية الرأي والرأي الآخر، لكن الصحيح أيضا أن الحفاظ على نظامنا الديموقراطي لا يكون إلا بوحدتنا وإصرارنا على المضي بالميثاق الذي ارتضيناه، وعيشنا الواحد الذي يقدم اليوم مثالا لإغناء المجتمعات والأوطان، إنطلاقا من تنوع الثقافات والأديان. كما أنه يشكل حلا للكثير من المعضلات التي تواجه بلدانا عدة، وخصوصا تلك المتسمة بالتعددية مع تنامي حركات التبادل البشري بين الدول بفعل العولمة.

من هنا، من هذا الصرح وما يمثل كركيزة أساسية للبناء الديموقراطي، دعونا لا نهدم بأيدينا أعمدة هذا البنيان، إن بمقاطعة المجلس النيابي، أو بتعطيل تأليف الحكومة، وتعطيل نصاب المجلس الدستوري، أو غدا بتعطيل هيئات المحاكمات، او لا سمح الله تعطيل نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.

إن مهمتنا التاريخية، تقضي بالحفاظ على حرمة هذا البنيان وقدسيته لنثبت لذواتنا أننا حريصون على الأمانة فالتاريخ وما نعاصره يشهدان على الدم المراق في سبيل الوصول إلى ما بدأنا به نحن منذ الاستقلال. علينا أن نثبت لأنفسنا وللعالم، للصديق قبل العدو، أننا نستحق هذا الوطن الفريد والمميز في نظامه، وسط هذا الشرق المضطرب، قبل أن نفتقد ما نمتلكه من أطر عيش حر وكريم، فلا تعود تنفع معها مشاعر الندم.

لقد لقي ما أشرنا إليه في افتتاح السنة القضائية عام 2010-2011، من وجوب أن يصلح القضاء نفسه بنفسه، إهتماما جديا من قبل القيمين عليه، أي وزارة العدل وعلى رأسها وزير العدل، مجلس القضاء الاعلى والهيئات التأديبية والتفتيش القضائي وكافة الهيئات القضائية الاخرى، عبر تفعيل عمل المجلس التأديبي واتخاذه قرارات حاسمة وفاعلة، وتطبيق للمادة 95 من تنظيم القضاء، والمتعلقة بأهلية القاضي، وغيرها من التدابير التي تحصن النزاهة، وحسن اختيار القضاة لكي تبقى العدالة أيقونة مشرقة سامية قولا وفعلا. فالمشكلة ليست فقط في ما قد يعتري الجسم القضائي من وهن في مكان ما، أو من علة في مكان آخر، بل وقد تكون في عدم التنبه لما يجري، والإهمال تاليا في معالجته جذريا. فبعدما تم الإيفاء بوعدنا بتحسين أوضاع القضاء والقضاة بما يليق بهم، يجدر تكثيف الجهود للاستمرار في رفع مستوى الإنتاجية ومتابعة ملف إصلاح السجون، وإصدار الأحكام بما يليق بلبنان وسمعة العدل والقضاء فيه، وانا اعلم انكم تتابعون هذا الموضوع بجدية.

نحتفل باليوبيل الذهبي للمعهد، فيما نواجه تحديات مصيرية، وما يحصل في سوريا من حوادث منذ ما يزيد على سنتين، وما أسفر عنه من تدفق أعداد غير مسبوقة من اللاجئين، يرخي بظلاله على وطننا بتفاقم الأزمات من أمنية واجتماعية واقتصادية. ولا يمكن تداركها والتخفيف من سلبياتها وآثارها، سوى بتأكيد ثوابتنا الوطنية، والتمسك بوحدتنا وبسلمنا الأهلي، والإلتزام بما أجمعنا عليه وتضمنه إعلان بعبدا الذي خصص البند 6 "لدعم سلطة القضاء".

عاجلا أم آجلا، ستنتهي المرحلة الإنتقالية العاصفة التي تجتاح المنطقة، وستكون الغلبة للحوار، ومن الأجدر بنا تفادي كلفة أي نزاع عبثي والجلوس معا اليوم بإرادة جامعة، لاجتراح الحل بصورة استباقية والحد من الأضرار اللاحقة بنا، وتوفير اخطار التشرذم والانقسام وتلافيها.

إنني على يقين، أن البلد الذي آمن قادته بالمؤسسات فأرسوها وعملوا لها، وفي طليعتها "معهد الدروس القضائية" و"كلية المدرسة الحربية"، وللصدف ان مؤسس هاتين المؤسستين العظيمتين هو الرئيس فؤاد شهاب، وذكرتهما نظرا للتكامل معه أي تكامل القضاء والقوى الامنية، وأن وعي القوى الحية قادر على تجاوز المحن وتحقيق أحلام العيش الكريم والأمن الذي يتوق إليه الشعب على قاعدة العدل.
عشتم وعاش القضاء سليما معافى".  

  • شارك الخبر