hit counter script

باقلامهم - البروفسور جاسم عجاقة

النانوتكنولوجيا: قوّة الردع الجديدة

الإثنين ١٥ تشرين الأول ٢٠١٣ - 06:40

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

من منّا لم يسمع بقضية النسر الطائر الذي تمّ إسقاطه في كسروان والذي كان يحمل أجهزة تجسس إسرائيلية؟ ليست هذه القضيّة الأولى من نوعها، فجميعنا يتذكر أيضاً قضيّة الأجهزة في الباروك. ولكن، ما لا يعرفه الجميع أنّ هذه العمليّات تدخل ضمن أساليب قوى ردع جديدة كما سيظهره هذا المقال.

تعني كلمة نانوتكنولوجيا العلوم والتقنيّات التي تتمّ على مقياس النانومتر (كل نانو متر هو واحد من المليار من المتر). والقدرة على التعامل مع الذرات والجزيئات، يجعل من الممكن بناء الآلات على نطاق الخلايا البشريّة أو إنشاء المواد والهياكل من أسفل إلى أعلى مع خصائص محدّدة. وهذا يُؤثر على تصميم وتوصيف وإنتاج واستخدام الأجهزة والهياكل والنظم التي تحكم شكل وحجم النانومتر على نطاق واسع.
ويُمكن رؤية النانوتكنولوجيا كتغيير للطريقة التي استعملت لتصميم كل شيء يُحط بنا تقريباً: أجهزة الكمبيوتر، الملابس، المعدّات الرياضيّة، سفن الفضاء والأقمار الصناعيّة، السيّارات، علاجات السرطان، طلاء الجسور، وحتى الكائنات والأجهزة التي لم يتمّ تصوّرها حتى الان.

لمحة تاريخيّة
تمّ استخدام كلمة نانو للمرة الأولى في العام 1911 واعتمدت كوحدة قياس للطول في العام 1956. ولكنّ الثورة الحقيقيّة بدأت في العام 1959 مع خطاب ريتشارد فاينمان الشهير في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، حيث قال "هناك الكثير من الفضاء في الجزء السفلي". وبدأت الأبحاث تأخذ مجراها وتمّ تطوير عدد من التقنيات وضعت تحت مصطلح التكنولوجيا النانوية. وتواكبت الاكتشافات منذ العام 1974 حتى يومنا هذا، حيث استطاع العلماء اختراع الديود الجزئي، اختراع المجهر النفقي الماسح، اكتشاف الفوليرين، اختراع المجهر ذي القوة الذريّة من قبل باحثي آي بي إم في زيوريخ، اكتشاف الأنابيب النانومترية (أساس الثورة الصناعية النانوية)، اختراع "أم أربعة وأربعين"، نموذج أولي لنظام تخزين البيانات (آي بي إم) بواسطة الثقوب، اختراع أول جهاز ميكانيكي بواسطة الجزيئيّة... وغيرها الكثير.
وقام دريكسلر إريك كيم في العام 1986 بنشر كتاب "محركات الإبداع: المرحلة القادمة من تقنية النانو"، الذي شكّل الأساس للخيال العلمي كما لأفلام هوليوود التي اجتاحت شاشات التلفزة.

صعوبة التقنيّة النانويّة...
تكمن صعوبة التقنيّة النانويّة في مدى امكانيّة السيطرة على الذرات بعد تجزئة المواد المتكوّنة منها. فهي تحتاج بالتالي إلى أجهزة دقيقة جداً من جهة حجمها ومقاييسها وطرق رؤية الجزيئات تحت الفحص. كما أن صعوبة التوصل إلى قياس دقيق عند الوصول الى مستوى الذرة يُعدّ صعوبة أخرى تواجه هذا العلم الجديد الناشئ.

من يهتم لتقنية النانو؟
تُستخدم تقنيّات النانو في مجال المواد الكيميائيّة حيث يبلغ حجم القطاع 440 مليار دولار سنوياً. كذلك تُستخدم هذه التقنيّات في مجال الالكترونيّات مع حجم يبلغ 300 مليار دولار سنوياً، والصيدلة 180 مليار سنوياً، والفضاء 70 مليار سنوياً، والأدوات 22 مليار سنويّاً. كما أنّ عدد العاملين في هذا القطاع يُوازي المليونَي موظف.

هل هناك أيّ استخدام للتكنولوجيا النانويّة اليوم؟
ليست الجزيئات النانويّة كالذرات (التي يحكمها ميكانيك الكم)، ولا مثل المواد العيانيّة (التي يحكمها ميكانيك نيوتن)، بل هي موجودة في عالم غريب بين هذين العالمين النقيضين. واستطاع العلماء، بقدرة الخالق، أن يخلقوا مجالات تطبيقيّة للتكنولوجيا النانويّة في مجال الالكترونيّات، أجهزة الكمبيوتر، المجال العسكري، سفن الفضاء والأقمار الصناعيّة، السيّارات، الطب، المعدات الرياضيّة، الملابس وطلاء الجسور.

تحديات الوضع...
في العام 2004، صرح الوزير الفرنسي المُفوض للبحوث فرنسوا لوس أن قدرات تقنية النانو لخلق ثورة صناعية ثالثة واقتصادية لم يسبق لها مثيل في العالم. ويُساعد على تدعيم هذا التصريح "قانون موور" الذي ينص على أنّ عدد الترانزستورات في المعالج على شرائح السليكون يتضاعف كل سنتين. لذا نستنتج أنّ تطور هذا القطاع يعتمد بالدرجة الأولى على حجم الاستثمارات في هذا القطاع والتي تُظهر أرقامها أنها في تزايد مستمر (من المُتوقع أن تصل نسبة الاستثمارات في هذا قطاع التقنيات النانونية مليار دولار سنوياً في العام 2015).

عسكرة تكنولوجيا النانو...
في تصريح له دويّ قنبلة في العالم العسكري، صرح الادميرال إرميا نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الامريكي، أنّ "التطبيقات العسكريّة للتصنيعات الجزيئيّة لها إمكانات أكبر من الأسلحة النووية عبر إجراء تغيير جذري في موازين القوى". فالدول التي تمتلك المعرفة في تقنيات النانو، لديها ميزة حاسمة:
- على المستوى التكتيكي: الـنانوسانسورز تسمح بإزالة الغموض عن طريق إعطاء قائد القوات البرية نظرة مثالية عن ساحة المعركة؛
- على المستوى الاستراتيجي، يُشير بعض الباحثين إلى أن أسلحة النانو بديل عن الأسلحة النووية وأدوات جديدة للردع. وتكمن قدراتها في مجموعة واسعة من الخيارات للرد على العدوان.
ويرجع التقدّم المُحرز في مجال التكنولوجيا العسكرية أساساً إلى زيادة المعرفة في تكنولوجيا النانو. حيث نلاحظ أنّ تكنولوجيا النانو يمكن أن تقدّم في المجال العسكري، التسليح نفسه، نُظم الاتصالات (الرصد اللاسلكي)، والأدوات الخلسة وحتى الزيّ الرسمي للجنود.

فمثلاً، السترات الواقية من الرصاص في الوقت الحاضر هي من الكيفلار التي هي عبارة عن ألياف اصطناعية تمتلك صفات استثنائية من قوّة الشدّ والاستطالة. ومع التقدم في تكنولوجيا النانو، ستُبدل هذه السترات بسترات واقية nanocomposites ولكن لديها سمة مميّزة لكونها أخف وزناً وأقوى، مع الحفاظ على المرونة وتوفر حماية أفضل بـ 100 مرة أكثر من الصلب. ويتم إنتاج هذه الـ nanocomposites من قبل الشركة ApNano منذ عام 2006.
أيضاً، ووفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الاسرائيلية، فإنّ اسرائيل تطوّر نموذج nano-robots يسمح بالذهاب حيث لا يمكن للبشر ذلك، لإعطاء معلومات عن وضع العدو، أو ببساطة إدخالها في الجسم من أجل قتل الأعداء.

الدبور الالكتروني...
وفقاً لصحيفة اسرائيليّة نُشرت بتاريخ 11 تموز 2008، تستخدم الدولة العبريّة تقنية النانو لخلق الروبوتات بحجم الدبور التي من شأنها أن تكون قادرة على تتبّع الصورة وقتل الأهداف المنوطة بها. وأضافت الصحيفة أنّ الروبوت الطائر، والمعروف باسم "الدبور الالكتروني" قادر على شق طريقه إلى أماكن صغيرة جداً، من أجل تحقيق عمليّات من الضربات الجراحيّة.
ومشروع "الدبور" ليس الوحيد الذي بقيد التطوير في اسرائيل حيث تُوجد مشاريع أخرى، مثل القفازات التي تهدف الى زيادة قوة الجندي وأجهزة استشعار مصغّرة ترصد لأبعد الحدود، لحماية الجندي من التفجيرات الانتحاريّة.
ووفقاً لشمعون بيريس، يدمج البحث تكنولوجيا النانو تماماً في نطاق الفرص المتاحة لإسرائيل، الأمر الذي سيساعد في إيجاد حلول للمشاكل التي لا يمكن للجيش تسويتها بالطريقة التقليدية. ويُضيف بيريس "أظهرت الحرب في لبنان مدى أهمية أن نكون مجهزين بأسلحة أصغر بكثير. فليس من المنطقي إرسال طائرة تكلف 100 مليون دولار لقتل انتحاري واحد ولذا قررنا أن نبدأ ببناء المزيد من الأسلحة المناسبة للوقت الراهن والمستقبل".

النانوتكنولوجيا مقابل الأخلاق
تسمح تقنيّات النانو تكنولوجيا اليوم بالتحكم بتحركات فأر من خلال جهاز تحكم عن بعد متصل بجهاز مزروع في جمجمته. لذا قد يتخيل القارئ كيف أن التطبيق على الانسان قد يكون مُرعباً! ويعتقد بعض الخبراء أن بعض التجارب تتم على المساجين ولكن بسرية كاملة.
ولكن هذا الوجه البشع لتقنيات النانو يُقابلها وجه جميل يتمثل في مجال الطب. فعلى سبيل المثال، تمّ اختراع عدسات لاصقة الكترونية حيث اختبر الباحثون النموذج على عين أرنب لمدة 20 دقيقة من دون رؤية أي أثر سلبي. وهذا الجهاز لا يتداخل مع الرؤية وحتى أنه لا يزال هناك الكثير من المساحة حول الجزء الشفاف من العين التي يمكن استخدامها لوضع نظم اتصالات لاسلكية. ومع ذلك، تبقى مشكلة شحن الـ nanocircuit العقدة الأساسيّة أمام تسويق هذا النموذج.
كما تسمح تكنولوجيا النانو بإنشاء بروتيز طوليّة العمر، تتوافق مع مطلبات الحياة وحتى تُمكن المريض من استعادة الشعور. وبالإضافة إلى ذلك، يقوم الباحثون على تطوير مجالات النانو لإزالة السموم من الدم، والبعض الآخر في محاولة لتقليل حجم المختبر القادر على تحليل العينات.
ومن بين الحالات الأولى التي تمّ استخدام التكنولوجيا النانوية في هذا المجال، تدمير الورم السرطاني مع الجسيمات النانويّة التي تحتوي على الحديد وذلك عن طريق حقن هذه الجسيمات (15 نانومتر) في الورم.
لذا، وممّا تقدّم، نرى أنّ أسلحة الدمار الشامل التي اعتبرت منذ الحرب العالميّة الثانية وحتى الآن أسلحة ردع، بدأت بالتخلّي عن هذه الصفة لصالح الأسلحة النانونيّة والتي أثبتت الولايات المتحدة الأميركيّة تفوّقها في هذا المجال منذ حرب الخليج الأولى.
 

  • شارك الخبر