hit counter script

مقالات مختارة - نقولا ناصيف

«إعلان بعبدا» والمعادلة الثلاثية: مخــتلفان غير متناقضين

الأربعاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٣ - 08:22

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

كلما تقدم التكليف في السن تضاعفت شروط التأليف: العدد والحقائب والحصص والبيان الوزاري. وهي بالكاد بدأت. لا يسع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سوى انتظار قوى 8 و 14 آذار الوقت اللازم كي يتفاهما على مخرج يرضيهما. بذلك تمسي الصلاحيات الدستورية الآن غير مجدية


رفع حزب الله، بلسان النائب محمد رعد الاحد الفائت، سقفا عاليا لتأليف الحكومة، اضاف اليه شرطا جديدا سيكون من المتعذر على رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام تجاهله، وعلى قوى 14 آذار الموافقة عليه، هو ربط التأليف بالموافقة المسبقة على البيان الوزاري، وربط الاتفاق على البيان الوزاري باعادة ادراج بند «الجيش والشعب والمقاومة» مرة اخرى في البيان قبل التفاهم على الحكومة نفسها حتى. يوحي الشرط الجديد لوهلة بأنه يقطع الطريق على ضم «اعلان بعبدا » الى البيان الوزاري، وكأنه على طرف نقيض من المعادلة الشائكة تلك، وسط اصرار فريق على قصر البيان الوزاري على «اعلان بعبدا»، وآخر على المعادلة الثلاثية.
في خاتمة المطاف لا يعني اظهار هذا التعارض سوى تفاهم ضمني بين قوى 8 و14 آذار على تأخير تأليف حكومة سلام الى وقت غير قريب. لكنه يرمي ايضا الى التأكيد ان البيان الوزاري يتقدم التأليف.
الواضح ان كلا من «اعلان بعبدا» ومعادلة «الجيش والشعب والمقاومة» تبدوان مختلفتين اكثر منهما متناقضتين. لا تستبدل احدهما الاخرى، ولا ادراجها في البيان الوازري يعطل الاخرى او يلغيها. بل لكل منهما هدف مغاير : يتوجه «اعلان بعبدا» الى رفض التورط في الحرب السورية، وتتوجه المعادلة الثلاثية الى تثبيت حق المقاومة في الدفاع عن لبنان في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية. وهما بذلك لا تلتقيان عند تقاطع محدد. بل يصح ادراجهما في البيان في الوزاري لحكومة سلام انطلاقا من النطاق الذي يخاطبه كل منهما في موازاة الاخر .
عندما يصر حزب الله على المضي في مشاركته في حرب سوريا، يصبح من الحتمي رفضه «اعلان بعبدا» من غير ان يكون ثمة ترابط مباشر بين الاعلان والمعادلة الثلاثية التي يتمسك الحزب بها لاسباب مختلفة بكليتها عن دوره داخل الاراضي السورية وفي خضم نزاعها المسلح. الامر نفسه بالنسبة الى قوى 14 آذار وتيار المستقبل خصوصا. لا يعني رفضهما معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» سوى انكار حق حزب الله في استمراره في صراع عقائدي وديني مع اسرائيل لا علاقة للبنان به، لكنه يقتضي ان يحتفظ بسلاحه من جرائه. وهو موقف لا صلة بينه وبين «اعلان بعبدا» الذي يقصر وظيفته على اخراج الاطراف اللبنانيين، السنة والشيعة على السواء، من الحرب السورية.
بدوره الرئيس ميشال سليمان الذي تحول صلاحياته الدستورية دون ان يكون عاملا متدخلا في البيان الوزاري كون الائتلاف الحكومي هو المعني المباشر بوضع البيان والاتفاق عليه ــ وهو يدخل في التكوين الدستوري للحكومة التي تنال ــ او لا تنال ــ ثقة مجلس النواب عليه كي تباشر ممارسة الحكم. مع ذلك لسليمان وجهة نظر مغايرة عن اللتين تحصّن فريقا 8 و 14 آذار برفض احدى المعادلة والتمسك بالاخرى .
يدعم الرئيس الحجة القائلة بامكان ادراج «اعلان بعبدا» والمعادلة الثلاثية معا في البيان الوزاري من غير ان يناقض احدهما الاخر. في ظنه، بقليل من الحذاقة والاناقة والنية الحسنة، يتاح التوصل الى صيغة تجعل احدهما يكمّل الآخر. يتمسك بـ «اعلان بعبدا» على انه صنيعته وانجازه الاستثنائي، تماما كاجتماع «مجموعة الدعم الدولية للبنان»، الذي حظي بدعم عربي ودولي غير منقوص، واعاد اجتماع نيويورك قبل ايام تأكيد دعم الاعلان. يتمسك ايضا بمعادلة «الجيش والشعب والمقاومة» ما دام يعتقد بضرورة استمرار دور المقاومة في الدفاع عن لبنان ضد اسرائيل. وهو بذلك لا يجد تعثر التأليف في تناقض مفتعل بين آليتين مختلفتين كليا، بل في مسألة كان رئيس الجمهورية قد حسم سلفا موقفه منها: لا يسعه الموافقة على حكومة سياسية لا يتمثل فيها حزب الله. تحدث عن هذا الموقف في بيروت، وفي اجتماعات مغلقة مهمة في نيويورك تجاوزت بكثير الاجتماعات العلنية، كي يقول هناك بتأليف حكومة يشترك الافرقاء جميعا فيها. قال الكلام نفسه قبل اشهر عندما زار باريس والتقى الرئيس فرنسوا هولاند، ثم في مكالمتهما الهاتفية في ما بعد.
قبل سفره الى نيويورك، رغب اليه سفراء دول كبرى وآخرون اوروبيون قصدوه في قصر بعبدا يشجعونه على تأليف حكومة جديدة قبل التوجه الى عاصمة الامم المتحدة، بغية تعزيز موقفه ودوره هناك وهو يستعد لاجتماع «مجموعة الدعم الدولية للبنان». كانت وجهة نظر سليمان ان تأليف حكومة ينقسم عليها اللبنانيون بحدة يحيل مهمته اكثر صعوبة وتعقيدا. وهو توصّل الى خلاصة مفادها ان تأليف حكومة، اي حكومة، لا يؤدي حتما ودائما ــ وخصوصا في ظل انقسام كالذي يتخبط فيه الافرقاء ــ الى نتيجة افضل.
ذلك ما عناه ايضا تجنب تأليف حكومة امر واقع.
وخلافا لتيار المستقبل وقوى 14 آذار، يجد رئيس الجمهورية الضمانات الحقيقية للمخاوف الناجمة عن المعادلة الثلاثية في ربطها بتصوره لـ« الاستراتيجيا الدفاعية المتكاملة» الذي عرضه في الاجتماع الاخير لطاولة الحوار الوطني في 20 ايلول 2012. لم تنعقد الطاولة مذ ذاك لمناقشة التصور على اثر اغتيال اللواء وسام الحسن في 19 تشرين الاول. قرأ سليمان تصوره على افرقاء طاولة الحوار واستمهلوه مناقشته، من غير ان يبدوا في ذلك الحين اشارات ايجابية الى رغبة جدية في الخوض فيه واقراره: لا يريد حزب الله من اي احد الاقتراب من سلاحه او مقاسمته إمرته ايا تكن الصيغة المقترحة للاستراتيجيا. في المقابل يناوئ تيار المستقبل كل آلية تبقي على سلاح حزب الله بين يديه، فيما يتوخى تجريده منه.
اعتبر رئيس الجمهورية تصوره منطلقا لمناقشة خطة الاستراتيجيا تلك، التي من شأنها في احسن الاحوال ايجاد عناصر ثقة تساهم في دمج سلاح الحزب في الجيش، من دون التخلي عن ارادة المقاومة. حمله تمسكه بتصوره على تمييز «اعلان بعبدا» عن سلاح الحزب وعدم ربط احدهما بالآخر. لا يفضي اعتماد «اعلان بعبدا» الى مناقشة مصير سلاح الحزب، لكنه يرتب عليه حتما ما لا يزال يرفض مجاراته، وهو الخروج من الحرب السورية نهائيا.
يبحث الرئيس عن مخرج يتواءم الاعلان والمعادلة، مشابه لذاك الذي توصل اليه فجأة عام 2008، في خضم مناقشة الوزراء الجدد لحكومة السنيورة البيان الوزاري ــ وقد استغرقت شهرين ــ بحثا عن مخرج يبقي على شرعية سلاح حزب الله لكن من خلال الجيش. وقتذاك، في اجتماع لجنة البيان الوزاري، اقترح الوزير الراحل نسيب لحود عبارة «في كنف الدولة»، في معرض الحديث عن مرجعية السياسة الدفاعية وحق إمرتها على السلاح. اختلف فريقا الحكومة حيال المرجعية تلك بعدما رفض فريق 8 آذار الصيغة المطروحة. عندئذ اقترح سليمان، بعد رأي ابداه له احد مستشاريه، عبارة اوردها الدستور تتناول مسؤولية الحكومة عن السياسة العامة للدولة. فادمجت في البيان الوزاري كي تشمل، في ما تشمل، السياسة الدفاعية كجزء لا يتجزأ من السياسة العامة للدولة اللبنانية تعود اليها مرجعيتها.

  • شارك الخبر