hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - البروفسور جاسم عجاقة

هل كانت فعلاً للولايات المُتحدة الأميركية النِيّة بِضَربِ سوريا؟

الإثنين ١٥ أيلول ٢٠١٣ - 05:51

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

كان الجميع متأكداً من أنّ الضربة كانت حتميّة ولكنّها لم تحصل، لماذا؟ سؤال لا ينفك العالم يسأله. يقول البعض إنّ الأمر نتيجة الوزن الروسي الذي أعاد توازن القوى في المنطقة، ويصف البعض الآخر عدم حصول الضربة كتراجع للإدارة الأميركيّة بعد تقييمها للنتائج العسكريّة والسياسيّة للضربة. أما الاقتصاديون فيقولون إنّ الضربة كانت لتكون كارثيّة على الاقتصاد العالمي. في هذا المقال سنُظهر إحتمالاً أخر ألا وهو الحرب النفسيّة التي تُشكّل سلاحاً قد يُحقق أهداف الحرب نفسها.
تحديات القرن الواحد والعشرون...
لا يخفى على أحد مستوى التعقيدات التي أدخلها الانسان إلى عالمه وذلك منذ ستينات القرن الماضي أي بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية. وأخذت هذه التعقيدات منحاً كبيراً مع تقدّم التكنولوجيا وبدء شحّ الموارد. هذا كلّه فرض تحديات على المجتمع الدولي والتي تُعتبر أساس الاضطرابات والحروب في العالم:
أولاً على الصعيد الاجتماعي والصحّي: فعدد سكان العالم بازدياد مستمر ممّا يُبرز مشاكل عدّة أهمّها تفشّي الأوبئة والأمراض مع ازدياد الخلل في المستوى المعيشي والصحي والتربوي في الدول وفي ما بينها.
ثانياً على الصعيد الأمني: فظاهرة الإرهاب التي تنتشر في العالم تحت شعار الدين، تأخذ قسماً كبيراً من اهتمام الدول. أضف إلى ذلك الحروب العرقيّة والدينيّة التي يحملها الانسان منذ قديم الزمان لتبرير أفعاله بحقّ الغير، كما والتنظيمات العسكريّة كالمافيا وغيرها.
ثالثاً على الصعيد البيئي: يبقى الاحتباس الحراري مشكلة المشاكل مع زيادة انبعاث ثاني أوكسيد الكربون الذي يضرب طبقة الأوزون والذي يحمل مسؤوليّة في تصحّر الأراضي. ولا يجب نسيان الكوارث البيئيّة ككارثة فوكوشيما وكارثة الفيول التي سبّبتها شركة BP.
رابعاً على الصعيد الاقتصادي: فمع شحّ الموارد الطبيعيّة كالنفط، والسمك... وغيرها، تزداد الحروب في العالم للسيطرة على هذه الموارد أو ما تبقّى منها وذلك بهدف تأمين التزويد بهذه المواد مع زيادة تعلّق الاقتصادات بعضها ببعض.
خامساً على الصعيد التكنولوجي: حيث نلحظ زيادة موازنات الدفاع في دول العالم مع زيادة تصنيع الأسلحة وخصوصاً أسلحة الدمار الشامل. كما ونرى زيادة في الهجومات الالكترونيّة على المواقع الحسّاسة (عسكريّة، اقتصاديّة...).
يفرض هذا كلّه على المجتمع الدولي أن يتصرّف حيال هذه المشاكل التي بدأت تهزّ الأمن في مختلف دول العلم من دون استثناء.

الحرب النفسيّة...
في القرن الخامس قبل الميلاد، قام سان تزو بإدخال مفهوم جديد في الحروب دُعي بـ"الحرب النفسيّة". وهذا المفهوم ينصّ على إضعاف، شلّ أَو القضاء على العدو عبر نشر الدعاية والإشاعة المضلّلة والكاذبة بشكلٍ ذكي. وخلال الحربين العالميّتين، طوّر السياسيّون والقادة تقنيات الدعاية (Propaganda Techniques) بهدف رفع معنويات المناصرين والجيوش الحليفة، كما وإزكاء العصبيّات القوميّة والوطنيّة لدى القوّات المسلّحة والمواطنين. ومن الأهداف الأخرى لتقنيات الدعاية، ضرب الروح المعنوية لقوّات العدو وللمدنيّين المُناصرين له.
وفي أواخر السبعينات، تمَّ خلق إطار جديد سُمِّي بحرب المعلومات (Information Operations)، بالإضافة إلى حرب القيادة والسيطرة والاتصالات والمعلوماتيّة (C4/W). وتحتوي العمليّات النفسيّة، التي هي جزء من حرب المعلومات، على مستويات عدّة: استراتيجيّة، عملياتيّة وتكتيكيّة. واعتبرت الولايات المُتحدة الأميركيّة هذا الإطار، عنصر قوَّةِ وطنيّة (National Tool of Power)، وقامت بأولى تطبيقاته الفعليّة في حرب الخليج في العام 1991.

الحرب النفسيّة على سوريا...
من المهمّ أن يعرف المرء أنّ الخيار العسكري هو آخر الحلول التي تُعتمد وذلك لما لها من آثار سلبيّة على المجتمع وعلى البيئة. كان سان تزو يقول إنّ القائد الذكي هو من يربح الحرب من دون أن يخوضها.
من هذا المُنطلق، قد تكون الإدارة الأميركيّة استخدمت هذا المبدأ بهدف تحقيق هدفها الأساس ألا وهو تجريد سوريا من ترسانتها الكيميائيّة. وما نشر البوارج وحاملات الطائرات العسكرية في عرض البحر المتوسط، إلا جزءاً من الحرب النفسيّة التي أظهرت الأحداث أنّها أعطت مفعولها بقبول النظام السوري بوضع ترسانته تحت المظلّة الدوليّة والشروع الى تدميرها.
لكن هذا لا يعني بتاتاً أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة لا تريد ضرب سوريا، إلا أنّ الخيار العسكري كان الأخير في قائمة الخيارات المطروحة أمام الإدارة الأميركيّة وأمام ديبلوماسيّتها التي قامت بكلّ ما هو ضروري من أنشطة إعلاميّة دوليّة للتأثير على مواقف البلدان المساندة للنظام. والمفاجأة التي أذهلت العالم هي القبول السريع للنظام السوري وترحيبه بالخطّة الروسيّة مع العلم بأنّ الترسانة الكيميائيّة السوريّة هي السلاح الاستراتيجي الوحيد الذي تمتلكه سوريا في وجه إسرائيل. ولتخيّل الضغظ النفسي الهائل الذي تعرض له النظام السوري يكفي أن يتخيّل القارئ العوامل التي قد تدفع إسرائيل إلى التخلّي عن سلاحها النووي.

 ما هو دور روسيا؟
لقد قرأتُ، كما فعل الجميع، عن الحنكة الذي وصفت بها الصحف الدوليّة والمحليّة الدور الروسي في الأزمة السوريّة. ولكنّ التحليل للمواقف الروسيّة منذ مجزرة الغوطة الشرقيّة، تظهر أنّ هذا الموقف كان رافضاً للخيار العسكري في البداية، ثم تغّير ليُصبح "نحن ضدّ الحلّ العسكري، لكن لن نتدخل"، ثم ليعود ويُصبح أقسى مع إرسال بارجات روسيّة إلى منطقة الشرق الأوسط، وأخيراً طرح الخطة التي تقضي بوضع الترسانة الكيميائيّة تحت تصرّف المجتمع الدولي. وصبيحة السبت 21 أيلول 2013، أعلنت روسيا أنّها "ستُغيّر موقفها من سوريا إذا ما ثبُت أنّ الأسد يُخادع".
من البديهي القول إنّ سوريا هي بعد إستراتيجي مهم لروسيا، لكن هذه الأخيرة ليست مُستعدّة لخوض معركة عسكريّة ضدّ الغرب وخصوصاً أميركا وهي التي تواجه سياسة أميركيّة شرسة في أوروبا الشرقيّة مع نشر بطاريّات صواريخ اعتراض، وفي آسيا مع تضييق نطاق النفوذ الروسي في مناطق عدّة ومنها الداخل الروسي (الشيشان). لذا حاولت روسيا فرض نفسها ديبلوماسيّاً عبر تنشيط الاتصالات الدوليّة بهدف إيجاد حلّ لهذه الأزمة.
وفي الختام، يظهر ممّا تقدم أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة كانت فعلاً عازمة على ضرب سوريا بهدف تجريدها من أسلحتها الكيميائيّة، ولكنّها تركت الخيار العسكري في حال فشلت الديبلوماسيّة. ويبقى السؤال عن التوقيت ولماذا الآن؟ وهي التي صرحت مرات عدّة عن أنّ الضربة لا تهدف إلى تغيير موازين القوى في سوريا. ولكن، باعتقادنا أنّ استخدام الأسلحة الكيميائيّة في الغوطة في ريف دمشق، حلّله الأميركيّون كرغبة ونيّة للنظام السوري بضرب إسرائيل بالأسلحة الكيميائيّة في حال هوجمت سوريا، من هنا تمّ تخطي الخطّ الأحمر بالنسبة الى الأميركيّين.
 

  • شارك الخبر