- فراس حميّة
نصف جريمة
الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٣ - 05:56
الرصاص لا يصنع سوى أنصاف نساء والصواريخ لا تصنع سوى أنصاف رجال والحروب ترتكب نصف جريمة في شعوبنا. ترعبني أنصاف الجرائم، تلك التي تساوي بين القاتل والمقتول، تلك التي لا تدفنك رسمياً بل تبقيك حيّاً لتعذّبك. نصف جريمة تعني لا موت ولا حياة. نصف جريمة تمنعك من الطيران والتحليق عالياً، كما تمنع قدميك من ملامسة الارض. نصف جريمة تبقي أحلامك معلقة في الهواء بين الارض والسماء. نصف جريمة عندما يرزح مجتمع بأكمله في الجهل من دون تعليم. نصف جريمة عندما تفقد عائلتك فتصبح يتيماً في الحياة. نصف جريمة عندما تشعر أنك ضيف ثقيل في أرض ليست أرضك وفي وطن ليس وطنك. نصف جريمة عندما تنام في العراء حالماً بمنزلك الذي أصبح أنقاضاً وركام. نصف جريمة عندما يدعم نصفنا الثوار والنصف الأخر النظام. نرتكب أنصاف جرائم بحقّ بعضنا البعض ثم ننتظر من يكمل الجريمة فينا وبنا على أكمل وجه.
ان القضية لم تعد قضيّة ثورة أو قضيّة بقاء نظام مستبدّ أم رحيله بقدر ما أصبحت قضية انسان وانسانية بالدرجة الأولى. قضيّة حضاريّة عمادها الأساس الانسان السوري. فبات الخجل هو سيّد الموقف ازاء ما يرتكب من فظائع ومجازر بحقّ هذا الشعب ولم يعد ممكناً الحديث عن دعم الثورة أو النظام وبات أيّ نقاش سياسي حول أيّ مرحلة انتقاليّة في سوريا وكيفيّة اقتسام السلطة هو نقاش فارغ. إنّ معادلات الربح والخسارة والانتصار والانهزام لأيّ طرف من الأطراف سيؤدي الى مزيد من الانحلال الاجتماعي والتقسيم المذهبي والتفتيت لأعرق دولة عربية والخاسر الوحيد سيكون، بالتأكيد، الانسان السوري.
قد تشفي العقاقير العسكرية الأميركية علة الثوار وقد تشفي العقاقير السياسية الروسية علة النظام السوري ولكن أي دواء يمكن أن يشفي هذا الطفل السوري الذي زرعه الخوف والتوحش والبطش في أرحام الأمهات؟ ان هذا الطفل لن يكون الا وحشاً كالطاغية أو عبداً ذليلاً كالثائر المهزوم. ونحن ما زلنا نتشدّق على مواقع التواصل الاجتماعي ومن وراء الشاشات ومن خلف البحار عن امكانية حصول الضربة العسكرية الأميركية أم لا. ونختلف بين مؤيد ورافض لها وبين مهلل ومستنكر ونسقط الانسان السوري من حساباتنا طالما أننا ما زلنا نستشعر برؤوسنا فوق أجسادنا. نسينا حقيقة أننا مجرد أكفان متنقلة ومجرد أعداد وأرقام في اللعبة الاميركية الروسية أو الحرب الدائرة بينهما. لا أعرف شخصيّاً من هو اسم السفير السوري في الأمم المتحدة بقدر ما أعرف وأستمع الى جون كيري وألكسندر زاسبكين حين يتحدثا يوميّاً عن الأزمة السوريّة على القنوات العربيّة!
يكمن الحلّ في الخروج من الثنائيّات والاصطفافات والبحث في العمق عن حلول ناجعة وفعّالة تعيد الوحدة والأمن والأمان الى الانسان السوري بدل التطرف والتعصب والاقصاء. ونحن نعلم أنّ للثورة مبرّراتها وللنظام تبريراته وما بينهما يختلط الأحمر بالتراب بفعل الجدل البيزنطي الذي لا طائل منه. فكيف لنا أن نستمر في الكلام والكتابة واطلاق الخطابات الرنانة والتنظير على بعضنا البعض بعد أكثر من مئة ألف قتيل ومليونَي مهجر وبعد هذا الألم كلّه. لذا يجب علينا جميعاً أن نعلن انشقاقنا عن المعارضة وأن نعلن انشقاقنا عن النظام وأن نقف ونؤيد وننضمّ الى الشعب السوري...الولاء، كلّ الولاء، للانسان في سوريا.