hit counter script

مقالات مختارة - جورج علم

لبنان وفرنسا والفاتيكان

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٣ - 08:19

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

فرنسا والفاتيكان دولتان صديقتان يعتمد عليهما لبنان في مواجهة الضغوط التي تتهدّد سيادته وإستقراره. الدولتان على طرفَي نقيض من الملف السوري، الرئيس فرنسوا هولاند يؤيد توجيه ضربة لسوريا، ومتحمّس لها، فيما البابا فرنسيس ضدّها، ويدعو الكبار الى العمل على إيجاد تسوية بدلاً من العمل على إراقة مزيد من الدماء.

هولاند مع مصالح فرنسا الإقتصادية، خصوصاً لدى الدول النفطية التي تشكو تخمة من الفائض المالي، وبالتالي مع الحرص على إستمرار العقود المبرَمة حول الأسلحة، وغيرها، والتي تقدّر بعشرات المليارات من الدولارات، ومع إستمرار دورة العمل الصناعية - التجاريّة، ومع إيجاد فرص العمل للشباب، والحدّ من إرتفاع نسبة البطالة. فيما البابا مع المبادئ والقيم الإنسانية، ويقف بقوّة ضدّ كلّ أولئك الذين ينظرون الى الكائن البشري كرقم في نزاع المصالح، وسلعة في سوق المراهنات والصفقات.

كان الفاتيكان الأقرب الى فرنسا من حيث خصوصيّة العلاقة وتمايزها، وكانت الأخيرة أقرب الى الفاتيكان، من حيث تقاليدها الكاثوليكيّة، الآن إختلفت المعايير، فرنسوا هولاند ليس بشارل ديغول، ولا باريس المحافظة الملتزمة تضاهي باريس العلمانية الجشعة. لعبة المصالح تتقدّم، والهوّة تكبر وتزداد عمقاً وإتساعاً، والنزاع حتمي بين المادة والمبادئ؟.

وهناك أسئلة مصيريّة تحاكي التحديات الجدية التي تواجه الدول والمجتمعات، ويبقى الجواب عليها ناقصاً محكوماً بسياسات النمو والمتطلبات المستجدّة بوتيرة تصاعديّة، كما تأتي الحجّة مبتورة غير سويّة بين المنطقين والتوجهين، وإن كان الجميع يقرّ بأنّ إنفصال الدين عن الدولة قد أدّى الى تراجع الكنيسة ودورها ونفوذها، خصوصاً داخل المجتمعات الأوروبيّة.

يعوّل لبنان على فرنسا لمساعدته دوليّاً على جبه التحديات. إنها من الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وتحتل مكانة مرموقة داخل الإتحاد الأوروبي، ولها كثير من الصداقات، والمطلوب منها أن تساعد على إنجاح المؤتمر الدولي الخاص بلبنان والمقرر عقده في نيويورك على هامش الدورة العادية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، والذي سيخصص للبحث في موضوع النازحين السوريين، والتحديات الأمنية والإجتماعية والإقتصادية والمعيشيّة والسياسيّة التي حملوها معهم الى لبنان الذي ينوء بثقلها، وكلفة أعبائها، الى حدّ أن مخاطر جمّة بدأت تستهدف تركيبته الإجتماعية، وتوازناتها الدقيقة، وأوضاعه الإقتصادية المعقّدة. إن نجاح هذا المؤتمر يحتسب من خلال القرارات العمليّة التي يُفترض إتخاذها، والقابلة للتطبيق، وأيضاً من خلال المبالغ التي ستقدم، وآليات إستحقاقها بحيث لا تبقى مجرد وعود وأرقام على ورق.

وفي إمكان فرنسا المساعدة على مواجهة الإرهاب الذي عاد يضرب من خلال السيارات المفخخة، والعبوات الناسفة، والصواريخ المتنقلة، إنها تملك خبرات ومهارات في هذا الشأن، كما إنها قادرة على مدّ الجيش اللبناني بما يحتاجه، وقد وعد هولاند فعلاً بتقديم بعض المساعدات.

أما الفاتيكان فإنه يتقن رسالته، ويدافع عن المبادئ المخوّل الدفاع عنها بحكم دوره والقيَم المؤتمن عليها، وعلى تعزيز حضورها في عالم اليوم الذي إنعطف نافراً نحو المادة ليواجه مصاعب الحياة ومتطلباتها. وإذا كان البابا فرنسيس قد إلتزم موقفاً واضحاً ضد الحرب، وضد العنف، فهذا نابع من صلب دوره ورسالته.

يريد لبنان من الفاتيكان مساعدته لكي يبقى وطن الرسالة كما وصفه يوماً البابا يوحنا بولس الثاني. هناك تحديات جمّة تواجه التركيبة اللبنانية، العنف المذهبي والطائفي، وفائض القوّة التي يتباهى بها البعض داخل المجتمع اللبناني وخارجه، فضلاً عن الإستهداف المباشر للمسيحيين في الشرق، إضافة الى ظواهر الأصوليّة، والمنظمات التكفيريّة، والإرهاب المتنقل. إنّ كثرة هذه الفيروسات القاتلة تسمّم الجسم اللبناني، وتفتك بمنعته وتجوّفه من الداخل وتتركه هزيلاً معطوباً في وجه الرياح العاتية.

إنّ التركيبة اللبنانية امام خطر وجودي، وأعداء الداخل أدهى من أعداء الخارج. كثيرون يريدون سوءاً في هذه التركيبة، ويسعون الى ذلك من طريق طرح أسئلة حول النظام والدستور، والمثالثة بدلاً من المناصفة، وخلاف ذلك، فيما الهدف واحد العبث بالتوازنات الدقيقة، وتعريضها لخطر التفكك.

إنّ بعض لبنان الرسمي قلق عندما يسمع مثل هذه الطروحات، ويشاهد مثل هذه التصرفات الخارجة عن إرادة الدولة، والجيش، والشعب، والقانون والدستور. أما الفاتيكان فمُلزم بالمساعدة. هناك إرشادان رسوليان قد صدرا عن حاضرته، الأول خاص بمسيحيّي لبنان، والثاني خاص بمسيحيّي الشرق، وليس مطلوباً منه سوى المساعدة على وضع هذين الإرشادين موضع التنفيذ، ولعلّ موقف البابا فرنسيس من الحرب على سوريا ينبع من خلفيتهما ومسارهما؟!

  • شارك الخبر