hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - شارل جبور

المهم النتيجة لا الوسيلة

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٣ - 08:18

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

بدأت الضربة العسكرية تحقّق أغراضها حتى قبل وقوعها، ما يؤشّر إلى مدى جدّيتها وحجمها وفعاليتها، وإلّا لما كانت روسيا في وارد تسجيل تنازل استراتيجي في موقفها للمرّة الأولى منذ اندلاع الثورة، وبالتالي أهمّية ما قامت به موسكو أنّها وضعت بنفسها حدّاً لكلّ المشكّكين بالنوايا الأميركية المصمّمة على الضربة وما بعدها.

ففي الحسابات الروسية-السورية، الأولوية لتجنّب الضربة، لأنه بتجنّبها الخسارة تبقى محدّدة بالكيماوي، على رغم فداحتها استراتيجياً ومعنوياً، فيما لا أحد يمكن أن يحدّد كيف تبدأ الضربة ولا كيف تنتهي، وبالتالي بين السيّئ والأسوأ الخيار سيذهب حكماً نحو السيّئ، وهذا ما حصل فعلاً على قاعدة أنّ تسليم النظام الكيماوي يبقى أفضل ألف مرة من تدميره بضربة عسكرية قد تمتدّ لتشمل ما تبقّى من مواقع قوّة له.

فالمبادرة الروسية ليست مناورة ولا يمكن أن تكون كذلك، كونها جزءاً من التزام دولي، وروسيا لن تفرّط بسمعتها وصدقيتها في التراجع عن مضمونها أو تحويره لمجرّد تفويت اللحظة المتمثلة بكلام الرئيس الأميركي. هناك تعهّدات لا يمكن النكوث بها، ويخطئ من يقيس الأمور على قاعدة الفرز بين خاسر ورابح، لأنّ الخاسر في الضربة والمبادرة في آن هو النظام، وما حصل لا يعدو كونه تبدّلاً في طريقة المعالجة التي لا بدّ أن تقود إلى نفس النتيجة.

ولا شكّ في أن نتائج الضربة أفعل وأسرع وأضمن، فضلاً عن أنّ تأثيرها أكبر معنوياً وعملياً، ولكن إذا كان التهديد بالضربة أطلق كلّ هذه الدينامية التي دفعت الروسي والسوري إلى التنازل، فماذا عن مفعول الضربة نفسها لو حصلت؟، إنّما من غير المنطقي إكمال المعركة بعد إعلان الطرف المعني استسلامه، إذ إنّ إعلان النظام قبوله التخلّي عن السلاح الكيماوي يجب أن يقابله فرملة للعملية العسكرية.

والأمور لن تقف عند هذا الحد، حيث إنّ تدمير الكيماوي هو الخطوة الأولى التي ستليها محاسبة الطرف الذي استخدمه، ومن ثمّ الذهاب إلى المفاوضات. فالخبر السوري انتقل من العربية والجزيرة إلى "سي ان ان"، والدينامية التي انطلقت لن تعود أدراجها قبل التوصّل إلى حلّ سياسي، وإذا كان المطلوب أن يحفظ هذا الحلّ ماء وجه الروسي، أو أنّ ما حصل يشكّل جزءاً من المشهد والإخراج المطلوبين، فلا بأس، لأنّ المهم هو النتيجة لا الوسيلة.

ويخطئ من يظن أنّ الضربة ألغيت، فيما في الواقع تأجّلت إلى حين تبلوُر الصورة السياسية، وما حصل يمكن اختصاره بالآتي: الأميركي همُّه الالتزام والتقيّد بالخطوط الحُمر التي وضعها، خصوصاً أنّ عينه على النووي الإيراني أكثر ما هي على الكيماوي السوري. والنظام همّه إنقاذ رأسه، وعند الجدّ لا يوجد "أشطر" منه في الاستدارة، وآخر همّه "المبدئية" ومشتقّاتها، والبراغماتية هي وحدها التي تتحكّم في سلوكه.

فلم يجد النظام السوري أيّ حرَج في انخراطه بتحالف دوليّ ضد توأمه البعثي في العراق، ولم يتردّد في الانسحاب من لبنان بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري وتصاعد الحملة الدولية عليه، ولا بل ذهب أبعد ممّا كان مطلوباً منه بالانسحاب الكلّي بدلاً من الجزئي إلى البقاع. فالنظام اعتاد أن يلعب صولد، وما يقوم به اليوم لا يخرج عن هذا السياق، إذ إنّها المرة الأولى، ربّما، التي يشعر فيها بفداحة التوجّه الغربي حياله وحيال الأزمة السورية، ويسعى يائساً لإنقاذ رأسه.

ولعلّ المشترك بين الضربة والمبادرة هو الموقف الدولي الحازم حيال السلاح الكيماوي، فضلاً عن كسر إرادة النظام وهيبته التي حاول الحفاظ عليها، وإذا كانت الضربة تجرّ ضربة، فالتنازل يجرّ تنازلا، ورمزية الكيماوي ليست في استخدامه مستقبلاً أو عدمه، إنّما في إلزام الروسي والنظام على الدخول في مسار تسوية لم يعد من السهولة بمكان الخروج عليها، خصوصاً أنّ كلّ ما يتصل بالأزمة السورية يؤشّر إلى أنّ هذه الأزمة استوت في مطابخ المجتمع الدولي.

وما يجدر التوقّف عنده هو المواقف التي تصدر عن مجلس التعاون الخليجي، إذ قد يكون الجهة الوحيدة، باستثناء المعارضة السورية، التي رفضت المبادرة الروسية، حيث دعا علناً وصراحة إلى "عدم تضييع الوقت والمماطلة في إيجاد حلّ للأسلحة الكيماوية"، واعتبر أنّ "المبادرة الروسية لا توقف نزيف الدماء السورية"، وجدّد دعوته لاتخاذ "إجراءات رادعة ضدّ النظام السوري".

وهذه المواقف تعبّر عن رفض تامّ لأيّ هدنة سياسية أو أيّ تسوية مع النظام، وتُظهر أنّ مجلس التعاون في غير وارد التساهل والمساومة بمعزل عن الموقف الدولي، وأنّه ما زال يلعب دور رأس الحربة ليس فقط ضد النظام السوري، إنّما ضد إيران، الأمر الذي يؤشّر إلى مدى تصميم السعودية على إسقاط الأسد مهما كان الثمن، هذا التصميم الذي سيترجم بمزيد من الدعم المالي واللوجستي. وفي ظلّ التخاذل الدولي يلقى دور مجلس التعاون ترحيباً واسعاً لدى محور عرب الاعتدال الذي بدأ يشعر بوجود مظلّة وتوازن رعب يجسّد وحده التوازن المطلوب في المشهد الإقليمي.

وإذا كان المهم النتيجة لا الوسيلة، فإنّ التذاكي الروسي سيعيد وحده الضربة إلى الواجهة، لأنّ الولايات المتحدة التي تفضّل تحقيق الهدف بمعزل عن الطريقة، أو عبر الأسلوب الأقلّ كلفة، حيث لا أحد يهوى الحروب، لن تقبل الخضوع لعملية ابتزاز على طريقة أنّ المبادرة الروسية لن تطبّق إلّا بعد أن تعلن واشنطن تراجعها عن العمل العسكري، كون أيّ إعلان من هذا النوع يعني نهاية دورها ونجاح روسيا بإذلالها، الأمر الذي لا يمكن أن تسمح به، ما يجعل الخيار الأوحد والحتميّ الضربة العسكرية التي وحدها قادرة على إعادة موسكو وغيرها إلى أحجامها الطبيعية، بعدما أدّى التخاذل الأميركي إلى انتفاخها بشكل بات يهدّد الأمن القومي العالمي.

  • شارك الخبر