hit counter script

- فراس حميّة

تصحيح ثوري

الخميس ١٥ أيلول ٢٠١٣ - 08:15

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أصبحت لغة التخوين موضة دارجة في لبنان، تماماً كالثياب والأزياء حيث يلبسك اياها الأخرون المختلفون عنك. يرمونك بتهمٍ باطلة وصفات يقشعر لها البدن لمجرد ابداء رأي سياسي او ديني او اجتماعي مغاير لنظرتهم. يصفونك بالعميل تارةً والخائن طوراً. يحلو للبعض وضعك في خندق واحد مع الصهيونيّة العالميّة والامبرياليّة الاميركيّة. يتهمك أحدهم بالتخاذل والخنوع واللاكرامة، ثم تقوم فئة معيّنة بقياس نسبة الشرف في دمك وتسقط عنك أيّ حسّ بالمسؤوليّة الوطنيّة كأنك ولدت في عالم آخر وتحمل جنسيّة غير الجنسيّة اللبنانيّة وتسعى الى إعلاء راية العدو وتحقيق مصالحه بدل المصلحة الوطنية. ينكر هؤلاء عليك حقّك في إبداء الرأي والتعبير عن وجهة نظرك في القضايا الوطنيّة، وبالتالي إما أن تلبس عباءتهم وآراءهم وتتعلّم دروس الوطنيّة من خلال وجهتهم الايديولوجيّة "المقاومة" أو يحلّل سفك دمك وهتك عرضك ما دمت لست من أشرف الناس وأكرمهم وأطهرهم، بالطبع من خلال منظورهم الفكري والسياسي والثقافي. من هنا، كان لا بدّ من تصحيح – ثوري – لإزالة الالتباسات ودرء الشبهات وللتأكيد على أنّ المقاومة هي ثورة وفعل ثوري في وجه الظلم بأشكاله وأنواعه كافة.
ونحن إذ نعارض سياسة المقاومة الحاليّة المتمثلة في حزب الله، لا يمكننا أن نتغاضى عن الانجازات المشرّفة التي حقّقتها هذه المقاومة من خلال دحر العدو الصهيوني من الاراضي اللبنانيّة وتحقيق حالة ردع عسكريّة ناهيك عن الآثار النفسيّة والمعنويّة الايجابيّة التي تحقّقت عبر تاريخها النضالي. إنّ أيّ انكار لهذه المسلّمات، إن دلّ على شيئ، انما يدل على حقد أعمى وكراهيّة دفينة واستهتار سياسي تجاه بيئة حاضنة لهذه المقاومة ومؤمنة بها. كما أنه انكار للتاريخ ونسف للماضي وتبرؤ من دماء رتل من الشهداء اللبنانيّين قضوا في محاربة العدو الغاشم والدفاع عن لبنان. ان التنازل عن المقاومة الوطنيّة هو اضعاف للبنان وتفريط بورقة رابحة من دون أيّ مبرر. ورقة تعطي لبنان قوّة استراتيجيّة تفاوضيّة في أيّ معادلة مستقبليّة في المنطقة. إنّ معارضتنا الراهنة ليست على مفهوم المقاومة البحت وانما اختلاف بين فئة تؤمن بالمقاومة كما تؤمن بجغرافيّة لبنان ضمن حدوده المعترف بها دوليّاً، أي ضمن الـ 10452 كلم وبين فئة مقاومة تحوّلت الى مجموعة من المقاومات المتعدّدة الأشكال والانواع وقامت بهدم "جدار برلين" بين لبنان وسوريا واتخذت من الأمة العربية والاسلامية ساحة وملعباً لها.
ويهمّنا، في معرض حديثنا عن المقاومة، التعرض لهذا المفهوم من الناحية المبدئيّة كي لا يزجّ بنا البعض عشوائيّاً في خانات لا تمت للحقيقة بصلة. ونعلق بالقول: المقاومة تنشأ نتيجة أزمة. الأزمة عبارة عن عائق اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أو ثقافي أو عدو خارجي... وهدف المقاومة هو التخلص من هذه الأزمة والتطوّر الى مرحلة وطنيّة أسمى. أي الانتقال من طور ماضي ظالم الى طور أكثر عدلاً ورفاهية والوصول الى الهدف الأساس للمقاومة ألا وهو "الحضارة". والحضارة، في تعريفها، عبارة عن تحقيق الرفاهية لأفراد المجتمع والارتقاء من حالة الفوضى الى حالة الاستقرار، أي ما أصطلح على تسميته "الدولة"، تماماً كما حصل عقب الثورة الفرنسيّة التي غيّرت وجه فرنسا وأوروبا كلّها وانتهت المقاومة بتحقيق أهدافها.
تحدثنا في ما سبق عن الاطار العام للمقاومة أو الثورة الشعبية. لنأخذ المقاومة المتمثلة في حزب الله نموذجاً للبناء عليه ولنطرح على انفسنا بعض الاسئلة. هل أنقذت المقاومة لبنان من أزماته ام زادت منها؟! هل نقلت المقاومة المجتمع اللبناني من طور الانقسام الى الوحدة الوطنيّة أم زادت من الشرخ الوطني؟! هل أصبح لبنان قاب قوسين أو أدنى من الدولة بفعل المقاومة أم انتفى شكل الدولة ومضمونها بفعل هذه المقاومة؟! ما السر إذاً في هذا الفشل وفي هذا التدهور الحاصل للوطن والدولة والكيان اللبناني والأمة اللبنانية في ظلّ انتصارات هذه المقاومة؟! ببساطة، الجواب في نوعيّة الاهداف التي تحدّدها لنفسها هذه المقاومة وأيّ مقاومة مهما كانت عبر التاريخ... المقاومة الإسلاميّة كما يستدلّ من تسميتها تستند الى أهداف ماورائيّة ولديها أجندة غيبيّة للصراع، أي أنّها مقاومة من النوع الذي لا ينضب أبداً ولا ينتهي، لأنّ لا أهداف محدّدة وثابتة لها. وبالتالي فإنّ هذا الشكل الأيديولوجي لهكذا انواع من المقاومات هو شكل هدّام للدولة. حين يصل حزب الله الى أوج انتصاراته والى أعلى مرحلة من التأييد الشعبي اللبناني والعربي وتحقيق الاهداف، أي الى قمة الهرم الانتصاري، في هذه النقطة بالذات عليه الاحتكام للدولة والتسليم بأنّ الوطن فوق كل الاعتبارات العقائديّة وهذا ما لم يحصل ولن يحصل، فبدأت بعد هذه المرحلة عمليّة الانحدار الحتمي للدولة وسقوط مفهوم الكيان الواحد الموحد. دليلنا على ذلك أنّ لبنان أصبح وطناً له عاصمتين، بيروت عاصمة لبنان والضاحية الجنوبية عاصمة المقاومة، حيث ظهرت الدولة الرديفة ضمن الدولة بشكل صارخ بعد انفجار الرويس الإرهابي، ناهيك عن عشرات الامثلة التي تؤيد طرحنا.
من هي المقاومة في لبنان؟ انها أهلنا وإخوتنا وملّتنا وبيئتنا والمجتمع الذي نحن منه وفيه. ولكن، هل يعني هذا أن يصبح ولاؤنا لهذه المقاومة فوق الولاء للوطن؟ طبعاً لا. وهنا يكمن جوهر القضيّة. كان وما زال وسيبقى الوطن أولويّة بالنسبة إلينا ولا يمكننا تغليب مصلحة فئويّة وفرضها فرضاً على باقي الفئات الاجتماعيّة والتيّارات السياسيّة. في تعليقٍ وارد على مقال سابق لي كتب أحدهم يقول: للأسف جميعنا نعلم أنّ الصحافة مأجورة في لبنان. كان يلمّح، بالتأكيد، الى رشوة ما، فنظريّة المؤامرة خبزهم اليومي... ضحكت عندما فتحت محفظتي لأجد فيها عشرين دولاراً فقط لا غير. صيت غنى ولا صيت فقر.


 

  • شارك الخبر