hit counter script

باقلامهم - البروفسور جاسم عجاقة

الترسانة الكيميائيّة السوريّة

الإثنين ١٥ آب ٢٠١٣ - 06:17

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تُصنّف الاسلحة الكيميائية كاسلحة دمار شامل لها اثار سلبية على الانسان تتراوح بين العزل (neutralizer) والموت. وهذه الاسلحة هي موضوع قرار مجلس الامن رقم 1540 الذي صدر في العام 2004 والذي يرمي الى منع انتشار اسلحة الدمار الشامل. ويتهم المجتمع الدولي سوريا بامتلاك ترسانة كيميائية تُعتبر الاهم في الشرق الاوسط. فما هي الحقائق العلمية وراء هذا الملف؟

الاكتفاء الذاتي من الاسلحة الكيميائية، يخلق توازنا استراتيجيّا...
خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982، كان الجيش السوري متواجدا على الاراضي اللبنانية كقوة ردع عربية للفصل بين افرقاء الحرب الاهلية. ومع توغل الماكينة العسكرية الاسرائيلية في الاراضي اللبنانية، ادرك الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد ضعف الجيش السوري امام هذه الماكينة العسكرية الاسرائيلية التي كانت تمتلك عتادا متطورا انذاك يفوق عتاد الجيش السوري بدرجات. وبدا الرئيس حافظ الاسد في التفكير بكيفية تقوية جيشه ليشكل قوة ردع في وجه عدو شهد التاريخ عن عجز العرب عن هزيمته. لذا اتت فكرة القوة الاستراتيجية التي تضم الاسلحة الكيميائية والبيولوجية لتشكل قوة ردع في وجه اعداء سوريا والعرب.
اعتمد النظام السوري على السرية الكاملة في ما يخص ملف القوة الاستراتيجية. وقد نجحت هذه السرية في ذلك الوقت لعدم وجود تكنولوجيا الاقمار الاصطناعية المتطورة كما هي اليوم. ولكن المعلومات المُتداولة تُراهن على ان سوريا استثمرت اموالا طائلة للحصول على عناصر تسمح لها بوضع قوة استراتيجية تحوي على: اسلحة غير تقليدية (كيميائية وبيولوجية)؛ اسلحة هجومية ذو مدى بعيد (صواريخ بليستية، صواريخ كروز وطائرات مقاتلة)؛ وانظمة تعرف (Recognition). والسبب وراء تكوين هذه القوة الاستراتيجية كانت اقتناع حافظ الاسد بأن اسرائيل دولة عدائية واستعمارية تهدف الى احتلال الاراضي الممتدة من نهر النيل الى نهر دجلة (الارض الموعودة). ووفق الاسد تترجمت هذه العدائية بتطوير ترسانة نووية، انشاء فرق مدرعة ضمن الجيش الاسرائيلي مُدربة على التحرك سريعا ضمن نطاق سيطرة العدو العربي، انشاء سلاح جو قادر على ضرب اي هدف في منطقة الشرق الاوسط، واعتماد اسرائيل عقيدة عسكرية هجومية (عقيدة Vladimir Jabotinsky).
وانشاء القوة الاستراتيجية السورية يسمح لها بردع اسرائيل ولجم قدرتها النووية وقواتها البرية والجوية. وتسمح ايضا بخلق خط دفاع في حال انهزام القوات السورية. والرغبة في امتلاك القوة الاستراتيجية كانت نتيجة الخلل في موازين القوى بين اسرائيل وسوريا والتي ظهرت الى العلن ابان الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982. وباعتقاد الاسد، فان الاكتفاء الذاتي من الاسلحة الكيميائية، يخلق توازناً مع عدوّ يمتلك اسلحة نوويّة. وقرّر الاسد أن تتضمّن القوة الاستراتيجيّة: اسلحة كيميائية، بيولوجية، صورايخ بعيدة المدى كما 5 الى 6 فرق مدرعة تؤمن تفوّقاً عدديّاً على الجيش الاسرائيلي.

دعم شرقي وغربي للبرنامج الكيميائي...
تقول المعلومات المتوفرة ان سوريا استحصلت على اسلحة كيميائية من مصر في حرب 1973. وفي ثمانينات القرن الماضي، اخذ البرنامج الكيميائي السوري طريقه مع رغبة الرئيس حافظ الاسد انتاج السلاح الكيميائي في سوريا.
وقامت الكثير من الدول الاسيوية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي، والصين وايران وكوريا الشمالية بدعم البرنامج الكيميائي السوري عبر توفير المعرفة والمعدات. وقد ساعدت اجواء الحرب الباردة في ذلك الوقت على تمرير المعدات عبر الجو والبر والبحر. لكن عددا من الشركات الغربية ساهمت ايضا بمعدات بيعت الى سوريا بمعرفة من حكومات الدول الغربية.
ومع تفكك الاتحاد السوفياتي، خف الدعم الروسي لهذا البرنامج، واستمرت ايران وكوريا الشمالية بالدعم. ويعتقد المحللون ان ايران اليوم هي المورد الاول لسوريا لمواد تفعلية تُساعد على تاجيج التفاعلات الكيميائية التي تُعطي المواد السامة (Precursor). ولكن ايران ليست الوحيدة، فوفق Cesim، بعض الدول تُصدر الى سوريا بواسطة شركات وسيطة تابعة لمعهد البحوث العلمية السوري وللمعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا. وهاتان المؤسستان هما على لائحة العقوبات الاميركية منذ العام 2007. ويُضيف Cesim ان المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا السوري يُخرّج منذ العام 1983 مهندسين كيميائيين تابعين لمعهد البحوث العلمية السوري.

الترسانة الحالية بحسب الخبراء العسكريين...
يقول الخبراء العسكريون ان سوريا تمتلك غاز الخردل والسارين والتابون وربما VX (مئات الاطنان). كما انها تملك ايضا ناقلات لنشر هذه الغازات: قاذفات صواريخ TEL (transporter erector وعددها 30)؛ طائراتSu-24 (عددها 24)، MIG-23BN (عددها 60)، Su-20/22 (عددها 90)؛ وصواريخ SS-21 (مدى 70 كم)، سكود-ب (مدى 290 كم وعددها يُقارب 250) و سكود-س (مدى 500 كم وعددها يُقارب 60)، وكلها يمكن تجهيزها برؤوس حربية كيميائية. ويعتقد المحللون ان الصين تُساعد سوريا بانشاء مصانع لصواريخ M-9 الصينية (مدى 600 كم).
اما عن اماكن تصنيع الاسلحة الكيميائية وتخزينها، فيعتقد المحللون ان هناك مصانع عدة في سوريا تتواجد في مناطق حلب (موقع السفير)، حمص، حماه واللاذقية. اما فيما يخض التخزين، فهناك موقعين اساسيين هما خان ابو شمط قرب دمشق والفرقلس قرب حمص، ولكن ايضا في مصياف وتدمر وغيرها. ويُلاحظ من توزيع المواقع، انها تتطابق مع توزيع السكان والاقتصاد في سوريا حيث يتمركز 80% من الشعب السوري واقتصاده في غرب سوريا.
وعن مدى الصواريخ التي تحمل رؤوس كيميائية، فانها مدى صواريخ SS-21، سكود-ب و سكود-س. اي بمعنى اخر ان هذه الصواريخ قادرة ان تطاول لبنان كلّه، جزءاً من شرق قبرص، شمال اسرائيل، شمال الاردن، غرب العراق وقسم من جنوب تركيا.

ترسانة غير امنة...
بدأت الثورة السورية كثورة سلمية ضد الحرمان وانعدام الحريات السياسية، ولكن سرعان ما اخذت منحى خطيرا تمثل بمواجهات مُسلحة بين الجيش السوري والثوار. وقد اثبت الثوار قدرتهم العسكرية عبر السيطرة على مناطق كثيرة في سوريا ومن ضمنها مناطق تحوي اسلحة كيميائية مما يعني "نظريا" قدرتهم على وضع اليد على هذه الاسلحة. لكن هذه الاسلحة اذ لم تكن مجهزة على صواريخ، لا يُمكن للثوار استعمالها لانها بحاجة الى تقنيات عالية لا يمتلكها الثوار بالمبدأ. وهذا ما دفع الولايات المتحدة الاميركية لخوض مفاوضات مع دول قريبة من الثوار من اجل تأمين مواقع الاسلحة الكيميائية في حال سقوط النطام السوري ووقوع هذه المواقع تحت سيطرة الثوار.

ما هي عواقب استخدام اسلحة كيميائية في ريف دمشق؟
ان استخدام سلاح دمار شامل يُغير المعادلات الاستراتيجية مما يعني اعادة الحسابات والمواقف من الازمة السورية. وعدد الضحايا الذي قارب 1300 ضحية، سيلعب دورا حاسما في الراي العام الغربي ضد النظام السوري اذا ما ثبت تورطه في هذه الحادثة. ومن المتوقع ان تكون للحكومات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية مواقف مُتشددة من النظام في الايام والاسابيع القادمة. هذه المواقف قد تذهب الى حد خلق مناطق حظر جوية كما ودعم الثوار بالسلاح والمعلومات بشكل علني يسمح لهم بخلق توازن عسكري مع الجيش النظامي خصوصا بعد الهزائم المُتكررة في القصير وغيرها.

موقف روسيا...
ويبقى السؤال عن موقف روسيا تجاه النظام الذي يُشكل آخر نفوذ لها في منظقة الشرق الاوسط. وسقوط هذا النظام سيكون ضربة قوية للمصالح الروسية خصوصا تصدير الغاز القطري الى اوروبا عبر سوريا مما يعني منافسة الغاز الروسي المُصدر الى اوروبا عبر اوكرانيا والذي يُشكل 40% من الاستهلاك الاوروبي للغاز. فما هو ثمن تخلّي روسيا عن النظام البعثي في سوريا؟ للجواب على هذا السؤال، يجب العودة الى زيارة بندر بن سلطان الى روسيا والتي قدم في خلالها تطمينات الى روسيا عن انه لن تكون هناك منافسة للغاز الروسي من قبل الغاز القطري كما قدًم مبلغ 15 مليار دولار مقابل تخلّي روسيا عن النظام السوري. لكن هذا العرض وُجه بالرفض من قبل بوتين الذي يسعى الى زيادة حجم التنازلات الاميركية وخصوصا ملف نشر بطاريات صواريخ اعتراض اميركيّة في اوروبا الشرقيّة والتي تُشكل عائقاً كبيراً للتعاون الاميركي – الروسي على الملفات الدوليّة.
 

  • شارك الخبر