hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - البروفسور جاسم عجاقة

من الخاسر من تجميد العلاقات الاقتصاديّة: تركيا أم لبنان؟

الإثنين ١٥ آب ٢٠١٣ - 06:00

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

صباح يوم الجمعة 9 آب 2013، اقدم مسلحون على اعتراض باص وخطفوا من داخله كابتن طيار ومساعده يعملان في شركة الطيران التركي. وهذا الحدث دفع أنقرة إلى دعوة رعاياها إلى مغادرة لبنان وسحب الكتيبة التركية العاملة في اليونيفل في جنوب لبنان. والسؤال المطروح: ماذا لو انضمت تركيا إلى دول الخليج في عقوباتها الإقتصادية على لبنان؟ وما حجم الخسارة في حال جمّدت تركيا علاقاتها الإقتصادية مع لبنان؟

منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا في العام 2002، تسعى أنقرة إلى استعادة دور تركيا في الشرق الأوسط عبر الإنفتاح على جيرانها العرب والدفاع عن قضاياهم بوجه إسرائيل وفي المحافل الدولية. وتساعد تركيا في ذلك عدة عوامل على رأسها تموضعها على الخريطة السياسية العالمية، واقتصادها القوي الذي أثبت على مر السنين صحة الخيارات الاقتصادية التي قامت بها الحكومات التركية منذ بدء الإصلاحات الإقتصادية في العام 2001.

الانفتاح التركي على دول الجوار
على الصعيد الإستراتيجي، وبُعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية ودخول العالم في حرب باردة، أخذت العلاقة التركية-الأميركية منحاً عسكرياً عبر التعاون القوي بين الماكينتين العسكريتين. وترافق هذا التموضع مع تدهور العلاقات التركية-السوفياتية، والاضطرابات الداخلية وملف الأكراد. وبعد الانقلاب الذي حصل في العام 1980، تطورت العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية من علاقات عسكرية بحتة إلى علاقات مبنية على منطق جيوستراتيجي حيث تموضعت تركيا ضمن السياسة الغربية. واستطاعات الولايات المُتحدة الأميركية، من خلال هذا التعاون، من الاستفادة من قاعدة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط عبر حلف شمال الأطلسي كما والتأئير على السياسات العربية عبر السياسة الإقليمية التركية. وكنتيجة لهذا التعاون، نشأت علاقة تعاون عسكرية بين الدولة العبرية والدولة التركية بلغت قصوتها في حرب الخليج الثانية. وبدأت تركيا بالسعي إلى إحتلال زعامة العالم الإسلامي منافسة بذلك السعودية وقطر. وتترجم هذا السعي بالدفاع عن القضية الفلسطينية وخصوصاً الحصار على قطاع غزة ودعم الثورة السورية وغيرها من القضايا.

إتفاقات التعاون الإقتصادية مع لبنان
منذ تسلم حرب العدالة والتنمية زمام السلطة في تركيا، قامت أنقرة بتوثيق العلاقات التجارية مع جوارها بما فيها لبنان. فبعد اتفاق التعاون التجاري، الإقتصادي، الصناعي، التقني والعلمي الذي وُقع في العام 1991، شهد المجلس التركي-اللبناني النور في العام 2002 بهدف تطوير وتقوية التعاون الإقتصادي بين البلدين. وفي العام 2004، قامت الحكومة التركية بتوقيع اتفاق مع نظيرتها اللبنانية موضوعه الاستثمار الثنائي وآخر حول الضريبة المزدوجة. وفي العام 2010، قام البلدان بتوقيع عدة اتفاقات:
- الإتفاق على إلغاء شرط الحصول على تأشيرة لمواطني البلدين،
- اتفاقية تدريب وتعاون تقني وعلمي في المجال العسكري،
- مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الزراعة،
- مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الغابات،
- مذكرة تفاهم بشأن الاعتراف المتبادل بالشهادات وفقا للمادة 10/1 من الاتفاقية الدولية لمعايير التدريب والإجازة للملاحين،
- اتفاق تعاون في مجال الصحة،
- اتفاقية شراكة بين تركيا ولبنان (إتفاق التجارة الحرة). وهذا الإتفاق بانتظار المُصادقة عليه من قبل مجلس النواب ليدخل حيز التنفيذ،
- الإعلان السياسي المشترك بشأن إقامة تعاون إستراتيجي رفيع المستوى ومجلس تنسيق.

التعاون الإقتصادي التركي-اللبناني بالأرقام
من جهة التبادل التجاري (المصدر : Turkstat)، يحتل لبنان المرتبة 76 من ناحية التصدير إلى تركيا بحجم 176.4 مليون دولار (2012) مقارنة بـ 282.2 مليون دولار في العام السابق. ومن أكثر البضائع المُصدرة من لبنان إلى تركيا: الخامات والخردة المعدنية، المواد الكيميائية غير العضوية، الجلود، الجلود مع فراء، المعادن غير الحديدية. أما من ناحية الإستيراد من تركيا، فيحتل لبنان المرتبة 37 بحجم 846 مليون دولار أميركي. ومن أكثر البضائع المستوردة من تركيا: الحديد والفولاذ، ألبسة وتوابعها، منتجات الغزل والنسيج، الحبوب، منتجات الفحم والبترول.
ومن ناحية الإستثمار، نرى أن الإستثمارات المباشرة التركية في لبنان بلغت 21 مليون دولار في حين بلغت الإستثمارات اللبنانية في تركيا مبلغ 525 مليون دولار مقارنة بـ 210 مليون دولار في 2011.
وعلى صعيد الأعمال بلغت قيمة العقود المُوقعة مع شركات تركية، 347 مليون دولار حتى أيار 2013 (مصدر: السفارة التركية في بيروت).

هدف تركيا : سوق إقليمي مشترك
كردة فعل على التباطؤ الأوربي في التعاطي مع ملف الإنضمام التركي إلى الإتحاد الأوروبي، قامت تركيا بالبحث عن سوق لبضائعها في الدول المُجاورة. واستطاعت إقناع لبنان، سوريا، والأردن بأهمية سوق مشترك بين هذه الدول. وبهذا الفعل نجحت تركيا في حينها بإعادة رسم الخارطة الجيوسياسية مع ظهور بدء تعاون قوي مع إيران. وهذا السوق المُشترك كان مؤهلاً أن يُصبح success story مع عدد مستهلكين يفوق الـ 220 مليون شخص و30% من إحتياط العالم بالهيدروكاربور. وكان المعنيون قد وضعوا إطار التعاون لهذا السوق المشترك: شبكة أنابيب غاز موحدة وإدارة مشتركة للمياه. والجدير بالذكر أن هذا السوق كان سيحتوي على أهم ممرات نقل البترول والغاز في العالم بما فيها البوسفور ومضيق هرمز.

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
لكن الأمور تطورت بشكل معاكس للرغبة التركية مع اندلاع الثورة السورية وتصلب الموقف التركي تجاه النظام السوري، فهذا الموقف أقصى من السوق المشترك كُلاً من سوريا وإيران. وعلى الرغم من استمرار تركيا بمشروع السوق الحر المشترك مع الأردن ولبنان، إلا أن وجودهما مع تركيا في هذا السوق، لن يكون فعالاً بمقدار وجود سوريا وإيران.
ودعم أنقرة لثوار سوريا واجهه تهديدات للمصالح التركية. ففي سوريا خسرت معظم الشركات التركية الإستثمارات التي قامت بها، وقل التعاون مع الجمهورية الإسلامية في إيران. أما في لبنان، فقد أخذت تهديدات المصالح التركية منحاً آخر مع ظهور ظاهرة الخطف لرعايا أتراك. ففي أيلول 2012، قامت مجموعة بخطف رجل أعمال تركي وتم تحريره لاحقاً. ويأتي خطف الطيارين التركيين في 9 آب 2013، وردّة فعل الحكومة التركية بدعوة رعاياها لترك لبنان وسحب الكتيبة التركية العاملة في اليونيفل في جنوب لبنان، لتُشكل نذير شؤم حول مستقبل العلاقات التركية – اللبنانية وخصوصاً العلاقات الإقتصادية. ومن السيناريوهات المحتملة، أن تعمد تركيا إلى تجميد كل الإتفاقات الإقتصادية مع لبنان كما واعتماد نهج دول الخليج بما يخص العمالة اللبنانية في تركيا وملاحقة المصالح الإقتصادية لأنصار حزب الله. وهذا إذا ما حصل سيُكبد تركيا خسارة سنوية بقيمة مليار ونصف مليار دولار أميركي. أما من ناحية لبنان، فستكون هذه العقوبات طعنة بالزائد في جسم الاقتصاد اللبناني الذي هو أصلاً في حالة احتضار. وإذا كان حجم المردود المالي للبنان مع تركيا لا يتخطى مئات الملايين من الدولارات، فإنّ تجميد تركيا للعلاقات الاقتصادية مع لبنان سيحدّ من الخيارات اللبنانيّة لإنقاذ الاقتصاد الذي دُكت هياكله نتيجة تعلّقه بالاقتصاد السوري.
 

  • شارك الخبر