hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - جمانة حداد

تحت قدمَي آمنة

الأربعاء ١٥ آب ٢٠١٣ - 08:41

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

النهار

هناك ما هو أفظع من انتحار آمنة اسماعيل.

هناك ما هو أفظع من نحيب والدتها وصراخ زوجها ودموع أقربائها.
هناك ما هو أفظع من الحزن القاتل الذي دفع بها عن تلك الحافة بدم بارد.
هناك ما هو أفظع من هدوئها الرهيب قبل انفجارها.
الأفظع هو مشاهدتنا، نحن الغرباء، غرباءها، سيناريو نهايتها.
لا أنفكّ أشعر بأننا اغتصبناها بتلصّصنا على موتها. بأننا شاركنا في إسقاطها. بأننا متواطئون في جريمة قتل جماعية.
كل نظرة منّا الى وجهها المستسلم، مستفظعةً أكانت أم متألمة، هي نقرة على كتفها بأن "هيا، ارمي بنفسكِ".
آمنة، سامحيني لأني تفرّجت. سامحيني لأنك وقعتِ بدل أن تحلّقي. سامحيني لأن الحياة كلبة مسعورة، ولأني لستُ سوى جبانة أجمع العظام لهذه المسعورة لكي تحلّ أنيابها عني قليلاً. قليلاً بعد. سامحيني خصوصاً لأني اختنق وراء شاشة حقيرة، بدلاً من أن أكون تحت تلك الشرفة، أتلقفّكِ بين ذراعيّ.
* * *
غالباً ما أتمنى أموراً في غاية الغرابة...
كأن يعرف سائق التاكسي الذي يصطحبني من المطار عند الثالثة فجراً، طريق بيتي من دون أن أضطر الى الشرح
كأن تختفي نبتات دوّار الشمس من العالم أجمع لأن منظرها الذي كعينٍ جائعة يرعبني
كأن أنام ولا أستيقظ من دون أن ينتبه أحد
كأن تكلّمني القطط فأفهم ما تقول
كأن نصير أنا وميشيل أوباما صديقتين
كأن يكتشف عالِمٌ طريقةً يتنفّس بها البشر تحت المياه
لا. كأن يكتشف عالِمٌ طريقة لأتنفّس أنا وحدي تحت المياه
... وأشياء أخرى من هذا القبيل تجعلني أضحك على نفسي في أقلّ تقدير
وأشياء أخرى من هذا القبيل تجعلني أبكي.
* * *
يحدث أن أضيق ذرعاً بي. تحديداً بقدرتي على تمييز وجعي بوضوح، وتسميته بلغة فصيحة، ونكئه بوحشيةٍ لا يقدر عليها سوى العاقل، الرائي، المسؤول عن أفعاله. فأروح أحسد الكائنات الساهمة عن ذاتها، الهانئة بفراغها، المستسلمة للحياة بلا سؤال ولا فذلكة... ألم يكن في وسعي أن أولد سروةً مثلاً؟ أو لطخة حبر على إصبع طفلة في السابعة؟
أنا مشروع حبة رمل على شاطئ مهجور صارت بالغلط إنسانة.
جميعنا يحمل جثّته في داخله، كدميةٍ روسية تنتظر دورها بصبر الواثق.
الموت بزوغ اللبّ بعد نفاد القشور.

  • شارك الخبر