hit counter script

مقالات مختارة - طوني عيسى

إذا إندلعت الحرب... فستقع 100 بيصور و1000 عرسال

الأربعاء ١٥ تموز ٢٠١٣ - 08:43

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمورية

في بيصور وقعت جريمة فظيعة. لكنّ إصرار البعض على تعيير هذه البلدة الوادعة وأهلها، والنظر إلى البيئة الدرزية وكأنها حاضنة للعنف، يبدوان أكثر فظاعة. فالبيئة الحاضنة للعنف تَعْبُر شرقاً من عبرا وحلبا وعرسال، وتجتاز القُصَير وحلب والأنبار، ولا تتوقف في ميدان التحرير ورابعة العدوية!

يقول أطباء الأمراض النفسية إن الوحشية التي تصدر عن إنسان خائف تفوق تلك التي تصدر عن الأقوياء. وهذه المقولة أثبتتها الحرب الأهلية في لبنان منذ العام 1975.

فالفظائع التي إرتكبتها الفئات والطوائف الخائفة، كالمسيحيين والدروز، كانت أحياناً أقسى من تلك التي إرتكبها الأقوياء والأكثر إطمئناناً على المصير. لذلك، كان النائب وليد حنبلاط جريئاً ورؤيوياً عندما إنطلق من حادثة فردية في بيصور ليطرح الحوار والإنفتاح كشرط ملازم لتحديد مصير الدروز.

ولكنْ، المسيحيون والدروز أصبحوا اليوم خارج الجبهة بلا سلاح. فالحرب المذهبية الشرسة في الشرق الأوسط جعلتهم على قارعة الأحداث، ينتظرون نهايتها في صبر، لعلّها تحفظ لهم الحدّ الأدنى من الحضور ومن الفاعلية. ولذلك هم يراقبون ويناورون ويداورون لتمرير المرحلة بأقل ما يمكن من الأضرار.

وأمّا لعبة العنف الحقيقية فتستشري اليوم بين القوى المذهبية المتصارعة، وتحديداً بين السنّة والشيعة، من المحيط إلى الخليج:

ألَيْس عنف الكيماوي المستحدَث في سوريا تكراراً لعنف الكيماوي التاريخي في العراق؟ وماذا عن عُنف حلبا في 2008، أو التشنيع المتبادَل في عرسال والقُصيَر وعبرا في 2013؟

وماذا عن آكلي القلوب النيئة على الشاشة، الذين حلّقوا نجوماً في الصحافة العالمية؟ وماذا عن الذين رموا إخوتهم في المواطنية من على سطوح الأبنية، وهم يرفعون راية الدين الحنيف؟

عنفُ الطوائف والمجموعات الدينية والمذهبية يزداد شراسة كما لم يكن يوماً. من شاطئ المتوسط توغُّلاً إلى الداخل اللبناني فالسوري فالعراقي وسائر الدواخل الخليجيّة، من عربية وفارسية... وصولاً إلى منبع العنف في إسرائيل، وإنتهاءً بمصر ودول شمال إفريقيا التي تتحوَّل أشباه دول أو إمارات يوماً بعد يوم.

ومن عبرا وعرسال إلى سيناء ورابعة العدوية وسائر المشرق، هذه عيّنات طازجة، صغيرة وتمهيدية، لما يمكن أن يكون عليه الإجرام المحقون بالخوف أو القهر أو فائض القوة... وبالأديان والمذاهب... إذا ما خرج من القمقم!

العنف يولّد العنف. وليس العنف بالضرورة أن يقتل الإنسان - الوحش مواطناً "مختلفاً" لم يستطع تطويعه بقوة السلاح، وأن يقوم بتعذيبه جسدياً أو بتشويهِ جثته بعد القتل.

العنف هو أن يُمنع المواطن من ممارسة حقه في التعبير عن الرأي وإختيار ممثليه، وفي إختيار حقه في تربية أولاده خارج منظومة القهر المفروضة من المدرسة إلى الجامعة مروراً بوجهاء دار العبادة والحي والبلدة والمدينة والطائفة، وفي إختيار الزواج الذي يريده وكيفما يريده، وفي تقرير الخيار السياسي والمصير... وحتى في إختيار طريقة الموت ومراسم الجنازة!

هذا هو العنف. العنف الذي ماتت تحت وطأته المسيحية رولا يعقوب إبنة عكار، والذي به يتعذب السنّي ربيع الأحمد من عكار، والدرزية ردينة ملاعب من بيصور.

وحتى الإتفاق المتواضع داخل اللجان النيابية على قانون يحدّ من العنف ضدّ المرأة الزوجة والأم والأخت والإبنة لا يبدو مقبلاً على الخير. فالفؤوس بدأت تنهال عليه وتأكل قلبه قبل وصوله إلى الهيئة العامة. أليس هذا عنفاً ما بعده عنف... ولكنْ صامتٌ... ويتلطى بذوي البدلة والكرافات، بالوكالة عن ذوي الأثواب القديمة!

العنف يجتاح لبنان كما الماء يجتاح الرمل... ويجتاح الشرق الأوسط أيضاً كما لم يسبق أن فعل في تاريخه. ومن المؤكد أنّ هناك قوى إقليمية ودولية تريد إستثماره في تنفيذ المخططات الكبرى الآتية إلى المنطقة. فالعنف طاقة بديلة و"آمنة" عندما تنفد الطاقات الأخرى.

وفي حضرة الكوابيس اللبنانية والسورية والمصرية والعراقية، يصبح الإستنتاج منطقياً: إذا اندلعت الحرب الأهلية في لبنان اليوم، فسيكون هناك 100 بيصور و1000 عرسال... وكلَّ يوم سبتٌ أسْوَد!

  • شارك الخبر