hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - غسان سعود

سياسيّو لبنان يبيضون ذهباً

الأربعاء ١٥ تموز ٢٠١٣ - 08:34

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

خرج الترف من قصور فرعون وبسترس وعسيران وشيحا والبستاني وإده. تسلل في اتجاهات كثيرة، غامراً بيوتاً جديدة بنعمه، من دون تمييز بين من يعرفون قيمته ومن لا يعرفون. تحتاج الدجاجة إلى ديك لتبيض ذهباً. ورغم كثرة الديوك، تلبّي الدجاجة كل احتياجاتهم؛ لا يكاد يكون بين السياسيين واحد فقير



بعد بتغرين، يتفرّع من «الأتوستراد الدولي» الذي يربط «دولة» بتغرين بـ«دولة» الزعرور، لصاحبهما النائب ميشال المر، طريق جديد يربط بتغرين بمشروع سياحي آخر عند أطراف جبل صنين يملكه المر أيضاً. لا أحد، غير المر، يستفيد فعلياً من هذا الطريق. كان يفترض بالأموال التي حوّلت من وزارة الأشغال لشقه وتوسيعه وتزفيته وإحاطته بجدار حجري مميز أن تنفق لإنهاء أعمال المرحلة الثالثة من أوتوستراد المتن السريع تسهيلاً لحياة آلاف المواطنين في أعالي المتن وقضاء زحلة.
في بعض دول العالم، تبيع الدولة بعض أراضيها للمستثمرين بسعر منخفض شرط أن يشقّوا الطرقات إليها. أما هنا، فتؤهل الدولة المديونة طريقاً يوصل حصراً إلى مشروع سياحي خاص. توازي كلفة طريق بتغرين ــــ الزعرور ما صرفه النواب العونيون لتأهيل مئات الطرقات في جزين وبعبدا والمتن وكسروان وجبيل معاً. يصعب هضم كيف خطر في بال هذا الرجل أن يفعل ما فعله بمشاعات أراضي المتين، وكيف اشترى جبلاً نائياً مهجوراً، وحوّله ــــ بفضل زفت الدولة ــــ إلى تلة سياحية يحلم من باعه ثلثها بمرقد عنزة فيها.

فوق الزعرور، يملك آل فتوش أجزاءً واسعة من جبل صنين. في 10/10/2012، وافق مجلس الوزراء، مجتمعاً، على قبول هبة عينية عبارة عن تنفيذ دراسات لإنشاء طريق جديدة تربط قضاءي زحلة والمتن وتفرعاتها حتى الكرك وبدنايل ونيحا والفرزل مقدمة من... بيار فتوش شقيق الوزير نقولا فتوش. «كرم» آل فتوش في تحمّل كلفة الدراسات سيقابله شق طرقات، تكلف الخزينة العامة مئات ملايين الدولارات. و«يصدف» أن هذه الطرق تمر في عقارات يمتلكها «فاعلو الخير الفتوشيون»، بما يعني ارتفاعاً صاروخياً في أسعارها وأرباحاً يقدرها البعض بمليار دولار في حال ارتفع سعر المتر المربع الواحد أكثر من 50 دولاراً.
يروى أن الوزير السابق الياس المر دخل مرة على عمه السابق الرئيس إميل لحود متجهّم الوجه، طالباً منه توديع حفيديه لاضطراره إلى الهجرة إلى سويسرا للعمل، بعد اكتشافه متأخراً أن لديه أسرة يعيلها. علت ملامح الاستغراب وجه لحود متسائلاً عمّا يمكن أن يفعله، فأجاب المر: «يمكنك أن تفعل الكثير. عيّني وزيراً». اليوم، يتنقّل المر بطائرة خاصة بين منزله في الرابية ومنزل سكرتيرته السابقة في برن السويسرية. لم يهاجر الياس، على غرار والده، إلى أفريقيا ليعود بالمليون الأول الصعب. وهو لم يتقاض، كما والده، ثمن «تبليع» زملائه في مؤتمر الطائف ما لا يمكن بلعه. ولم يسعفه سحر السحرة، كما «أبو الياس»، في كشف نيات وزارة الأشغال لشق طرقات فيسبقها الى تملك الأراضي على جانبيها أو شراء أرض صباحاً وتغيير عامل استثمارها ظهراً. رغم ذلك كله، لدى وزير الداخلية والدفاع سابقاً والصحافي حالياً طائرة خاصة.
الوزير السابق ميشال فرعون ورث ما ورثه ويدير ما يديره من شركات ولا يجوز سؤاله، مثلاً، من أين له هذا اليخت أو كيف أقام لابنته حفل زفاف خياليّاً في ميدان سباق الخيل. نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عصام فارس حرّ بعرقه. يمكن الرئيس نجيب ميقاتي وشقيقه طه أن يتنافسا على شراء يخت يتجاوز طوله 83 متراً بسعر يتجاوز سبعين مليون دولار، ولا يمكن مساءلتهما، لأن ثروتهما معروفة المصدر، على غرار ثروة النائب نعمة طعمة مثلاً. ولا يمكن سؤال رئيس بلدية ضهور الشوير السابق الياس أبو صعب من أين له كل ما له، ما دام مصدره ليس الجبال اللبنانية والتلاعب بعامل استثمار الأراضي ووزارة الأشغال العامة والنقل.
أما في بيصور، فالمواطنون يعرفون جيداً الوزير غازي العريضي ووالده وأشقاءه، ويدلّون بأصابعهم على أرزاقهم قبل أن يصبح ابنهم وزيراً (للأشغال العامة تحديداً) وبعدها. لا يصدقون أن راتب وزير أو تغريدة في صحيفة خليجية أو بيع كتاب سنوياً يمكن أن تشتري كل متر يعرض للبيع في عاليه. في بيصور متعهدون ومقاولون. يعلم الأهالي أن المقاول، ولو كان جهاد العرب جونيور، لا يمكن أن يتملك خلال مئة عام ما يملكه رجال «الرفيق غازي» خلال عام. حرصاً على الشفافية، ترفض الدوائر العقارية إعطاء إفادات بممتلكات نحو أربعة آلاف شخصية سياسية من دون إذن قضائي. يمكن الصحافي لقاء بدل مالي صغير معرفة ما يملكه أي مواطن، لكن لا يمكنه معرفة ما يملكه هذا السياسي أو غيره.
ورث الجنبلاطيون عن قبلان القاضي، كما تقول الروايات الشعبية الشوفية، كل الأراضي «من قفا الباروك حتى فقش البحر»، مروراً بقصر المختارة وإقليم الخروب. لكن كمال جنبلاط توفي في بذلة عمرها سبعة عشر عاماً، وكان يحاسب وكيله (من آل بشنق) بغلّة البصل وعائدات البقدونس. أما النائب وليد جنبلاط، الذي لم يستيقظ ولو مرة في كل حياته للذهاب ببذلة رسمية مثلاً إلى وظيفته أو يتكبد عناء إرسال سيرته الذاتية الى إحدى الشركات، فيمكنه ـــ بحسب سمسار بيروتي ـــ أن يجرف كل البنايات بين بيته في كليمنصو والبحر، لأن غالبيتها باتت ملكه. وآخر الصفقات شراؤه «بيوت التنك» في الكولا بنحو مئة مليون دولار، ينتظر أن يدفع بعدها عشرين مليوناً خلوّاً لقاطنيها.
اشتكى كمال جنبلاط لأنور الفطايري مرة من عجزه عن دفع خمسة آلاف ليرة لـ«أبو نزار». ما كان يتخيّل، من دون شك، أين سيصبح محسن دلول بعد ست سنوات في وزارة الدفاع، وبعد دخول نزار جنة الاتصالات.
دَرسُ النائب مروان حمادة الذي كان صحافياً في جريدتي «النهار» و«أوريون لوجور»، للوزراء وأبنائهم، هو الآتي: حين يكون والدك وزيراً للصحة تفتح شركة استيراد وتصدير للمعدّات الطبية. حين ينتقل والدك إلى وزارة المهجرين تنتقل إلى المقاولات. وحين يصبح وزيراً للاتصالات تستورد الإنترنت للوزارة وتصدّره للشركات.
لم يجد المر، حين كان وزيراً للداخلية، مركزاً تستأجره الوزارة بستة مليارات ليرة سنوياً غير مبنى العمارة التي تضم مكاتب والده وشقته السكنية. وزّع، كرمى لوالده، نحو ألفي لوحة سيارة مميزة، وباع ما تبقى. مصلحة المياه، اتحاد بلديات المتن، القائمقامية، السنترالات ومصلحة إدارة السير وتسجيل السيارات، كلها ترسم خريطة طريق واضحة لمن يرغب في شراء طائرة وقصر وصحيفة وبيت في سويسرا من دون ممارسة أي عمل، سواء في الوزارة أو خارجها. يقول أحد المطلعين إن آل المر لا يدفعون أجر موظف واحد عندهم، يوظفونهم في إدارات الدولة، ويتقاضى هؤلاء أجورهم بوصفهم موظفين بالرغم من عدم ذهابهم أبداً إلى هذه الوظائف.
رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لم ينه دروسه الجامعية. لم يتخرّج بعد. هو ليس طبيباً ولم يبن قصر معراب حتماً من عرق جبينه في السجن، لكن لا يمكن سؤاله من أين يأتي بالمال لتشييد ما يشيده، سواء في كسروان أو في بشري، وكيف يدفع أجوراً لنحو ألفي موظف وشيف وأربعة «جنيناتيين».
وتطول القائمة. داخل كل نائب ووزير وكل رجل أعمال ميشال المر صغير. يجرؤ تارة ويجبن طوراً، لكنه موجود بأسنانه وأحلامه وطباع الطغيان. المشكلة الرئيسية أن أبو الياس لم يتبجّح يوماً بثروته، فيتنقل بهليكوبتر، مثلاً، بين عمارة شلهوب والزعرور، أو يدعو رؤساء البلديات إلى الاصطفاف قبالة مسبحه الكبير في فيلته في الرابية ليتفرجوا عليه يسبح، أو يلفت نظر الصحافيين خلال جولة استعراض إنمائية إلى أن هذه الأرض ملكه وتلك المنازل الأثرية والقصر البعيد.

شراكة وأرباح

لا تكاد تنهي صحنك حتى يعلمك الجالس قبالتك أن المطعم الذي تأكل فيه لفلان، والمطعم الآخر لفلان آخر، ومنتجعات الأعراس والشطآن والنوادي الليلية. لكل ناد ليلي مرجعية سياسية. والكسارات والمقالع والمرامل والزفاتات وشركات المقاولات، المصارف وشركات التأمين، المستشفيات وكل المؤسسات الأخرى التي تبيض ذهباً يملكها سياسيون. كانوا سابقاً يغطون مطعماً مخالفاً صغيراً في وادي قنوبين مثلاً أو كازينو سرياً في زغرتا أو كاباريه في ساحل علما وبيت دعارة في جونية. لكن، تغير ذلك، قطع الرئيس رفيق الحريري الخيط الرفيع بين رجال الأعمال والسياسة. بدل تغطية السياسي لرجل الأعمال لقاء بعض الخدمات، بات السياسي يقترح على رجل الأعمال مشاركته: منك رأس المال ومني الغطاء، ونتقاسم الأرباح. ينام البعض رجال أعمال ويستيقظون نواباً، ينامون نواباً ويستيقظون رجال أعمال. تتسابق الشركات الكبيرة على التعاقد مع النواب المحامين: زياد أسود ونديم الجميّل ونعمة الله أبي نصر وروبير غانم وإبراهيم كنعان وهادي حبيش وسامي الجميّل وميشال الحلو وبطرس حرب وإميل رحمة. تعلم الشركات أن القاضي، غالبية القضاة، سيفكرون مرتين وربما ثلاثة قبل أن يزعل النائب، فتعتبرها مرجعيته السياسية قصة شخصية.

  • شارك الخبر