hit counter script

مقالات مختارة - رفيق خوري

التوازن وانعدام الوزن: أي وظيفة للفراغ؟

الأربعاء ١٥ تموز ٢٠١٣ - 08:32

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الانوار

المشهد السوريالي في الشكل تراجيدي في المضمون. وقمة المسافر والفظائع فيه ان الممثلين يتصرّفون كأنهم متفرجون على مسرحية عن بلد آخر، والناس كأنها موزعة بين اللامبالاة، والعجز عن الخروج من الكابوس، والاصطفاف خلف هؤلاء الممثلين الذين صاروا القضاء والقدر. فلا خطورة اللعب الخارجي بلبنان تقود الى الامتناع الداخلي عن التلاعب به. ولا الخوف من الفراغ يمنع الانزلاق فيه كأنه ليس مخيفاً بالنسبة الى الذين يكرّرون يومياً التحذير منه في الخطاب السياسي.
ذلك أن الخلافات السياسية المثقلة بحمولة العصبيات الطائفية والمذهبية صارت عصيّة على الحلول وحتى على المعالجات الموقتة. فالزوايا حادّة بأكثر من أن تنفع معها محاولات تدوير الزوايا. والمشاكل، سواء كانت أساسية أو فرعية، لم تعد تدار بأي منطق سائد في الأنظمة الديمقراطية. لا بالمنطق البسيط الذي يدعو اليه من بقي من الحكماء في لبنان، وهو تصغير المشكلة لحلّها أو أقلّه لتنظيم الخلاف حولها. ولا بالمنطق المعقّد الذي عبّر عنه الرئيس ايزنهاور بالقول: لكي تحلّ المشكلة، إجعلها أكبر. فالتصغير يرفضه أصحاب الرؤوس الحامية. والتكبير يقود الى المزيد منه، وليس الى الحلّ، ان لم يكن جزءاً من الرهان على الانهيار الكامل لتحقيق أجندة غير عادية من النوع الذي كان ولا يزال مهمة مستحيلة في لبنان.

واليوميات ناطقة. فالخلاف على تفسير النص الدستور يعطل جلسات المجلس النيابي من دون أي أفق لتسوية، كما عطل الخلاف على قانون الانتخاب دورية الانتخابات كاستحقاق دستوري، وكما عطل الحرص على التمديد عمل المجلس الدستوري. والخلاف على تركيبة الحكومة يعطل عملية التأليف، بحيث تبدو الترجمة العملية للإجماع على التكليف مباراة في دفع الرئيس المكلف تمام سلام الى وضع الرئيس المكتّف.
لكن الخلاف على تفسير النص الدستوري هو مظهر لخلاف سياسي أبعد وأعمق. فلا مسألة توازن السلطات تخفي المشكلة الأعمق وهي أن السلطات صارت في مرحلة انعدام الوزن. ولا الاستنساب في تفسير الدستور سوى نتيجة لكون الاحتكام الى الدستور لم يعد القاعدة في البلد. والخلاف على تركيبة الحكومة ليس خلافاً على مشاريع لمعالجة قضايا الناس الملحة بل على الأساسيات في البلد والحسابات المتعلقة بأمراء الطوائف وحلفائهم الخارجيين.
أليس ما نسمعه يومياً هو قول كثيرين بدم بارد انه لا مجلس، لا حكومة، ولا حتى انتخابات رئاسية في الربيع المقبل؟ أليس أبسط ما يتطلبه التهديد الأمني هو ترتيب أوضاع القيادات العسكرية والأمنية؟
الحد الأدنى المطلوب من الذاهبين الى الفراغ بعيون مفتوحة هو أن يجيبوا عن سؤال كبير: ما هي وظيفة الفراغ؟ 

  • شارك الخبر