hit counter script

باقلامهم - البروفيسور جاسم عجاقة

نظرة اقتصاديّة للأحداث الأمنيّة الأخيرة في لبنان

الإثنين ١٥ تموز ٢٠١٣ - 06:16

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أدّت الأحداث الأمنية الأخيرة التي تمثلت بالمواجهة العسكرية بين الجيش اللبناني والمسلحين في صيدا كما وتفجير بئر العبد، إلى دبِّ الذعرِ والخوفِ لدى اللبنانيين نظراً إلى تداخل النسيج اللبناني بعضه ببعض. وكنتيجة لهذه الأحداث، توقفت الحركة الإقتصادية في مناطق لبنانيّة عدّة. والرأي العام الذي يعتقد بحدوث مواجهات وأحداث في المستقبل يتساءل إلى متى الجولة التالية؟ وكيف سيتأثر الاقتصاد اللبناني من جرّاء هذه الأحداث؟

فاق تأثير الأزمة السورية على لبنان توقعات الفرقاء اللبنانيين من ناحية قوته واتساع رقعته. وأصبح الوضع الأمني في لبنان رديفاً للوضع في سوريا حتى أنّ أيّ عمل عسكري في سوريا تواكبه هزّة أمنية في لبنان، تارة في طرابلس وطوراً في البقاع وآخرها كانت في بئر العبد. وبغض النظر عمّن معه حق ومن ليس معه حق، فإننا نُلاحظ مدى عمق هذا الانقسام العامودي بين مكوّنات الشعب اللبناني والذي لم يطل المسلمين وحدهم بل شمل المسيحيّين الذين تُظهر التحاليل أنّ المواجهة السياسيّة بينهم ستكون ضارية.
وتتوحد تصريحات الفرقاء السياسيين حول أهمية تشكيل الحكومة لنقل الصراع العسكري إلى صراع سياسي في مجلس الوزراء، كما صرّح النائب وليد جنبلاط. لكنّ هذا التشكيل سيكون صعب المنال لرفض قوى 8 أذار صيغة الـ 8-8-8 وصيغة 14-14، رفض الرئيس المُكلف تمام سلام لفكرة الثلث المُعطل وصيغة الوزير الملك، ورفض قوى 14 آذار المشاركة في حكومة يتمثل فيها حزب الله. وهذا الرفض يُظهر صعوبة حل معادلة تشكيل الحكومة، خصوصاً مع التمديد لمجلس النواب مما يعني أن هذه الحكومة لم تعد حكومة إنتخابات بل أصبحت حكومة لإدارة الأزمة في لبنان بكل معنى الكلمة.
ومع الفلتان الأمني الذي يواكب الأزمة السورية، يُعاني الإقتصاد اللبناني أصعب مراحل حياته. فبعد دعوة دول التعاون الخليجي رعاياها إلى عدم التوجه إلى لبنان، تلقّى القطاع السياحي الضربة القاضية لهذه السنة. ومع ترحيل مناصري حزب الله من هذه الدول، بدأت المخاوف تزداد على رؤوس الأموال المرسلة من المغتربين اللبنانيّين في هذه الدول إلى ذويهم في لبنان. حتى أنّ الصناعة والزراعة والتجارة في لبنان تأذت بشكل كبير نتيجة الأزمة السورية والفلتان الأمني في لبنان لانقطاع وسائل النقل البرية بين المناطق اللبنانيّة وعبر سوريا إلى دول الخليج. وهذا الوضع يؤثر بدوره على القطاع المصرفي الذي لا ينفكّ المسؤولون فيه بالتأكيد على صلابته ومتانته إلى درجة أصبحت تثير الشكّ في نفوس المستثمرين. حتى أنّ ردّة فعل المصارف على أحداث صيدا كانت شبه أوتوماتيكيّة، إذ امتنعت المصارف عن كشف حسابات زبائنها وعن إعطاء القروض.
وإذا كان البنك الدولي في تقريره الأخير عن لبنان، قدّر حجم احتياط النقد الأجنبي نهاية 2012 بـ 17 شهراً من الواردات، إلا أنّه أسدل صورة سوداء عن أداء الإقتصاد في العام الماضي. ممّا يعني أنّ لبنان أصبح على أبواب كارثة اقتصاديّة في حال استمرار الأزمة السوريّة قد تودي بالليرة اللبنانية وتدفعها إلى مستويات تاريخية مقابل الدولار الأميركي.
أشار تقرير البنك الدولي إلى أنّ التضخم بلغ 3.2% والعجز المالي الإجمالي 4.1 % من الناتج المحلي والنمو 1.1% بالمائة في نهاية العام 2012. أما صندوق النقد الدولي فقد توقع نمواً بنسبة 2.7% في الـ 2012. ومن جهتنا لا نوافق البنك الدولي ولا صندوق النقد الدولي على هذه الحسابات وخصوصاً النمو الذي، وفق توقعاتنا الاقتصادية والحسابات التي قمنا بها لا يتجاوز الـ 0.5% في الـ 2012. أما في ما يخصّ التضخم فقد فاق الرقمين (15%) والسبب يعود إلى إقرار مشروع سلسلة الرتب والرواتب من قبل الحكومة كما وإلى الإستهلاك الناجم عن النازحين السوريين والذي زاد عددهم في مطلع هذا العام بشكل كبير.
وفي دراسة قام بها رينهارت وروجوف، وهما مسؤولان سابقان في صندوق النقد الدولي، قام الباحثان بحساب نسبة النمو التاريخي في البلد المعني نسبة لمستوى دينه العام. وتمّ تقسيم العيّنة الى فئتين: الدول المتطورة والدول غير المتطورة. كما وتم توزيع البلدان بحسب مستوى الديون السيادية الى أربعة أقسام: الدول مع دين عام أقل من 30% من الناتج المحلي الإجمالي (القسم الأول)؛ الدول التي تتمتع بدين ما بين 30 و60%(القسم الثاني)؛ الدول ما بين 60 و90%(القسم الثالث)؛ والدول التي يتخطى دينها العام 90% من الناتج المحلي الإجمالي(القسم الرابع). ولبنان المصنف في خانة الدول التي يتخطى دينها العام الـ90%، أظهر نسبة إحتمال كبيرة بأن يشهد نمواً حقيقياً يُقارب الـ 0.96%.
ومن جهتنا حاولنا اعتماد نهج لحساب توقعات النمو الحقيقي في 2013 حتى 2017 وتوصلنا إلى أنّ الاقتصاد اللبناني وفي حال أنّ الأمور استمرّت كما هي عليها (لا حروب ولا حلحلة إقليميّة)، سيشهد نموّاً حقيقيّاً يساوي 0.60% في الـ 2013 ليتأرجح حول هذا الرقم حتى 2017 (أنظر إلى الرسم):

ونسبة النمو هذه ليست كافية لتغطية خدمة الدين العام مما يعني تآكل نسبة الدين على النمو. وهذا يؤدّي إلى أنّ القول إنّ نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الإجمالي تتدنّى ليست صحيحة، فهذا الإبتكار الذي قامت به الحكومات السابقة والذي اعتمد على إعادة تقويم احتياطات مصرف لبنان من الذهب واعتبار الفارق قسم من الناتج المحلي الإجمالي، تمّ تنفيذه في الأعوام التي كانت فيه أسعار الذهب ترتفع. أما الآن ومع انخفاض أسعار الذهب من المفروض إعادة العمليّة بالشروط نفسها. والحسابات التي قمنا بها تدل على أنّ نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الإجمالي سترتفع إلى حدود الـ 145% في الـ 2013.
وللخروج من هذا الإطار القاتم، يتوجب على المسؤولين السياسيين تهدئة الأجواء السياسية، وخفض سقف المطالب بهدف تشكيل حكومة تسمح بفرض الأمن قبل الحديث عن أي معالجة للوضع الإقتصادي. ثم يجب على الحكومة أن تضع خطة اقتصادية تُترجمها في الموازنة العامة وهذا بأسرع وقتٍ ممكن لأنّ كلّ سنة تأخير تُكلّف الاقتصاد اللبناني فاتورة تُقدّر بـ 5 مليار دولار على الأقل.
 

  • شارك الخبر