hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - غسان حجار

التمديد لقائد الجيش في مهبّ الريح... وكذلك الأمن الوطني / قهوجي V/S ريفي و"حزب الله" لا يضع الملفّ في أولوياته

الأربعاء ١٥ تموز ٢٠١٣ - 06:27

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

في ظل الأزمة العالقة ما بين طرفي النزاع في لبنان، أي قوى 14 آذار، وقوى 8 آذار، يصير الأمن مشرعاً على كل الاحتمالات، ومنها عدم التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، وتشريع مؤسسة الجيش للرياح العاتية التي تهب على لبنان، وتستهدف واحدة من أكثر المؤسسات ضمانة، لا لأمن البلد فقط، وانما لضمان وحدته وبقائه.

ويأتي الفراغ الداهم المقبل على الجيش، متزامناً مع فراغ مماثل في مؤسسة قوى الأمن الداخلي بعد إحالة اللواء أشرف ريفي على التقاعد، وجعل المؤسسة أسيرة مديرين موقتين لأشهر، لا يقوى الواحد منهم على الامساك بكل مفاصل المديرية قبل أن يتقاعد. وهي حال لااستقرار تدفع، بعدد من كبار الضباط الى عدم العمل وفق القوانين المرعية، والاجراءات التي يتخذها مدير موقت لا يستسيغ بدوره التصادم مع أحد في الأشهر الاخيرة قبل تقاعده.
لكن الفراغ في مؤسسة الجيش أعمق وأكثر خطرا وسوءا على اوضاع البلاد، إذ لا امكان حالياً لأي حكومة لتعيين قائد جديد، ولا نص في النظام الداخلي للجيش يولي المسؤولية للضابط الأعلى رتبة أو الأقدم في الخدمة. وإذا حصل الأمر فإنه سيكون اجتهاداً يفرضه الواقع، علماً ان المرشح، وفق هذه المعايير، سيكون من طائفة أخرى، ومذهب آخر، بما يزيد الاحتقان السني – الشيعي في الشارع اللبناني في هذه المرحلة الحساسة.
وأما تعيين قائد جديد فدونه عقبات كثيرة وكبيرة في المرحلة الراهنة، لأن العماد قهوجي ولد من رحم حكومة وحدة وطنية في مطلع عهد الرئيس ميشال سليمان. وهذه الحكومة غير متوافرة اليوم، ولا مؤشرات حقيقية الى قرب ولادة حكومة جديدة تجمع كل الاطراف. وبالتالي، فإن التعيين سيأتي من حكومة تصريف الأعمال التي ترى قوى 14 آذار انها حكومة "حزب الله" وحلفائه. وسيكون الاختيار والتعيين في هذه الحكومة مرهونين بإرادة هذا الحزب، إلا إذا تبدلت النظرة الى الحكومة وهذا لا يبدو أنه سيحصل.
أما الجانب الآخر من التعيين فيرتبط بقرب انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان بعد ستة أشهر من تقاعد العماد قهوجي. ومعلوم أن الرئيس الجديد، كل رئيس جديد، يعين مع بدء ولايته قائداً جديداً للجيش يتفق معه في الرؤية، ويتعاون معه في الخطط الآيلة الى المحافظة على أمن البلاد. ولا يمكن الرئيس سليمان، ومعه الحكومة المستقيلة، أن يعينا قائداً لستة أشهر فقط، ثم صرفه من الخدمة مع بدء عهد جديد. فالأمر غير لائق، وقد يكون غير قانوني، ولا يوفر الاستقرار للمؤسسة العسكرية الأم. ولا يمكنه ايضا تعيين قائد جديد بولاية كاملة يصير مفروضاً على الرئيس الجديد.
ماذا في السياسة؟
يتنافس الفريقان، ما عدا العماد ميشال عون، في الدعوة الى التمديد للعماد قهوجي. ولكل فريق منطلقاته ومبرراته للخطوة، وثمة قرارات مختلفة في هذا المجال.
فريق 14 آذار ماضٍ في خيار التمديد للاسباب الآتية:
1 - لأن الرئيس سعد الحريري أعلن ذلك صراحة، ولا يمكن احراجه أو العودة عن هذا الاعلان.
2 - لأن ليس لدى قوى 14 آذار مرشح قوي يمكن أن يحل محل قهوجي في المرحلة الراهنة.
3 - لأن قوى 14 آذار متخوفة من بديل تعينه الحكومة الحالية بوحي سوري، أو بتأثير "حزب الله".
4 - لأن قوى 14 آذار تعلم جيداً أن الأمر يثير العماد ميشال عون ويقطع الطريق أمام تعيين صهره في الموقع.
5 - لأن قوى 14 آذار ترى أن المضي في التمديد، سيحرج "حزب الله" تجاه حليفه العماد عون، وسيعمق الهوة بينهما.
6 - لأن العماد قهوجي ربما يبقى أفضل من غيره انطلاقاً من القول السائد "اللي بتعرفو أحسن من اللي بتجهلو".
اما المشكلة العالقة لدى هذه القوى فهو ربط التمديد بمفعول رجعي يتيح للواء أشرف ريفي العودة الى موقعه على رأس المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. وهذا الأمر بات يسبب مشكلة قانونية، إذ ان المفعول الرجعي سيبطل قرارات تعيين البدائل، مع الامتيازات التي اكتسبوها بفضل توليهم منصب المدير العام، ولو بالوكالة، كما انه يطيح قرار مجلس الوزراء الذي عيّن رديفاً لكل من مديري الأجهزة الأمنية، ما عدا الجيش.
أما في السياسة، فيرى فريق 14 آذار ان اعادة ريفي الى مديريته انتصار على رفض الحزب وقوى 8 آذار للواء المتقاعد، خصوصاً بعد اغتيال العميد وسام الحسن والحؤول دون تسلمه هذه المديرية. وهذا الانتصار هو تحقيق هدف في مرمى الخصم الذي رفض التمديد لريفي، لكنه يقبل التمديد لقهوجي، ويعطل تأليف الحكومة الجديدة مع الرئيس تمام سلام.
أما معارضو التمديد داخل هذا الفريق فيبررون رفضهم بالآتي:
1 - يرون أن العماد قهوجي في احداث صيدا قدم اوراق اعتماده الى "حزب الله" لكي يضمن التمديد.
2 - ان العماد قهوجي بتغاضيه عما يسمونه "تجاوزات مديرية المخابرات" يمضي في مسايرة الحزب.
لكن الفريق الأقوى داخل هذه القوى لا يرى بديلاً من التمديد، وان الخيارات محصورة، لكن لا بد من الاتفاق على الاخراج الذي يعرقله الرئيس نبيه بري من خلال اصراره على جدول اعمال موسع للجلسة التي ستقرر التمديد، ومن خلال إعمال المفعول الرجعي للقرار.
في المقابل، تنقسم قوى 8 آذار في شكل حاد حول الخطوة، وفق الآتي:
1) العماد ميشال عون يرفض التمديد مبدئياً، لكنه في المقابل يرى العماد قهوجي مرشحاً محتملاً منافساً لرئاسة الجمهورية، التي صار استحقاقها قاب قوسين أو أقرب، وقد بدأت معاركها الخفية والظاهرة.
2) يرى العماد عون ايضاً أن صهره العميد شامل روكز هو من الضباط الأكثر استحقاقاً لهذا الموقع، وان التمديد لقهوجي يقفل الباب في وجهه، وهي خطة يعتمدها "حزب الله" الذي حجب عنه الرئاسة الأولى خلال مؤتمر الدوحة العام 2008. وبالتالي فإن السيناريو يتكرر، وهو لن يقع في الفخ ثانية، إلا إذا حصل على "وعد رئاسي".
3) ان الرئيس نبيه بري، الذي يجاهر بدعمه التمديد، يربط الحملة على الجيش، بأخرى مشابهة تستهدف مجلس النواب، في رأيه. ويرى ترابطاً في الحل ما بين عقد الجلسة العامة وجدول أعمالها والمشاريع المعروضة وأبرزها التمديد، ولكن من دون مفعول رجعي. وفي هذا يبدو ان ثمة تناقضاً واضحاً ما بين الموقف المعلن والحركة السياسية التي تترجم النية لا الموقف.
4) "حزب الله" هو العنصر الأبرز في المعادلة، إذ انه يرفض عودة اللواء ريفي الى موقعه، وبالتالي لا يبدي استعداداً للتفاوض مع قوى 14 آذار على المطالب المقابلة. والحزب لا يجعل من مطلب التمديد لقهوجي اولوية قصوى لديه، إذ لا يضره التمديد، كما لا يفيده في حركته السياسية والعسكرية الحالية، شأنه شأن الجماعات الإسلامية المتشدّدة التي تفضّل فراغاً في قيادة المؤسسة الأمنية الأبرز، بما يتيح لها حرية الحركة في الداخل، او عبر الحدود.
أما العنصر المحفّز للحزب للتمديد لقهوجي فهو عدم الاتيان بقريب الجنرال عون قائداً، لكن الحزب أيضاً غير مستعد لفرط تحالفه مع سيد الرابية في مقابل إصراره على التمديد، وبالتالي فإنه قد ينأى بنفسه عن هذا الملف.
5) ان تعيين بديل للقائد الحالي يستدعي التفاوض مع رئيس الجمهورية حول الاسم المقترح، لكن قوى 8 آذار لا تبدو في جهوزية تامة للتحاور مع الرئيس سليمان، الذي تتهمه في مجالسها بأنه "عميل" لقوى 14 آذار شأنه شأن الرئيس نجيب ميقاتي.
وعلى رغم اتهام قوى 8 آذار للفريق المنافس بأنه يسعى الى الفراغ في قيادة الجيش، بربطه القرار بالتمديد للواء ريفي، فإن هذه القوى لا تبدو متضررة كلياً، من الفراغ المتوقع، خصوصاً انها تمسك بالقرار الحكومي حتى تاريخه، كما في امكانها تسهيل انعقاد الجلسة العامة لمجلس النواب بتنازلات ممكنة تحت شعار تحقيق المصلحة الوطنية.
بعد كل هذا، هل تمضي المؤسسة الأمنية الأم الى فراغ في قيادتها العليا، وبالتالي الى اضاعة انجازاتها، ومنها انجاز صيدا الكبير، رغم بعض اخطاء حصلت من جنود تعرضوا وزملاءهم للغدر والاغتيال بالقنص؟
كل الاحتمالات ممكنة، لكن مصادر لا ترى ان أبواب الحل موصدة الى هذا الحد، خصوصاً ان السياسيين اللبنانيين اعتادوا اللعب على حافة الهاوية، وهم ينشطون حركتهم احياناً لانقاذ البلد من الانزلاق الى الوادي السحيق وترى ان انفجار الضاحية الجنوبية امس، سيشعر الجميع بوطأة الفلتان الامني، وبالحاجة الى دعم المؤسسة العسكرية للقيام بمهماتها خوفا من تدهور يكبر مثل كرة الثلج. وتؤكد ان ثمة اتصالات مستمرة في هذا الشأن يرعاها رئيس الجمهورية، ويباركها البطريرك الماروني الذي زار وزارة الدفاع الأسبوع الماضي، تأكيداً لهذا الخيار، بعد شعوره بأن ثمة انقضاضاً على المواقع المسيحية، الواحد تلو الآخر، لإضعافها.
اما أمنياً، فترى مصادر عسكرية ان الجيش مستمر في القيام بواجباته وفق أوامر قيادته الى حين انتهاء صلاحياتها، عندها سينتظر أوامر جديدة وتوجيهات من السلطة السياسية المتمثلة بمجلس الوزراء، فإذا كانت واضحة، يمكن العمل بها، ولكن بطريقة عرجاء، إذ لا قيادة تدرك الوقائع الميدانية مباشرة وتحدد المسار بدقة، واذا لم تكن الخطة واضحة، وإذا لم تتأمن لها التغطية السياسية المباشرة، فبعادة كل جيوش العالم العودة الى ثكناتها، والتزام تدريباتها، حتى لا تتهم بأنها متفلتة من السلطات التي تحكم البلاد.
وعما إذا كان الفراغ مستمراً، ولا سلطات حقيقية تقرر وتحكم؟ لا جواب. كل الاحتمالات ممكنة.

النهار

  • شارك الخبر