hit counter script

- المحامي لوسيان عون

ألغاز محيّرة

الثلاثاء ١٥ تموز ٢٠١٣ - 06:42

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا شك بأنّ حادثة عبرا أسدلت الستارة عنها أمنياً، وسيطرت وحدات الجيش على المنطقة بأسرها وفرضت الاستقرار بعد أشهر من الكرّ والفرّ بين سلطة سياسيّة ذراعها سلطة أمنيّة وبين أنصار الشيخ أحمد الاسير قبل أن ينتهي الشوط لصالح الحسم على النحو الذي حصل.
لكن في الامر ألغاز محيّرة وقطب مخفيّة وجب التوقف عندها ملياً واجراء مقاربة بين ما جرى في عبرا وما حصل في مخيم نهر البارد العام 2007، اذ ما كان يخشى من تكراره منذ ستّ سنوات قد تكرّر وقد يتكرّر في ما بعد إن لم يتمّ تداركه.
فبين عبرا ونهر البارد أوجه شبه من حيث كيفيّة التعامل مع الاحداث، حيث كانت المنطقتان تضمّان جزيرتين أمنيتين، تتمتع كلاهما بخصائص تعاطف من جانب واحد، وقدرة على التسلح من دون رقيب أو حسيب أو اقله قدرة على قمع هذا التسلح، وكذلك حجج متقاربة، ودعم خارجي لافت، وتساهل من قبل أطراف معينة، ومع حجم الفاتورتين اللتين تكبدهما لبنان ولا سيما المؤسسة العسكرية لحسم هاتين الظاهرتين. ورغم الاستبقاء على عشرات من حالات النزف والتساهل مع مربعات امنية أخرى منتشرة من اقصى لبنان الى اقصاه، فان الالغاز التي رافقت العمليّتين اللتين نفذتا تبقيان لتثقلا هم اللبنانيين في وقت كان في قدرة الاجهزة العسكرية استكمال الحسم والقبض على الشخصيات التي لمع بريقها في كلتي الحملتين العسكريتين وهي شاكر العبسي الذي اقترن اسمه بعملية نهر البارد، والشيخ أحمد الاسير وفضل شاكر اللذين اقترن اسمهما بعملية عبرا.

فتطويق مخيم نهر البارد كان محكماً آنذاك، وما ان شارفت العمليات العسكرية والتمشيط على الانتهاء حتى تبيّن أنّ شاكر العبسي قد شكل مصيره لغزاً محيراً اذ انه "هرب" أم "تمّ تهريبه" من قبل مجهولين، ولا يزال مصيره مجهولاً حتى الساعة. كما أنّ تطويق مجمّع الاسير كان محكماً ولم يتمكن أي امرىء من الاقتراب منه قبل انتهاء العمليات العسكرية بساعات، لكن سرعان ما كشف عن أن الاسير وشاكر وعدداً كبيراً من انصارهما "فروا" باتجاه جهة مجهولة، وبقيت المعلومات تتضارب حول ما اذا كانوا في عداد القتلى أم الجثث المتفحمة.
من حقّ كلّ لبناني طرح السؤال وابداء مخاوف مما يجري خصوصاً وأنّ "ظاهرة" الاسير كان يكتنفها الغموض إن من حيث نشأتها وترعرعها وحجم التعاطف معها ووسائل تمويلها وعجز السلطة عن قمعها، الى أن ثبت هرب "زعيم" اللعبة التي شغلت العالم العربي والدولي لأشهر خلت وها هي ترخي بثقلها على المشهد السياسي والامني اللبناني وتهدّد استقرار هذا البلد خصوصاً أنّ بلدان الشرق الاوسط تعيش حالات من التقلب السياسي المريب والسريع والمفاجىء على مستوى الانقلابات والثورات والانظمة حيث لا ضمانة لرئيس أم قائد أم زعيم بين ليلة وضحاها، ولعلّ العنوان العريض للمرحلة التي نعيشها هو التفكك والصراعات الاثنيّة التي تخدم اسرائيل ولا تفيد الاوطان التي تشهد آثامها، وإنّ مصر خير دليل على ذلك.
أين شاكر العبسي اليوم؟
أين أحمد الاسير؟
أين فضل شاكر؟
بل أكثر من ذلك، هل انطفأت الفتنة في مهدها أم أنّ ما جرى في نهر البارد وعبرا وحتى في عرسال ما هو سوى جولة أولى من حروب متنقلة ومدمرة تنخر الوطن وتقطع اوصاله وتنهك اقتصاده وسياحته واستقراره؟
إنها ألغاز محيّرة لا تفسر إلا بأنّ المؤامرة أقوى من صراخ السياسيّين والمسؤولين، والجيش ضحيّة، يسدّد فواتير باهظة الى جانب شعب لا حول ولا قوة له في ظلّ تجويف لمؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى كي لا يبقى حسيب ولا رقيب ويقع الفراغ الشامل.

  • شارك الخبر