hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - سجعان القزي

لبنان وسوريا في مدار التحوُّلات الكبرى

الأربعاء ١٥ أيار ٢٠١٣ - 08:34

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

شهدت الحربُ السورية في الفترة الأخيرة تطوراتٍ نوعيةً أيقَظت الرأي العام على أنّ أحداث سوريا أبعد من الثورة ومن النظام، وذكّرت اللبنانيين بأن لا قيمة لاستقلال الدولة وسيادتها ما دام ولاء شعبها خارج حدودها.

أبرز هذه التطورات السياسية والميدانية هي:

• اتهام الغرب النظام السوري باستعمال الأسلحة الكيميائية، فيما أعلنت كارلا دي بونتي المدعية العامة السابقة في محكمة الجنايات الدولية والعضو في لجنة التحقيق الدولية في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا أن المعارضة السورية هي من استعمل مواداً كيميائية (غاز السارين المحرَّم دولياً).

• خطف فئات إرهابية معارِضة المطرانين، متروبوليت حلب والإسكندرون وتوابعهما للروم الأرثوذكس المطران بولس اليازجي ومتروبوليت حلب لطائفة السريان الأرثوذكسي المطران يوحنا إبراهيم.

• محاولةُ استكمال مساحة الدولة العلوية واستعادة النظام مناطق واسعة في محافظات إدلب وحمص ودمشق. ورافق ذلك تطهير مذهبي.

• تدّخَل "حزب الله" بقوات نظامية في المعارك غير عابئ بارتداد مثل هذه الخطوة عليه وعلى مصلحة لبنان العليا، ومسقطاً الآمال بتحييد لبنان وبوضع استراتيجية دفاعية.

• حصول غارات إسرائيلية على شحنات داخل الأراضي السورية كانت تنقل صواريخ أرض جو وأرض بحر إلى "حزب الله".

• نشر إسرائيل منظومة القبة الحديدة على حدودها مع لبنان وسوريا وإجراء مناورات عسكرية على الجبهة الشمالية المحاذية للحدود اللبنانية.

• تزويد الجيش السوري الحر بصواريخ مضادة للمدرعات وللطيران من أجل خلق توازن عسكري بينه وبين جيش النظام.

• الكشف الرسمي عن قاعدة أميركية في الأردن لتدريب مقاتلي المعارضة بغية التخفيف من سيطرة مقاتلي "جبهة النصرة" على الأرض.

• تجديد الموقف الروسي والإيراني بدعم النظام ومنع سقوطه.

• الحديث عن استقالة مرتقبة للموفد العربي والأممي الأخضر الإبراهيمي.

مجموع هذه التطورات يصب في سبع خانات:

أولاً: محاولة البحث عن مقاربة سياسية جديدة للأحداث.

ثانياً: توفير الحاجات العسكرية لضمان استمرار الحرب من دون حسم قريب.

ثالثاً: ظهور معالم الدويلات المذهبية مع امتدادها إلى لبنان.

رابعاً: تحضير ذرائع احتياطية لتدخل عسكري في حالة طوارئ معينة.

خامساً: جسّ نبض كل من روسيا وطهران لمعرفة ردِّ فعليهما على تدخل عسكري في سوريا. فالغارات الإسرائيلية حصلت قبل 48 ساعة من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنامين نتنياهو إلى الصين، وجون كيري إلى موسكو، وقبل شهر تقريباً من اللقاء المهم بين فلاديمير بوتين وباراك أوباما في 17 و18 حزيران المقبل على هامش قمة الدول الثماني في إيرلندا.

سادساً: إدراج لبنان في النطاق الجغرافي لأي حرب مقبلة، لا بسبب الوضع في الجنوب اللبناني المضبوط بشكل أو بآخر بالقرار 1701، إنما بسبب دور "حزب الله" في سوريا. سابعاً: تهجير المسيحيين الباقين في المناطق السنية نحو اتجاهات أخرى داخل سوريا أو خارجها.

أتوقع أن تُترجم هذه التطورات تدريجياً طوال السنة الجارية لأنّ المجتمع الدولي يتجه إلى بلورة تحرك ما حيال الوضع السوري قبيل انتخابات الرئاسة السورية المتوقعة في تموز 2014، وربما قبيل الانتخابات اللبنانية المفترضة في أيار 2014 أيضاً. إذا كان يوجد بعدُ حرصٌ عربي ودولي على إنقاذ وحدة سوريا يمر التحرك من خلال تسوية سياسية ترعاها أميركا وروسيا.

أما إذا كان يوجد قرار ببلقنة سوريا فيأخذ التحرك شكل عملية عسكرية أطلسية جوية وبحرية محدودة تُرنِّح النظام ولا تنصر المعارضة ولا تنقذ سوريا، فتشهد سوريا آنئذ حرباً من دون نظام وثورة، بعدما شهدت حتى الآن حرباً في ظل نظام وثورة.

بيانات الأعمال العسكرية تكشف أن الدعم الممنوح حالياً للمعارضة لا يزال غير كافٍ لتتغلب على النظام، أو حتى لإقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية.

أليس مغيظاً أنَّ بعدَ أكثر من سنتين على بدء الأحداث لم تتمكن المعارضة من إيجاد مساحة "جلد ثور" تستقر فيها على أرض وطنها عوض التنقل كالبدو الرُحَّل بين اسطنبول والدوحة وباريس والقاهرة؟ وأليس معيباً أن تكون هيئة ائتلاف الثورة الغائب الأكبر عن كل هذه التطورات على رغم أن القمة العربية في الدوحة غامَرت وقدمت لها منصب الدولة السورية في جامعة الدول العربية؟

إنّ تجربتي الشخصية في المقاومة اللبنانية تسمح لي بنصح المعارضة السورية بعدم توقع مردود إيجابي من أي تدخل عسكري إسرائيلي. فإسرائيل تنتظر أنْ غيرَها يزرع وأنْ غيرَها يقطف وأنْ هي تحصد. وغارات إسرائيل قرب دمشق هي لحماية أمنها فقط لا أمن السوريين.

لقد أتت هذه الغارات (بين الثاني والرابع من أيار الجاري) في سياق صراعها مع "حزب الله" في لبنان وإيران في المنطقة، لا في إطار خطة تدخل في الصراع بين النظام والمعارضة في سوريا. علماً أن الأرض سوريّة والسلاح إيراني والمرسل إليه طرف لبناني والطائرات الإسرائيلية عبرت الأجواء اللبنانية المضيافة من دون كاتم للضجيج.

على رغم أنّ تورط "حزب الله" في المعارك نصرةً للنظام يشكل عاملاً نوعياً إضافياً على صعيد الحرب السورية، فلن تتدخل إسرائيل في الصراع السوري إلا في خمس حالات: سقوط الهدنة في جبهة الجولان، انفجار الوضع في جنوب لبنان، إطلاق النظام السوري أو إيران صواريخ باليستية ضد أهداف حيوية في الداخل الإسرائيلي، تدخل عسكري إيراني مباشر في سوريا، ومناشدة المعارضة السورية إسرائيل أن تتدخل.

وما يؤكد ذلك مسارعة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى طمأنة الرئيس بشار الأسد بأن الغارات لا تستهدف النظام السوري إنما "حزب الله". وهذا يذكرنا بحرب لبنان بين سنتي 1976 و1982 حين كانت إسرائيل تقصف الفلسطينيين في أماكن وجود القوات السورية في لبنان وتسارع إلى طمأنة حافظ الأسد بأن القصف ليس موجهاً ضد وجود قواته ودوره في لبنان.

بالفعل، لا تهدف الغارة إلى تغيير ميزان القوى بين النظام والمعارضة، بل منع تغيير ميزان القوى في الجنوب اللبناني، وكأن إسرائيل تنفذ، بدل الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل"، القرار 1701 ولو مع تأخير سبع سنوات. إن إسرائيل ترحب بأن ينقل "حزب الله" سلاحه من لبنان إلى سوريا، لا بل تشجعه على ذلك، لكنها تعارض أن يَنقلَ الحزب سلاح سوريا وإيران إلى لبنان.

من هذه الزاوية تحمل الغارات الإسرائيلية على قوافل "حزب الله" في دمشق دلالة بعيدة المدى إلى الدولة العلوية الشيعية الناشئة بين حمص ووادي النصارى وجبل العلويين والجنوب اللبناني مروراً بالبقاع.

مضمون الرسالة هو أن إسرائيل التي مانعت امتلاك سوريا الحالية أسلحة استراتيجية، لن تسمح للدولة العلوية الشيعية الجديدة أن تمتلك هذه الأسلحة، وهي مصممة على تدميرها قبل أن ينقلها النظام من الدولة السورية إلى الدولة العلوية الشيعية. وهذا يعني أن إسرائيل، الحاضنة مشروع تفتيت المنطقة، حريصة على إبقاء كل الدول القريبة من حدودها دولاً شبه منزوعة السلاح (بما فيها مصر في سيناء).

يبقى أن الغارات الإسرائيلية كشفت زيف ادعاء الدول الغربية بأنّ تدخلها العسكري يعرِّض قواتها لخطر كبير بسبب فعالية سلاح الدفاع الجوي السوري. فها هي الطائرات الحربية الإسرائيلية تحلق في أجواء سوريا وتُغير دفعات عدة من دون أن تطلق سوريا باتجاهها رصاصة واحدة، ولو ابتهاجاً...

من يدري، ربما تحرص سوريا على سلامة تجارة النقل بالعبور، أليس ما حصل أن طائرات ترانزيت قصفت ناقلات ترانزيت؟

  • شارك الخبر