hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - فيليب سكاف

شو هالغارة يا جارة!

الأربعاء ١٥ أيار ٢٠١٣ - 08:33

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

النهار

طارت الأسراب وطيّرت معها الخطوط الحمر. أغارت المسنّنات الحديديّة المروّسة على عاصمة البرازق، مرّة ثمّ مرّة ثانية. أصابت في أوّل غارة معمل شاي، ومزرعة بقر وسطلين من الحليب. أمّا الثانية فتعذّر التعتيم عليها، لأنها فرقعت وشعشعت سماء دمشق، بعد أربعين سنة من ظلم وظلام. الغارة هذه بالذات لا تشبه آلاف الطلعات التي سبقتها بشيء، لأنها أوّل مرّة تضرب إسرائيل دولة أخرى، تدمّر عمداً ثمّ تعتذر بتهذيب، مدّعية أن الهدف في مكان آخر. ثمّ إنها المرّة الأولى التي بدل أن يُوصّف عدوانها بالصّهيوني الآثم والغاشم، سمعنا بذهول:"شكراً إسرائيل".
وأخيراً، إنها المرّة الأولى التي يختلف فيها المحللون كليّاً حول عواقب الإغارة. فالبعض رأى فيها رصاصة الرّحمة التي انطلقت أخيراً من مسدّس اللاعب بالروليت الروسيّة، رصاصة أصابت النظام ومنظومة المقاومة. فاستنتجوا أن نظام الطاغية تهاوى، ومعه المقاومة والممانعة، وأن إيران ستركز من الآن وصاعداً على تصدير التنبك العجمي، وحزب الله على تعزيز زراعة التبغ في الجنوب. "وهوّنوها، يا شباب، في فلسطين... بتهون، وحلوها، يا شباب... بتنحل". ويعمّ السلام المنطقة في جو من السعادة والنشوة. وطبعاً تنتشر الديموقراطية والتعدّديّة والحريّة في كل بلاد الضاد!
الفريق الثاني رأى في الغارة بداية حرب إقليميّة ستنتهي بمحو الكيان الغاصب. وحينها يرتاح الجميع، ويعود اللاجئون الفلسطينيون ليسكنوا المستوطنات التي هرول سكانها نحو البحر. يعودون إلى بيّارات البرتقال التي تركوها في حيفا. ويُحوَّل المفاعل النووي في ديمونا إلى فندق خمس نجوم مخصّبة، ويُعاد تسمية القرى والمدن ذات الأسماء العبريّة بأسمائها العربيّة.
من معه حق؟ سننتظر كتاب التاريخ الذي سيكتبه المنتصرون طبعاً. على كلّ حال، إذا حصل سلام، فنحن نعلم أنه لن يكون سلاماً عادلاً. وإذا بقينا على حروبنا، فنحن نعلم أن لا عدل في الحروب أيضاً.
كتب رافاييل باتاي كتاباً عن العقل اليهودي وآخر عن العقل العربي، وخلاصتهما أنه لن يكون هناك سلام بين الشعبين، لأن المشكلة بينهما ليست مشكلة التنازع على الأرض بل مشكلة نفسيّة تنبع من ذاكرتهما. في ذاكرة العرب الجماعيّة أنهم لم يخسروا حرباً طوال فتوحاتهم، لكنهم في غضون سبعين سنة خسروا ثلاث حروب ضد إسرائيل. وفي ذاكرة اليهود أنهم لم يربحوا حرباً واحدة طوال ثلاثة آلاف سنة من الشتات، لكنهم ربحوا في القرن الماضي، ولأوّل مرّة، ثلاث حروب ضد العرب. الأوّلون سيظلون يُحاربون طالما هم مهزومون، والآخرون سيظلون يُحاربون طالما هم منتصرون.

  • شارك الخبر