hit counter script
شريط الأحداث

- جهاد الملاح

غيمة عربية... في ذهني

الخميس ١٥ نيسان ٢٠١٣ - 07:18

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

فتحت هذه المرّة صفحة لأبدأ بكتابة فكرة ما، فأمسكت بالفأرة وتلاعبت بلوحة المفاتيح، فإذ بي كلما كتبت سطوراً عدة أعود لأمحوها، وكلما دخلت إلى فكرة جديدة من وحي الأحداث التي تضرب لبنان والعرب والعروبة، أخرج منها مجدداً وأمحو سطورها.
لم أتمكن من أن أمحو من ذهني صور الإجرام، الدموي وغير الدموي، الذي يضرب المواطنين العرب، ولا الكذب والنفاق اللذين يغرقان ساسة لبنان، من مدّعي الحرص على مصلحة الشعب وتمثيل الأديان. ومن فكرة إلى أخرى، وسطور تلو السطور، وجدت نفسي مقيّداً بأغلال تُمسك بأفكاري، وكأنّ الحديد يتلاطم في ذهني ويدوس على ما قرأت وتعلّمت، فيشلّ يديّ الإثنتين عن لوحة المفاتيح، باسم سيدة العروبة الأولى، والحاضرة في لبنان كلما جد الجدّ ووجب الوضوح التامّ: الرقابة الذاتية.
لا أدري لماذا انحصر فكري هذه المرّة في مواضيع "سقفها عالٍ جداً"، أعلى بكثير مما اعتدت أن أقارعه، غير آبه. هل هي الأحداث التي تفرض هذا السقف؟ أم هو الغضب مما يجري؟ أم هي لوحة المفاتيح أخرجت مخالبها على حين غفلة؟
لم أستطع أن أخرج من تلك المواضيع ومضامينها، وفي الوقت نفسه لم يكن بمقدوري أن أتحدث بصراحة وأسمّي الأمور كما هي، في أداء أكثرية رجال الدين اللبنانيين والعرب وأعطي رأيي في ما يكتبه بعض الناس إجلالاً لهؤلاء في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. ولم أعرف أن أحيد عن زوايا معينة، بالأسماء وما أراه من تفاصيل، في ما يتعلق بمفاهيم الثورات، أو ما يرتبط بالربيع العربي الذي كان من الصعب أن يكون أقلّ دموية بعد عقود من القمع والتدمير المنهجي لكل مظاهر التفاعل البشري والوطني.
وفجأة انقطعت الكهرباء، فإذ بموضوع الانتخابات اللبنانية يعود إلى ذهني، لكنني أيضاً لم أرد أن أصف بدقة ماذا يفعل من يعلن جهراً دعم مقترح "اللقاء الأرثوذكسي"، لأن الحقيقة الصادقة قد تكون سامّة وقد تستدعي بعضاً من العبارات غير اللائقة. كما أن الغضب والسخط منعاني من أن أعيد بطريقة لائقة وصالحة للنشر، كتابة بعض الأفكار المزمنة عن سياسيي لبنان وماذا يفعلون بتلك الدولة وهذا الوطن.
عجزت فعلاً هذه المرّة عن أن أكون صحافياً ملتزماً بكتابة أخلاقية، فخانتني العبارات "الملتزمة" في وصف تنصل السياسيين اللبنانيين من هموم الشعب الفعلية إلى الفساد إلى النفاق، وكلها أمور أصبحت واقعاً مقبولاً في هذا البلد.
أردت، على سبيل المثال لا الحصر، أن أسأل رئيس دولتي لماذا ذهب إلى القمة العربية، والدولة تحتاج إلى كل ساعة من أجل محاولة الإسراع في الاستشارات النيابية، وكان يمتلك كل الأعذار لإرسال أي ممثل عنه. لكني تذكرت ما تساءلته عندما غادر فخامة الرئيس إلى أفريقيا للقاء المغتربين: استفاقة استراتيجية أم حفلات تبولة؟ فأنا ما زلت أنتظر أن أقرأ أو أسمع في الإعلام، ماذا أتت به تلك الرحلة من استثمارات ومن عقود سياحية اغترابية تعوّض لبنان عن الحظر السياحي المفروض عليه.
فكّرت، هل أسأل عن الوزارات السيادية التي ابتعدت عن الدفاع والداخلية وبالطبع عن التربية والتعليم، وأصبحت في الطاقة والاتصالات؟ لكن لماذا أسأل وأنظّر إذا كان ممنوعاً عليّ وعلى الشعب وعلى الإعلام، الوصول إلى مصادر المعلومات والأرقام والتفاصيل الحقيقية الواضحة لمعرفة ماذا جري ويجري حقاً في الوزارات والنفط وغيره؟
أخرجت ذهني من الدولة الجهنمية التي تتحكم بوطني، وتوجهت نحو العرب والعروبة، فوجدت نفسي كلما دخلت في موضوع أريد أن أكتب عنه بتساؤلات وأسماء، ملاحقاً بالرقابة الذاتية. حتى المواضيع البسيطة مثل ما يحصل بين لبنان والخليج، لم تفلت من مخالب تلك الرقابة. كما لم يسمح شبح الرقابة بالتطرق إلى الوضعية القانونية لجامعة الدول العربية، في ميثاقها وقرارات مجالسها، وما بها من هرطقة وتناقض وخداع، من أنشاص إلى اللاءات المضللة في الخرطوم إلى فاس وما بعدها.
شدتني زيارة الرئيس الأميركي الأخيرة إلى فلسطين، فربما أكتب عن رأيي في القيادة الفلسطينية، لكنني لم أجد سطوراً تكون لائقة للنشر وقادرة في الوقت نفسه على أن تشرح عجيبة هذه القيادة في كيفية التعامل مع قضيتها وكل الابتزاز الذي ترضى به صوناً للاشيء.
حاولت أن أعرّج إلى الأزمة السورية التي تفيض بالدمار ودماء الأطفال، منطلقاً من زاوية الدور العربي الذي لا بد من أن يكون أكثر صدقاً وجدية. لكن من دون تسمية الأمور بأسمائها، يصبح الموضوع تافهاً يتلخص بالصيغة الإنشائية المبهمة التي تبحث عن التوازن اللغوي والسياسي، تماماً مثل مئات القرارات الصادرة عن الجامعة العربية والآلاف من شعارات العروبة المزمنة. ولم أتمكن فعلاً من تسمية تلك الأمور!
في زمن الحرية الصحافية وتصاعد عناصر الاستدامة الإعلامية، وفي عهد أحرف إلكترونية حلّت مكان القلم لتساعد العقل الحرّ في إعلان الأفكار والآراء والملاحظات وفي ترتيبها كيفما يشاء بسرعة تتماهى مع حاجات الزمن الجديد ومفاهيم حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية والأمن الإنساني والاجتماعي، تملكتني الرقابة الذاتية إلى أبعد حدود، ربما عن غير قصد أو لبعض الحسابات التي جعلتني أبتعد عن مشاكل ليس وقتها الآن.
لكن هذه الرقابة هي بالتأكيد مجرد غيمة عربية في ذهني، وستمرّ.


 

  • شارك الخبر