hit counter script

رسالة البطريرك الراعي لمناسبة عيد الفصح

السبت ١٥ آذار ٢٠١٣ - 12:35

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

وجه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رسالة الفصح الى اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا، في حضور الكاردينال نصر الله بطرس صفير، المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات من مختلف الطوائف الكاثوليكية.

وجاء في الرسالة التى حملت عنوان " تذكر يسوع المسيح الذي مات وقام من بين الاموات".(2طيم2:8)

1 - في عيد فصح المسيح، عيد عبوره بالبشرية إلى حياة جديدة، نعيش هذه السنة، في لبنان وبلدان الشرق الأوسط، أياما قاتمة من الجوع والعنف والحرب والإرهاب والتهجير والقلق على المصير. لكن نور المحبة والسلام المشع من قبر المسيح الفارغ، وقد دحرج عنه الحجر الكبير، إنما يدفع بنا جميعا وبخاصة المسيحيين إلى صخرة الرجاء بيسوع المسيح الذي أصبح سيد العالم بموته وقيامته، وبه نوطد حضورنا ورسالتنا. بالرغم من سلطة المال والسلاح والتسلط، تبقى للمسيح الرب الكلمةُ الأخيرة، كلمة الحقيقة بوجه الكذب والتضليل، وكلمة المحبة بوجه البغض والقتل، وكلمة السلام بوجه العنف والحرب. فإلينا وإلى كل واحدٍ منا يتوجه بولس الرسول بالتذكير الموجه إلى تلميذه طيموتاوس: "تذكر يسوع المسيح الذي قام من بين الأموات".

2 - إنه يذكر العالم بانتصاره على الخطيئة والموت، وهو انتصار نهائي جعل منه انتصارا لكل إنسان يسير في طريق الحقيقة والمحبة والسلام. فيصبح قادرا، بقوة المسيح وحضوره على تحقيق الانتصار في هذا وذاك من الظروف، وفي هذه أو تلك من الحالات. وأعطى الجميع الثقة والضمانة بقوله: "سيكون لكم في العالم ضيق. لكن ثقوا، أنا غلبت العالم"(يو16: 33).

3 - ويذكر المسيحيين بمعموديتهم التي أدخلتهم نهج موت المسيح وقيامته، وجعلتهم بالتالي شركاء في نبوءته لإعلان إنجيل الحقيقة والمحبة والأخوة في مجتمعاتهم، وفي كهنوته لمواصلة آلام الفداء في أجسادهم ولاستحقاق الغفران والمصالحة من الله الغني بالرحمة، وفي ملوكيته لإحلال العدالة، وتوطيد السلام، ودحر قوى الشر. يذكرهم أنهم سموا مسيحيين لأنهم يعكسون وجه المسيح، ولأنه حاضر من خلالهم. والقول صريح لبولس الرسول: "أنتم الذين اعتمدتم بالمسيح، قد لبستم المسيح"(غل3: 27). وبهذه الصفة يدعوهم ليكونوا ملحا في المجتمع يعطيه نكهة ومعنى ويحفظه من الفساد، وليكونوا نورا ينير أهل مجتمعهم بأعمال الخير والثقافة والجمال، وليكونوا خميرة تبدل عجين مجتمعاتهم بالقيَم الانجيلية والانسانية، وبقيم الحداثة(متى5: 13-15؛ 13: 33).

4 - ويذكر المتألمين، من مرضى وجرحى ومعوقين ونازحين وضحايا تهجير وإرهاب وتعذيب، ومن حزانى ومهملين وفقراء ومنبوذين، ومن أسرى ومخطوفين ومظلومين وقابعين في أقبية التعذيب، ومن محرومين من حقوقهم الأساسية. هؤلاء يذكرهم الرب يسوع في ظهوراته بعد القيامة، حاملا آثار الصلب، جراحات يديه رجلَيه وصدره(يو20: 20)، بأنه مُتضامنٌ معهم، وأنهم يُكملون بآلامهم آلامه من اجل فداء العالم، وبأنهم يحملون في أجسادهم ونفوسهم وأرواحهم علامات جراحه الخلاصية، وهم بالتالي "إخوته الصغار"(متى25: 40) الذين يحتاجون إلى يد سامريٍ صالح تُضمد جراحهم(لو10: 25-37). ويذكرهم بالتالي بولس الرسول بأنهم "إذ يشاركون المسيح حقا في آلامه، سيشاركون أيضا في مجده"(روم8: 17). ويدعوهم المسيح المتألم والقائم من الموت لكي يجعلوا من آلامهم "آلام مخاض" مثل المرأة قبل أن تلد(يو16: 21)، فتولد منها حياة جديدة ووقائع جديدة في عائلاتهم ومجتمعاتهم وأوطانهم.

5 - ويذكر الخطأة وبائعي نفوسهم للشر بأن الله الآب صالحهم بدم صليب ابنه الذي صار إنسانا، يسوع المسيح (روم5: 10)، ويدعوهم الآن ليتصالحوا مع الله (2كور5: 18-20)، متحررين، من عبوديتهم للخطيئة والشر. فالمسيح الذي مات وقام، قهر سلطان الخطيئة وجدد عهد الانسان مع الله ونقض جدار العداوة والانقسام (أف2: 14-16). إن مصالحتهم مع الله هي في آن مصالحة مع ذواتهم الانسانية ومع الاخوة والخليقة جمعاء. فكما أنهم بخطيئتهم وشرهم يشوهون ذواتهم وينشرون الفساد في المجتمع وبين الشعوب، كذلك بارتدادهم عن الخطيئة والشر وبمصالحتهم يصلحون نفوسهم والمجتمع.

6 - ويذكر رعاة الكنيسة، ألأساقفة والكهنة، كما يذكر المكرسين والمكرسات فيها، بأنهم سفراء المسيح وقد استودعهم خدمة المصالحة(2 كور5: 18) بممارسة سر التوبة والشهادة للمحبة بالقول والعمل، وبالسعي الجاد إلى بناء الشركة والمحبة بين المتخاصمين. إن الكنيسة تحمل في جوهرها رسالة المصالحة، تعلنها وتعمل جاهدة على تغيير القلوب، والتغلب على الخطيئة، أكانت أنانية عمياء أم ظلما أم استكبارا أم استغلالا أم سعيا وراء المادة، أم انغماسا في الملذات. وتفعل ذلك بخدمتها لكلمة الله والأسرار. وهكذا تعمل على تعزيز التفاهم بين الناس وإحلال العدالة والسلام في العائلة والمجتمع والوطن.

7 - في ضوء هذا التذكير، لا بد من التوجه إلى حكام الدول العاملين في الشأن السياسي، فنذكرهم بأن سلطتهم إنما تخضع للنظام الذي وضعه الله الخالق للعالم، وهو أن يعيش الناس والشعوب بسلام في أوطانهم، وأن يتفاهموا ويرعوا شؤون مدينة الأرض، وينعموا بالخير والعدل. ونذكرهم بأن السلطة تجد أساسها في صميم الطبيعة البشرية، وتخضع في الممارسة لنظام أخلاقي طبعه الله في قلب الإنسان، وتستلهم إرادة الله "فتقضي بالعدل للشعب وبالإنصاف للضعفاء"(مز72: 2). نذكرهم بأن السياسة فن شريف يلتزم تأمين الخير العام الذي فيه خير الجميع وخير كل إنسان وكل الإنسان، لا الإنسان في المطلق بل هذا الإنسان المواطن، أيا كان لونه أو رأيه أو معتقده أو انتماؤه. لقد وجد الحكم والعمل السياسي من أجل إنماء كل مواطن كشخص بشري يحترم في ذاته وحقوقه الأساسية وتطلعاته، وتتوفر له إمكانيات النمو، روحيا وإنسانيا وثقافيا واقتصاديا، وتتأمن حاجاته من أجل حياة كريمة تشمل الغذاء والكسوة والصحة والعمل وتأسيس عائلة. ومن أولى واجبات الحكام والسلطة السياسية توفير السلام والعدالة والاستقرار الأمني كأساس (شرعة العمل السياسي، ص 5-7).

8 - ولذا، لن يقبل المواطنون بعد اليوم بسياسيين يعملون فقط من اجل مصالحهم الشخصية والفئوية والمذهبية، ويعطلون عمل المؤسسات الدستورية بسبب الصراع على السلطة والمحاصصة وفرض الرأي والهيمنة على الغير، ويتسببون بفلتان الأمن وتفشي السلاح غير الشرعي، وبشد الخناق على المواطنين بأزمة إقتصادية ومعيشية تُهدد بالإنهيار، وتهجر طاقات البلاد، وتحمل شبابنا المثقف على الكفر بالوطن الأم ومغادرته من غير رجعة. إن كل ذلك يشكل جريمة وطنية جسيمة.

9 - لن يقبل المواطنون بأن يماطل السياسيون، من نواب ووزراء وأحزاب وكتل، في التوافق على شكل الحكومة الجديدة وشخص رئيسها وتأليفها في أسرع وقت ممكن، لكي تنقذ البلاد من شر الانقسام السياسي والمذهبي، ومن تفاقم الركود الاقتصادي مع تبعاته الاجتماعية والعجز والدين العام، وتنقذ البلاد من مغبة الوضعية المالية بعد القرارات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة من دون تأمين الموارد اللازمة، وقد قرِعت أجراس الإنذار من أكثر من مصدر محلي ودولي، وذلك قبل أن تخرج الأوضاع المالية العامة عن سيطرة السلطة.

10 - لن يقبل المواطنون بأن يسعى ممثلوهم في الندوة البرلمانية الى تمديد ولايتهم، مخالفين بذلك نظام لبنان الديموقراطي في تداول السلطة، ومطيحين بالدستور ومُهَلِهِ القانونية. وهم يفعلون ذلك بمعارضتهم وعدم توافقهم على أيٍ من مشاريع قانون الانتخاب الكفيلة بتحقيق الاجماع الوطني وإعطاء المواطنين حقهم في انتخاب ممثليهم في مجلس النواب، ومساءلتهم ومحاسبتهم، من دون أن يُفرضوا عليهم. ويتذرعون بعدم توافقهم المخطط له والمقصود، ويا للأسف الشديد، للبقاء على قانون الستين الذي يرفضونه في العلن، ويعملون لإبقائه في الخفاء. والأسوأ من ذلك اعتبارهم غير قادرين على إصدار قانون للإنتخاب عادل ومنصف للجميع يكون على قياس الوطن، لا على قياسهم.

11 - لا يمكن القبول بالوصول إلى الفراغ في نظامنا السياسي. بل نطالب بشدة باستمرار السلطة الدستورية في حكومة أصيلة مسؤولة، ومجلس نيابي فاعل ومفعل لصلاحياته، ومؤسسات أمنية كاملة في كوادرها. ونحذر من مغبة الدفع نحو أزمة وطنية بحثا عن التغيير الكبير. ولا يمكن القبول بجعل لبنان عاجزا عن أن يحكم نفسه بنفسه، وبتحويل مكوناته إلى دويلات ضمن الدولة أو فوقها. فتعالوا، أيها اللبنانيون، لنتصارح ونتوافق على التغيير في إطار الدستور، وفي كنف السلام الوطني والتوافق والاستقرار، وضمن المؤسسات الدستورية. إننا نناشد فخامة رئيس الجمهورية، ألذي أقسم اليمين وحده على حماية الدستور ومسيرة الدولة - الوطن، حمل المسؤولية الأولى والموجهة في هذا السبيل، ونطالب الجميع بالتعاون معه في هذا الوقت المصيري والحرِج للغاية.

12 - ولا بد من التذكير بأن لبنان لا ينهض إلا بالحوار والمؤازرة من قبل الجميع. لسنا نشجع القيادات على المشاركة في الحوار وحسب، بل ندعو إلى جعله هيئة وطنية دائمة تعالج القضايا الوطنية المصيرية ببرنامج ومواعيد سنوية. ذلك أن لبنان، بما له من خصوصية ودور في المنطقة، ذو نظام قيد التطوير الدائم والبناء المتجدد على أساس الميثاق الوطني وحياد لبنان الإيجابي، والتطبيق العملي "لإعلان بعبدا".

13 - وإننا نناشد المتنازعين في سوريا، الذين يمعنون في هدم منازل المواطنين الآمنين والمؤسسات والتاريخ، وقتل الأبرياء بالعشرات يوميا، وتهجيرِ السكان بالملايين، نناشدهم رمي السلاح والمال الذي يمدهم به الخارج الطامع في هدم سوريا وسواها من البلدان العربية تباعا، كما نرى هنا وهنالك. ندعوهم لأن يتقوا الله في خلقه، ويجلسوا إلى طاولة المفاوضات بجرأة وتجرد وبطولة.

كما ندعو الدول المجاورة لسوريا لتنسيق استقبال مئات الألوف من النازحين، بحيث تتوزع أعدادهم وفقا لإمكانيات كل بلد، وتنسيق مساعداتهم في داخل سوريا وخارجها. ونطالب بالسهر على عدم تسريب السلاح وعدم استخدام أرض لبنان لتمريره إلى سوريا، او لاتخاذ مواقع هجوم وقصف ودفاع على أرضه.

14 - أمام هذا التذكير القاتم، يبقى التذكير بالرجاء الذي بدأنا به هذه الرسالة: "تذكر يسوع المسيح الذي مات وقام من بين الأموات". إنه حدث من التاريخ، لكنه يخرق محيط التاريخ ويتعداه، ويجري تحويلا عميقا فيه، إذ يطبعه بطابع حالة القيامة، ويجعله واقعا من نوعٍ جديد. لقد أصبح جسد المسيح الكوني الممجد مكانا، إذا جاز التعبير، يدخل فيه جميع الناس في شركة اتحاد مع الله ووحدة فيما بينهم. وهكذا يستطيعون أن يعيشوا حياة جديدة لا تهدمها قوى الشر، ويبنون مجتمع أخوة وعدالة وسلام (البابا بندكتوس السادس عشر، يسوع الذي من الناصرة، الجزء الثاني، صفحة 303-304 من النص الإيطالي).

هذا هو إيماننا وأساس رجائنا:المسيح قام! حقا قام!

مهنئون

وغص الصرح البطريركي بالمهنئين بالفصح المجيد، فاستقبل البطريرك الراعي في حضور الكاردينال نصر الله بطرس صفير والمطارنة: بولس الصياح، حنا علوان، سمير مظلوم، رولان ابو جودة وطانيوس الخوري، على التوالي: راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس مطر مع كهنة الابرشية، النائب البطريركي على الجبة - بشري المطران مارون عمار، راعي أبرشية البترون المطران منير خير الله وكهنة الابرشية، المطران بولس اميل سعادة، المطران بولس منجد الهاشم، راعي أبرشية زحلة المارونية المطران منصور حبيقة وكهنة الابرشية، النائب البطريركي على ابرشية صربا المطران بولس روحانا، راعي ابرشية جونيه المطران انطوان نبيل العنداري وكهنة الابرشية، المطران جورج شيحان ، راعي ابرشيةانطلياس المطران كميل زيدان والمطران يوسف بشارة وكهنة الابرشية، النائب البطريركي المطران جوزف معوض، راعي ابرشية جبيل المطران ميشال عون وكهنة الابرشية، رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن على رأس وفد من المجلس، ممثل الكنيسة القبطية في لبنان الاب رويس الاورشليمي، الهيئة التنفيذية للامانة العامة للمدارس الكاثوليكية برئاسة الامين العام الاب بطرس عازار، وفد من المركز الماروني للتوثيق والابحاث برئاسة المطران مظلوم والمدير العام المونسينيور سعيد سعيد، نائب الرئيس العالمي لجمعية "مار منصور دو بول" ألبير الزغبي والمساعد والمنسق انطوان وهبي، رئيس "كاريتاس" لبنان الخوري سيمون فضول على رأس وفد من أعضاء مجلس ومكتب وأقاليم وقدامى "كاريتاس"، نائب رئيس جامعة سيدة اللويزة الدكتور سهيل مطر، مكتب راعوية المرأة في بكركي برئاسة الام دومينيك الحلبي، الرؤساء العامين والرئيسات العامات للرهبانيات الكاثوليكية ووفود شعبية من مختلف المناطق.

وظهرا، ترأس البطريرك الراعي صلاة الغفران في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي بمشاركة الكاردينال صفير ولفيف من المطارنة والكهنة والمؤمنين.
 

  • شارك الخبر