hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - عقل العويط

ليتني أملك أن أقتلكَ يا أبي

الأربعاء ١٥ آذار ٢٠١٣ - 08:45

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

(النهار)

كتـبــتُ هـذا المقـال فيـما أبـي في حشـرجاته الأخيرة، قبل أن يستسلم الاستسلام الأخير.

أريدكَ، يا أبي، يا داود بن عقل بن داود العويط، أن تموت. بل آمركَ، بالحبّ الذي أكنّه لكَ، وبالصداقة التي نتفرّد بها، آمركَ بأن تموت. وفوراً. وبدون أيّ إرجاء.
ويا داود أبي، من أجلكَ، لا من أجلي، يجب أن تموت. يليق بكَ، أيها الشيخ الجميل الأنوف، أن لا تظلّ تموت كما أنتَ فاعلٌ منذ ثلاث سنوات وأربعة أشهر. لكأنكَ عائشٌ أيّامكَ حقاً، بدون أن يساوركَ قنوطٌ من هذه الحياة التي لا تزال تحبّها، كما لو أنها ماثلةٌ أمامكَ في المقبل من الأيام، لا في الوراء البعيد.
وإذ أُكاتبكَ باسم نفسي، فظنّي أنّي أنوب، من باب العرفان، عن كلّ الذين لم يعد في مستطاعهم أن يسكتوا على موتكَ اليومي البطيء، وعلى شعوركَ العظيم بهذا الموت المهين.
لا أنانيةً، أريد هذه الإرادة، بل حبّاً وصداقة. وها أنا أقول لكَ بالقلب المترع، وبالعقل المترع، إننا لم نعد نريد، لا أنا، ولا أخواتي، ولا إخوتي، ولا أمّي، ولا أحبابكَ الكثر، أن تكون شاهداً، ولا أن تكون شهيداً.
كلّ لحظةٍ من عينيكَ التائهتين، كلّ لحظةٍ من كبريائكَ الجريحة، كلّ لحظةٍ من جسدكَ المهيض، تجعلني قتيلكَ، يا أبي. فليتني أستطيع الآن، في هذا الليل بالذات، وقبل صياح الديك، أن أكون أنا قاتلكَ، يا أبي، ليكون هذا صنيعَ حياتي الذي لا يعادله صنيع. لكنّي لا أملك أن آتي عملاً عادلاً وكريماً ونبيلاً كهذا، لأني جبانٌ حقاً، وضعيفٌ حقاً، ولأني ربّما لا أستحقّ أن أُدعى لكَ ابناً. فيا لهشاشتي!.
اسألْ مسيحكَ، كم ينبغي لهذا المسيح، الذي لا تزال تؤمن بأنه يقيم في صدركَ، أن يأخذكَ إليه للتوّ. إنني لا أعرف حقاً، أيّ حكمةٍ، بشريةٍ أو سواها، في أن تُترَك على خشبة جسمكَ المفعم بالعذاب المجحف هذا.
عشية جلجلتكَ السنوية الرابعة هذه، وعشية فصحه هذا، إسأله أن يأخذكَ أخذاً رقيقاً لطيفاً سخيّاً، وعلى غفلة، لتنضمّ إليه في جبل زيتونه القدسي، فتسهر سهرتكَ الأنيقة هناك، بدون نعاسٍ أو نومٍ أو مهانة، وتكسر الخبز والخمر معه، على هدي إيمانكَ القويّ، إلى آخر الأزمان.
وإذ أكتب إليكَ هذه الرسالة الملأى بالفجاجة الغريبة، في هذا الهزيع المتأخر من الليل، فرجائي أن تكون قراءتكَ المثلى لها هي فقط مغادرتكَ المرتجاة لجسدكَ المهزوم هذا، الذي لم يعد لا المكان، ولا البيت اللائق بفروسية حياتكَ النادرة.
سلامي إليكَ. 

  • شارك الخبر