hit counter script

كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان امام القمة العربية في الدوحة

الثلاثاء ١٥ آذار ٢٠١٣ - 19:51

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أنه "بعد مرور أكثر من تسعة شهور على صدور إعلان بعبدا، أصبح في حاجة الى تحصين داخلي وإقليمي ملح، في ضوء عدم التزام بعض الأطراف المتعارضة مضمونه وما دعا إليه من تحييد وعدم استعمال لبنان مقرا أو ممرا أو منطلقا لتهريب السلاح والمسلحين على طرفي الحدود اللبنانية - السورية". وقال "إن واجب التزام إعلان بعبدا والمحافظة على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الأهلي مسؤولية لبنانية قبل كل شيء، إلا أنها من منطلق الأخوة والتضامن، مسؤولية لبنانية عربية مشتركة".

وأضاف: "على الرغم مما تسمح به الأنظمة اللبنانية من حرية رأي، ضمن ضوابط القانون، فإن الثابت والأكيد أن سياسة الدولة اللبنانية، المتمثلة برئيسها هنا، حريصة كل الحرص على المحافظة على افضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة وأسماها، على قاعدة الأخوة والتضامن، ورفض اي تدخل في شؤونها الداخلية".

ورأى "أن مشكلة النازحين السوريين باتت تشكل عبئا اضافيا ضاغطا على الاوضاع العامة في البلاد، وقد ارتفع عددهم إلى ما يوازي ربع سكان لبنان".

وناشد "بصورة ملحة الإخوة العرب والمجتمع الدولي في مناسبة انعقاد هذه القمة، النظر في إمكان الدعوة الى مؤتمر دولي خاص بموضوع اللاجئين السوريين، لا يكتفي فقط بالدعوة الى التزام التعهدات المالية التي سبق أن أعلن عنها في المؤتمر الدولي الخاص الذي قامت دولة الكويت مشكورة باحتضانه، بل يباشر البحث في طرق تقاسم الأعباء والأعداد، من منطلق المسؤولية المشتركة".

مواقف الرئيس سليمان جاءت في كلمة لبنان التي القاها امام مؤتمر القمة العربية في دورتها العادية الرابعة والعشرين المنعقدة في العاصمة القطرية الدوحة.

وقال: "اجتماعنا اليوم، على أرض دولة قطر العزيزة، يؤكد إرادتنا السياسية الثابتة والمتجددة في العمل معا من أجل إيجاد حلول مشتركة للتحديات الداخلية والخارجية التي نواجهها كدول وكمجموعة من ضمن ضوابط احترام ميثاق جامعة الدول العربية وآليات العمل العربي المشترك وذلك في خضم التحولات التاريخية الجارية على مستوى العالم العربي، وما يعترضها من عثرات ويشوبها من عنف.

وهو اجتماع يشير إلى أن الهم الوطني الطاغي في العديد من دولنا لا يمكنه أن يثنينا عن معالجة الهم القومي الأشمل، سعيا لتحقيق ما نصبو إليه من استقرار وازدهار وعزة".

أضاف: "تولي القمة العربية هذا العام، وللعام الثاني على التوالي، اهتماما استثنائيا، بالأزمة المتمادية في سوريا.
ومن الطبيعي أن يكون لبنان معنيا بصورة مباشرة بمصير هذا البلد الشقيق واستقراره وتقدمه، وبالتالي بطبيعة التحولات الجارية على أراضيه، وذلك بحكم علاقات الجوار والأخوة والترابط الاقتصادي والاجتماعي بين البلدين والشعبين. وهو ما زال يأمل في أن تنجح الجهود الديبلوماسية، على صعوبتها، في وقف دوامة القتل والدمار المفجعة، وبلورة حل سياسي متوافق عليه من جميع الأطراف، يحفظ وحدة سوريا وحقوق أبنائها وجميع مكونات شعبها وحرياتهم الأساسية، بعيدا من مخاطر التقاتل والتطرف والتشرذم. وإنه ليبقى أقل كلفة أن يأتي هذا الحل السياسي متأخرا، من أن لا يأتي أبدا".

وتابع: "في انتظار ذلك، وخشية انزلاق اللبنانيين في أتون الفتنة والعنف، على خلفية القتال الدائر على الأراضي السورية، توافق أفرقاء هيئة الحوار الوطني اللبناني، في ما عرف "بإعلان بعبدا" بتاريخ 11 حزيران من العام الفائت، على تجنيب لبنان التداعيات السلبية الممكنة للأزمة السورية، وتحييده عن الصراعات الإقليمية والدولية وعن سياسة المحاور. ومن هذا المنطلق ننأى بانفسنا من القرار الخاص بسوريا.

وقد أحاطت الدولة اللبنانية هذا التوافق الميثاقي، بشبكة أمان تمثلت ببيانات دعم وتأييد لمضمونه ومقاصده صدرت بصورة متتالية عن مجلس الأمن الدولي والمجلس الوزاري للاتحاد الأوروبي والأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وكان آخرها البيان الصادر عن الرئاسة الدورية لمجلس الأمن بتاريخ 15 آذار الجاري، والبيان الذي صدر عن الامين العام للامم المتحدة في الثاني والعشرين منه (بعيد استقالة الحكومة اللبنانية)".

ورأى أنه "بات واضحا بعد مرور أكثر من تسعة شهور على صدور "إعلان بعبدا" أنه أصبح في حاجة الى تحصين داخلي وإقليمي ملح، في ضوء عدم التزام بعض الأطراف المتعارضة مضمونه وما دعا إليه من تحييد وعدم استعمال لبنان مقرا او ممرا او منطلقا لتهريب السلاح والمسلحين الى سوريا. ولكن هذا يتطلب ايضا من الجهات السورية المتعارضة ان تمتنع بدورها عن استعمال لبنان واراضيه للاعمال العسكرية".

وأكد "أن واجب التزام إعلان بعبدا والمحافظة على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الأهلي مسؤولية لبنانية قبل كل شيء. إلا أنها من منطلق الأخوة والتضامن، مسؤولية لبنانية عربية مشتركة.
ولنا في اتفاق الطائف عام 1991، ومن بعده في اتفاق الدوحة عام 2008، خير مثال على قدرتنا، متعاونين متعاضدين، على اجتراح الحلول للأزمات التي قد تواجه مسيرات أوطاننا، وتغليب هذه الحلول السياسية من طريق الحوار والتوافق وقوة المنطق والحكمة والإقناع، وما يستتبع ذلك من دعم واحتضان؛ إضافة لما أخذناه على أنفسنا من التزام العمل على تطبيق القرار 1701، بالتعاون مع قوات اليونيفيل العاملة في الجنوب اللبناني".

وقال: "تعلمون أيها الإخوة أن للبنان وضعا خاصا، وأنه محكوم بمنطق التوافق على قاعدة ميثاقية راسخة. وقد أثبتت التجربة التاريخية استحالة غلبة فريق طائفي أو مذهبي بعينه على فريق آخر، وأن خسارته لاستقراره تتسبب بخسارة تطاول الجميع، عدا ما قد تشكله من مخاطر على الأمن والسلم الإقليميين. لذا يحدوني الواجب الوطني والقومي، لتوجيه نداء ملح من هذا الموقع بالذات، إلى جميع المعنيين بالشأن اللبناني لوعي أهمية الالتزام الدقيق بإعلان بعبدا، وتشجيع جميع الأطراف اللبنانيين الى اي فئة انتموا، على الالتزام قولا وفعلا بمضمون هذا الإعلان، وتحسس مخاطر انزلاق لبنان أو توريطه في تجاذبات الصراع الإقليمي".

وأمل "أن يتزامن التحييد والاستقرار الذي نعمل من أجله، مع عودة الإخوة العرب إلى الربوع اللبنانية التي تفتقدهم منذ فترة من الزمن، وهم يعلمون أنهم موضع ترحيب وتقدير ومودة بين أهلهم وإخوتهم على الدوام.
وعلى الرغم مما تسمح به الأنظمة اللبنانية من حرية رأي، ضمن ضوابط القانون، فإن الثابت والأكيد ان سياسة الدولة اللبنانية، المتمثلة برئيسها هنا، حريصة كل الحرص على المحافظة على افضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة وأسماها، على قاعدة الأخوة والتضامن، ورفض اي تدخل في شؤونها الداخلية".

وأضاف: "من جهة ثانية، باتت مشكلة النازحين السوريين تشكل عبئا اضافيا ضاغطا على الاوضاع العامة في البلاد، وقد ارتفع عددهم إلى ما يوازي ربع سكان لبنان. وإذا ما كانت الدولة اللبنانية قد قررت عدم إقفال حدودها أمام هؤلاء النازحين وعدم إعادتهم قسرا إلى بلادهم، وكذلك تقديم الخدمات الأساسية الممكنة لهم، فإن متابعة الأوضاع على أرض الواقع تشير إلى إمكان نشوء مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية جدية، جراء تنامي أعداد اللاجئين إلى حدود تفوق الطاقة القصوى للاستيعاب. وهذا يستوجب بحثا جديا في سبل حل هذه المشكلة المتفاقمة في بلد يقوم على رقعة جغرافية محدودة المساحة والموارد والإمكانات، وعلى توازنات دقيقة، في وقت نسعى التزام أصول الممارسة الديموقراطية والعودة الى منطق الحوار وتلافي المخاطر الناتجة من تصاعد وتيرة التشنج الفئوي.

لذلك، وتلافيا لنشوء مشكلات بالغة الخطورة جراء استمرار تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان، من شأنها أن تؤثر سلبا على الأمن والسلم الداخلي والإقليمي، أناشد بصورة ملحة الإخوة العرب والمجتمع الدولي في مناسبة انعقاد هذه القمة، النظر في إمكان الدعوة الى مؤتمر دولي خاص بموضوع اللاجئين السوريين، لا يكتفي فقط بالدعوة الى التزام التعهدات المالية التي سبق أن أعلن عنها في المؤتمر الدولي الخاص الذي قامت دولة الكويت مشكورة باحتضانه، بل يباشر البحث في طرق تقاسم الأعباء والأعداد، من منطلق المسؤولية المشتركة. كما اننا نقترح تشكيل لجنة عربية خاصة تتولى الاشراف على ملف النازحين بالتنسيق مع حكومات الدول المضيفة وتتابع مستجداته وتعالج تداعياته".

وتابع: "السيد الرئيس، في وقت نسعى الى إعلاء شأن الاصلاح والديموقراطية والحرية في العالم العربي كيف يجوز لنا ان نسمح بان تقوم اعمال خطف مواطنين عرب من قبل مواطنين عرب آخرين كما هي حال اللبنانيين المخطوفين على الارض السورية وتحديدا اولئك المحتجزين في اعزاز والذين خطفوا منذ اكثر من تسعة شهور وهم عائدون من رحلة حج. في حين يستقبل لبنان مئات الآلاف من الاشقاء السوريين النازحين وهي مناسبة كي نوجه نداء ملحا الى رئيس القمة والامين العام لجامعة الدول العربية والى الدول الشقيقة والصديقة المؤثرة لبذل كل جهد عملي ممكن لانهاء هذه المعاناة الانسانية وتحرير هؤلاء اللبنانيين المختطفين في أقرب وقت".

وأوضح أنه "يتحكم بمستقبلنا كمجموعة قومية، في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ العالم العربي، مدى نجاحنا في تحديد مواقف ورؤى واضحة من تحديات مشتركة باتت تطرح علينا في مجالات محورية عديدة، منها:

أولا: حسم موضوع اختيار الأنظمة السياسية التي نريد. ففي وقت تبدو شعوبنا تواقة الى الديموقراطية، ورافضة اي شكل من أشكال الدكتاتورية والاستبداد، وتحاذر مخاطر الشرذمة والتقسيم، فإنه يبقى لزاما علينا توضيح مضامين هذه الديموقراطية في دساتير تعكس الرأي الغالب للشعب في جميع مكوناته، وتضمن الحريات الأساسية، وتسمح بالمساءلة والمحاسبة والتداول الدوري والسلمي للسلطة.

ويهمني هنا، في هذه المرحلة التأسيسية التي تتلمس في خلالها شعوبنا ودولنا خياراتها السياسية الفضلى، أن أؤكد أهمية إشراك جميع المكونات الحضارية والثقافية لمجتمعاتنا في الحياة السياسية لدولنا وفي إدارة الشأن العام بصورة متكافئة وعادلة، خصوصا وقد كانت لهذه المجموعات المكونة للذات العربية، ومن بينها المكون المسيحي، كما أشرت إلى ذلك في كلمتي أمام القمة العام المنصرم، مساهمات جوهرية في بلورة الفكر القومي وتحقيق النهضة العربية وفي الدفاع المستمر عن قضية فلسطين وقضايا العرب المحقة في مجالات الفكر والفن والأدب والديبلوماسية، كما في ساحات المواجهة والنضال.

ثانيا: إعداد تصور متكامل حول كيفية مواجهة التحدي الإسرائيلي واسترجاع الحقوق العربية.
لم تفض جهود العقود الماضية في الواقع إلى أي حل فعلي لقضية الشرق الأوسط ولقضية فلسطين، بالرغم من أن المجتمع الدولي تمكن من صوغ المبادئ والأسس التي لا بد من أن يبنى عليها مثل هذا الحل. كما أن الدول العربية لم تتمكن من فرض تطبيق المبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت بالإجماع منذ أكثر من عقد من الزمن، وما زال العدو الإسرائيلي يتمادى في احتلاله وتعنته ورفضه لحق العودة، وسعيه لتهويد الأماكن المقدسة وإقامة المزيد من المستوطنات غير الشرعية، إضافة الى انتهاكاته اليومية المدانة للأجواء وللسيادة اللبنانية.

لذا، وفي موازاة السعي الدائم والواجب لتجميع عناصر القوة ومجمل القدرات القومية الكفيلة برفع هذا التحدي، فإنه لا يسعنا إلا أن نستمر بالدفع باتجاه بلورة إرادة سياسية دولية جادة، تعمل على فرض حل عادل وشامل لجميع أوجه الصراع العربي الإسرائيلي ضمن مهل زمنية محددة، على قاعدة قرارات الشرعية الدولية ومرجعية مؤتمر مدريد والمبادرة العربية للسلام، وعلى الانتقال من مرحلة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، الى مرحلة قيام هذه الدولة بصورة فعلية وناجزة.

ثالثا: صوغ سياسة خاصة بالشأن الاقليمي تسمح بالمحافظة على السيادة والمصالح والحقوق، استنادا الى شرعة الامم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
وبالنسبة الى مجمل هذه التحديات فإني على يقين بأننا إذا ما أخلصنا وعقدنا العزم على توحيد صفوفنا، وإعلاء شأن مجتمعاتنا على قاعدة العلم والمعرفة والديموقراطية الصحيحة الضامنة للحقوق والحريات، وعملنا على التوفيق بين مستلزمات الحداثة وواجب التمسك بالقيم الملازمة للهوية، أمكننا إعادة بلورة مشروع عربي جامع وتوفير مقومات تحقيقه، وتعزيز مكانتنا بين الأمم، والمساهمة بصورة أفعل وأبهى في حركة تقدم الشعوب. اضافة الى اهمية الاضطلاع بدور رائد على الصعيد الدولي لتعزيز حوار الحضارات والثقافات والديانات".

وختم: "على هذا العهد، أشكركم سمو الأمير على استضافتكم لهذه القمة وعلى حسن الوفادة والتنظيم، مقدرين لكم كريم رعايتكم للجالية اللبنانية في قطر، والدور المحوري الذي اضطلعتم به لمساعدة لبنان إثر عدوان تموز 2006 ولإخراجه من أزمته عام 2008، آملين في التمكن من المضي قدما، بدعمكم، ودعم القادة العرب، في الجهد الهادف لتجنيب لبنان مخاطر العنف، وتحييده بصورة فعلية وكاملة عن الأزمات الإقليمية التي تتهدد استقراره وروح الوفاق التي بنى عليها جوهر كيانه، وتعزيز مستلزمات نموه وتقدمه وازدهاره".
 

  • شارك الخبر