hit counter script
شريط الأحداث

- جان كلود غصن

كفى استخفافاً بعقولنا!

الأربعاء ١٥ آذار ٢٠١٣ - 06:30

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

في غمرة النقل المباشر لاحتفال 14 آذار يوم الاحد الفائت، راودتني مجموعة أسئلة وعلامات استفهام، بدأت بتسجيلها لأشاطركم إيّاها.
عدت، بدايةً، بذاكرتي الى سنين مضت في مقابلة لرئيس الحكومة السابق رفيق الحريري كان يسرد فيها قصّة نجاحه. نجاح لم يستطع أن يصل اليه كثيرون ممّن عاصروه وممّن ذهبوا قبله وبعده الى المملكة العربيّة السعوديّة حتى أبناء بلدته صيدا. هنا كان السؤال الوحيد الذي يجول في فكري: كيف يمكن لشخص أن يكون محظوظاً لهذه الدرجة، ليتمّ اختياره من بين المئات لا بل الآلاف من اللبنانيين الذي سبقوه والذين ذهبوا من بعده ليكون من ذوي الحظوة في البلاط الملكي؟ سؤالٌ لم الق، حتى يومنا هذا، جواباً له.

ثم انتقلت بالذاكرة الى كيفيّة وصوله الى رئاسة الحكومة في صفقة التسوية الاميركيّة السعوديّة السوريّة، هو صاحب صفقات بواخر الاسلحة التي كانت تفرغ نصف حمولتها لدى سمير جعجع والنصف الآخر لدى ميشال عون، هذا من دون ذكر دعمه اللامتناهي للافرقاء المتنازعين كافة في الحرب اللبنانية. أتت رئاسة حكومة متأخرةً عشر سنوات، حيث كان مفترض لهذه التسوية أن تنضج لدى وصول بشير الجميل لرئاسة الجمهوريّة. كان رفيق الحريري في حينها يبتاع الاراضي في الجنوب ويعدّ لبناء مجمّعات لا زال بعضها قائماً حتى يومنا هذا من دون استكمال (مجمع في كفرفالوس) تمهيداً لصلحٍ لم يستكمل.

يقول البعض، في معرض الدفاع عن رفيق الحريري وأعماله الخيّرة، إنّه ساهم في تعليم الآلاف من الشبّان اللبنانيّين. لا يمكنني، للوهلة الاولى، إلا أن أنحني أمام هذه الاعمال المجلّة، ولكن، بعد التدقيق في بعض التفاصيل، ترتسم في رأسي علامات استفهام من مثل: متى بدأ رفيق الحريري بإرسال الشباب للتعلّم في الخارج؟ أيضاً وأيضاً، هل فكر أحدنا لماذا ومتى توقف عن إرسال هؤلاء الشباب؟ بسرعة، وبمقارنة بسيطة للتواريخ، يتّضح لنا أنّه في خضمّ الصراع السوفياتي- الاميركي حينها أو ما عرف بالحرب الباردة، وإزاء إرسال الاف الشبان للتعلم مجاناً من دون مقابل أو عقود من قبل الحركات اليساريّة في البلاد مدعومة ومموّلة من الاتحاد السوفياتي وفي ظلّ توجّه فئات كبيرة من الشباب في خياراتها السياسيّة باتجاه اليسار كان لا بدّ للولايات المتحدة من أن تخلق وكما العادة من دون المساس بمالها أو مقدراتها بديلاً لهذا الشباب بتمويل سعودي فكانت مؤسسة رفيق الحريري. أجاد رفيق الحريري تأدية الدور المطلوب منه في مؤسسته وبتفوّق، حيث أنّ جميع الشباب الذين استفادوا من هذه المؤسّسة ارتبطوا بموجب عقود موقعة مسبقاً وامتدّت لسنوات عدّة ممّا أتاح امكانيّة فرض توازن مع الدولة السوفياتيّة طال لسنوات، حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وها هو بعد اطمئنانه لانتهاء الدور السوفياتي وتفرّد الاميركي في القرار العالمي يتوقف عن تأدية هذا الدور.

انتقلت بعدها الى مرحلة وصوله الى رئاسة الحكومة في العام 1992، فاستذكرت كيفيّة سقوط أحد المرشحين عن دائرة كسروان لدورتين متتاليتين وهو المقرّب من البطريرك الماروني آنذاك، وكيف اقفلت المحطة التلفزيونيّة الخاصّة به كما المصرف الذي امتلكه، بسبب عناده وعدم موافقته على بيع أرضٍ امتلكها في الناقورة على الحدود مع فلسطين. أرضٌ أراد رئيس الحكومة حينها امتلاكها مهما كلّفه الامر فحاول تارة بالترغيب وطوراً بالترهيب، أسلوب أجاد استعماله لمرات عدّة للوصول الى أهدافه من مثل امتلاكه لشركة "سوليدير" مع آخرين (شركة ميريلنش اليهوديّة رأس المال) للسيطرة على وسط بيروت في أكبر عمليّة سطو مقوننة في العصر الحديث على ممتلكات الناس.

أعزائي، في خضمّ هذه التساؤلات، لم أستطع أن أنسى مدى التشابه بين رفيق الحريري وبين أشخاص كثر على مرّ التاريخ كانوا رجالاً لمخابرات العالم، من لورنس العرب الى يوسف بيدس ونورييغا وصولاً الى روجيه تمرز. رجال إما وضعوا جانباً بعد انتهاء أدوارهم (يوسف بيدس)، وإما اعتقلوا أو حوكموا (نورييغا) وإما اغتيلوا.

فيا أيّها الساسة، كفى استخفافاً بعقولنا، وكفّوا عن نخر أدمغتنا بطلبكم لحقيقة تعرفونها جيّداً، لكنّكم تتعمّدون إغفالها لغاية في نفس يعقوب.

صحيح أنّنا شعب ينسى ويسامح ولكن لا تستخفوا بعقولنا بعد اليوم... ولا تظنّن أنّ الليث يبتسم.


 

  • شارك الخبر