hit counter script

من هو فرنسيس الأسيزي في تاريخ الكنيسة؟

الخميس ١٥ آذار ٢٠١٣ - 08:00

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

اختار الحبر الأعظم الجديد اسم فرنسيس الأوّل، وذلك تيمّناً بالقديس فرنسيس الأسيزي الذي يعتبر من أعظم القادة الدينيين في عالم المعرفة الروحية. عاش القديس طوال حياته الرهبانية فقيراً يمضي أيّامه في خدمة المرضى والمحتاجين، وقد تمكّن بقوّة المحبة من بناء واحدة من أعظم الرهبانيات في العالم.

ولد Giovanni Francesco في مدينة أسيزي الايطالية عام 1181 لأب ايطالي وأمّ فرنسية. وكان والده من كبار تجّار الأقمشة الأثرياء في أسيزي. في بداية شبابه كان فرنسيس يعيش حياةً دنيوية ملؤها البذخ والترف والدلال، وقد نال قسطه من التعليم، بحيث درس اللاتينية والفرنسية. كان شغل والده الشاغل أن يَخلفه ابنه فرنسيس في تجارته. أمّا والدته التقيّة فكانت تزرع في نفسه بذور التقوى والورع ومحبة المسيح والكنيسة والقريب، وخصوصاً الفقراء والمعوزين. وفي عام 1206 تغيّرت حياة فرنسيس، فأخذ يُشغل نفسه بأعمال الرحمة نحو الفقراء والبرص. ولم يكن والده راضياً عن إنفاق فرنسيس لأمواله صدقة على المرضى والفقراء، فثار على ابنه طالباً من أسقف أسيزي أن يقف حَكَماً بينهما. وهناك، وفي ساحة أسيزي، خلع فرنسيس ثيابه، وأعطاها الى والده مُعلناً فضيلة الفقر والتقشّف، وتخَلّيه عن حقوقه البنوية، وتكريسه حياته للآب السماوي، وكان ذلك عام 1207. وهكذا ارتدى فرنسيس رداء النسّاك والفلاحين الخشن، وكرّس وقته في خدمة الفقراء والبرص.

في عام 1209، وخلال اشتراكه بالقداس الإلهي، أصغى إلى انجيل متى (10 : 5 ـ 14)، وفي‏ ‏‏أثناء‏ ‏تأمّله‏ ‏في‏ ‏نصّ‏ الإنجيل‏ ‏الطاهر، شعر فرنسيس بأنّه وجد ضالّته المنشودة، فهتف بفرح: "هذا ما كنتُ أريد، هذا ما كنتُ أبتغي من كلّ قلبي".

تأسيس الرهبنة الفرنسيسكانيّة الأولى

وبدأ القديس التبشير بالإنجيل متجوّلاً في أسيزي، وتبعه عدد من الشبَّان الذين تأثَّروا بنمط حياته، فاقتدوا وتمثَّلوا به تاركين كلّ شيء من أجل اتّباع المسيح والعيش بحسب تعاليمه. وبمشيئة العناية الإلهية كان عدد تلاميذ القديس فرنسيس في البداية 12 تلميذاً، وهو نفس عدد تلاميذ المسيح. وهكذا تأسست الرهبنة الفرنسيسكانية الأولى، أو الرهبان الأصاغر عام 1208. وفي عام 1210 وافق الحبر الأعظم أنوشينسيوس الثالث على طلبهم بإنشاء رهبنة وثبَّتها.

عاش الرهبان حياة الانجيل بحذافيرها، وبدأ عددهم يزداد بشكل كبير ومُلفت للنظر. لذلك، وضع القديس فرنسيس قانوناً كي ينظم الحياة الجماعية للرهبان.

قساوة مع نفسه ورقّة مع الإخوة

دأب الأخوة الأوائل، وكذلك الذين أتوا بعدهم، ولفترة طويلة، على قهر أجسادهم، ليس فقط بحرمانها من الأكل والشرب أكثر من اللزوم، بل حرموا أنفسهم من النوم، ولم يتّقوا قساوة البرد والأشغال اليدوية الشاقة. لبسوا تحت ثيابهم مباشرة ما تيسّر لهم من الجلود وأطواق الحديد، وأقسى ما وصل إلى أيديهم من مسوح. لكن الأب القديس، إذ اعتبر أنّه في مثل تلك الأوضاع القاسية ستلحق بالأخوة الأمراض لا محالة، فإنّه خلال انعقاد أحد المجامع مَنعهم أن يلبسوا على أجسادهم إلّا الثوب الرهباني وحده. وتصرّف معهم بفطنة مبيّناً لهم أن عليهم في ما يختص بالمأكل وبغيره من الحاجيات، أن يلتزموا حدود الفقر والاتّزان. بعكس ذلك، كلّما كان الأمر متعلقاً بشخصه، فإنّه عاملَ جسده بقساوة زائدة على رغم أنه كان منذ صباه نحيلاً وضعيف البنية. لقد بدأ بفِعل ذلك منذ بداية ارتداده وقبل أن يأتي الأخوة إليه، وتابع ما بدأه مدى حياته كلها من دون انقطاع. ولمّا كان لا يزال في العالم، لم يكن بإمكانه العيش إلّا محاطاً بشتّى أنواع الرفاهية. لاحظ مرة كيف أنّ الأخوة بدأوا يتخطَّون حدود الفقر والاتّزان في المأكل وفي غيره من الحاجيات، فقال لبعضهم وهو يقصد من وراء ذلك مخاطبة جميع الإخوة: "ألا يعتقد الأخوة بأنّ جسدي بحاجة إلى طعام مميّز؟ على رغم ذلك، بما أنّه عليّ أن أكون قدوة ومثالاً للأخوة جميعاً، فإني أريد الاكتفاء بطعام فقير وبثياب خشنة. وأنا فرِحٌ بذلك".

في مدحه للتسوّل

لمّا بدأ الإخوة يأتون إلى فرنسيس، كان مغتبطاً جداً من ارتدادهم ومن مرافقة أولئك الذين أهداهم إليه الرب. كان يحيطهم بمحبة فائقة وبتقدير رفيع، حتى إنّه لم يكن يقترح عليهم أن يذهبوا ويستعطوا خشية أن يخجلوا من ذلك، حسب ظنّه، تجنباً لإحراجهم. كان يذهب وحده كل يوم لطلب الصدقة، ما سبَّب له إرهاقاً جسيماً. وبما أنّه اعتبر أنّه لم يعد قادراً على حَمل مثل تلك المشقة، وأنّ التسوّل هو من أساسات دعوة الأخوة، حتى ولَو شعروا بالنفور من الاستعطاء ولم يعتادوا عليه مطلقاً، بل انّه لن يخطر ببالهم أن يبادروه بالقول: "نريد نحن الذهاب لطلب الصدقة"، قال لهم: "أخوتي الأعزّاء وأبنائي، لا تخجلوا من الذهاب لطلب الصدقة، فإنّ الرب صار فقيراً لأجلنا في هذا العالم. ونحن اقتداءً به وبأمه القدّيسة قد اخترنا طريق الفقر الحقيقي. إنّه ميراثنا الذي اكتسبه الرب يسوع المسيح تركه لنا ولكلّ الذين يريدون أن يعيشوا مثله في الفقر المقدس". وأضاف: "الحق أقول لكم، إنّ عدداً كبيراً من النبلاء العلماء في هذا العالم سيأتون إلى جماعتنا الأخويّة ويعتبرون شرفاً كبيراً بأن يذهبوا لطلب الصدقة مع بركة الرب. عليكم إذاً أن تذهبوا من دون حياء بشَريّ، وأن يملأ قلبكم فرح يفوق فرح من يستبدل قرشاً واحداً بمئة دينار. فمَن يتصدق عليكم، تهدونه حُب الله بَدل صَدقته لَمّا تقولون: "حُباً بالرب الإله، أعطونا حسنة"، فإنّ السماء والأرض دون قيمة مقابل حب الله".

لا تقلقوا بشأن الغد

في تلك الفقرة، لمّا كان فرنسيس يعيش مع الفوج الأوّل من الأخوة، كانت روحه صافية بشكل يثير الإعجاب. فإنّه من يوم أوحى إليه الرب أن يعيش هو وأخوته حسب الإنجيل المقدس، قرّر واجتهد أن يطبقه حرفياً طيلة أيام حياته. مثالنا على ذلك، لمّا كان الأخ المكلّف بالمطبخ يريد أن يسكب البقول للأخوة، كان يمنعه من نَقعها في الماء الساخنة من العشية حتى الغد، كما هو مألوف، وذلك امتثالاً لوصية الإنجيل: "لا تهتموا بشأن الغد"، وهكذا كان ذلك الأخ ينتظر نهاية تلاوة صلاة الليل لينقع خضاره في الطشط. وظلّ أخوة كثيرون يتقيّدون بتلك النفسيّة لمدة طويلة في أماكن تواجدهم، وخصوصاً في المدن. ولم يكونوا يطلبون أو يقبلون من الحسنات إلّا الكمية اللازمة ليومهم.

نهاية رسالته

وفي عام 1220 عاد فرنسيس الأسيزي من رحلته التي قام بها إلى الشرق، لكنه وجد المسؤولين عن الكنيسة الذين أوكِل إليهم أمر الأشراف على الأخوة قد ابتعدوا بالنظام عن ثوابته الأصلية، وبدأوا يمتلكون بعض المقتنيات. كما أحَسّ أنه لم يعد في مقدوره الاستمرار في الإشراف على هذا النظام، وربما يكون قد اقتنع كذلك بأنّ الرهبان لا يستطيعون أن يدبّروا أمر أنفسهم بأنفسهم، خصوصاً انّ أعدادهم كانت قد زادت بنسبة كبيرة، فطلب من البابا أن يتولّى الإشراف على النظام الفرنسيسكاني كله، واستعفي هو من إرادته. ومات القديس الفقير دنيوياً والغني في الفردوس وهو في الخامسة والأربعين من عمره، بعد أن حاز شهرة كبيرة.
"الجمهورية"
 

  • شارك الخبر