hit counter script
شريط الأحداث

- جهاد الملاح

جهاد... على جواز السفر

الإثنين ١٥ شباط ٢٠١٣ - 08:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تعجّب وحرّك رأسه مبتسماً ومتفاجئاً حين أخبرته عن اسمي، في ذلك العشاء على مشارف واشنطن. لكنني لم أهتمّ كثيراً، فأنا أعرف أن طيبة الأميركيين، كشعب، قد تجعلهم يبتسمون ويهتمون لكلامك ويتفاعلون معه بتعجّب، بمجرد أن تقول إن الشمس تشرق في النهار.
إلا أنه سألني مجدداً: اسمك "الجهاد"؟ فشرحت له أنه لا يوجد في اسمي ما يوازي "أل التعريف"، فأنا لست شيئاً مادياً أو مفهوماً لغوياً أو شخصية معنوية، أنا شخصية حقيقية وهذا اسم علم. أراد الخوض أكثر في الموضوع، إذ ربما تفاجأ كيف أنني لا أبدو "متشدداً" وأتحدث مع الجميع، وبينهم نساء، برحابة. فدار بيننا حديث شيّق.
قبل فترة قليلة من ذلك الحديث، كنت في مطار شارل ديغول، أمرّ عبر التفتيش الروتيني، من دون أي مشاكل، وأخضع للأسئلة المعتادة لمعظم من يعبر بين القارة العجوز وبلاد العم سام. وكنت أردّ بكل إيجابية على المفتشة التي كانت تحفظ في رأسها لائحة ربما تسمى "سين جيم عبر الأطلسي"، لتسأل: إلى أين؟ وما عدد الحقائب؟ وهل ساعدك أحد في توضيبها؟ ومتى كانت آخر مرة فتحتها؟ وهل غابت عن عينيك لفترة ما؟ وهل أرسلت أي حقيبة للتصليح؟
فعلى الرغم من كثرة هذه الأسئلة، كنت أتفهّمها جداً، ولم أشعر أبداً أن الموظفة الأمنية تأثرت بالاسم الأول على الجواز، والمكتوب بنفس الطريقة التي تتضمّنها الكتب والأبحاث والمقالات والتصريحات الأجنبية التي تتناول الــJihad"".
وكذلك كان الأمر عندما وصلت في تلك الرحلة، إلى واشنطن، إذ لم يحصل أي شيء غير اعتيادي في المطار، بل أن المدقق تعامل معي بلطف واحترام، فلا بد أنه مدرّب وعلى دراية، ولا يسقط في اسم علم. وربما سبق وأن مرّ عليه أشخاص يحملون اسمي من دون أيّ نيّة مبيّتة، وقد يكون أحدهم أخبره أن هذا الاسم ليس بالضرورة إشارة دينية إسلامية، إذ يتقاسمه المسلمون والمسيحيون، وأنه يقال إن المسيحيين الموارنة، على سبيل المثال، استخدموه منذ قرون، عندما لجأوا إلى الجبال الوعرة في لبنان، هرباً من الاضطهاد، وأخذوا يكافحون انطلاقاً منها.
تلك المعاملة الجيدة كانت تتكرّر في مختلف المطارات داخل الولايات المتحدة وخارجها. ومع ذلك، لم أكن أقتنع أن حمل اسم جهاد وكتابته "Jihad"، أمر عادي في بلاد الغرب، وكنت أحاول دائماً تجنّب الدخول في نقاش حول هذا الاسم، على الرغم من أنني أحبه. حتى أنني عندما كنت مرة في البيت الأبيض، في لقاء إعلامي مع المتحدث باسمه الراحل توني سنو، اعتقدت أنه سيسألني عن "سبب" اسمي، فعاجلته بالقول ممازحاً: "اسمك باللغة العربية يسبّب مشاكل، ففي نفس الصحيفة، هناك من يكتبه بالتاء ومن يكتبه بالطاء. وتصريحاتك كثيرة ولا بد من تغطيتها، فحاول معالجة مسألة الاسم".
في مناسبة أخرى، وبينما كنت أستعد للتحدث في أحد نوادي جامعة هارفارد، وجدت نفسي فجأة "مرتاحاً"، فقط لأنني علمت أن معظم الطلاب الموجودين في القاعة هم عرب أو من أصول عربية، وبالتالي لا حاجة لشرح معنى اسمي وخلفياته.
وفي يوم ما، التقيت شخصاً أميركياً يعمل في قضايا المجتمع المدني، فلم أكد أقول له اسمي، حتى رحّب بي، وكأنه عاش طوال عمره في أحد شوارع بيروت. هنا، شعرت أنني من يجب أن يفتح موضوع الاسم، فترحيبه التلقائي والزائد أثار حشريتي. أخبرني عندها أنه كان يعرف فتاة عربية اسمها جهاد، ولا يدري عنها شيئاً الآن ويتمنى لو يعرف أخبارها. ففهمت أنه قد أصابه الحنين المفاجئ. وقلت له مبتسماً: "للأسف، لا أعرفها". فأجابني: "بالطبع، لا أعني أنك يجب أن تعرفها. وعلىى كل حال، أعرف أن اسمك مألوف جداً في الدول العربية".
بدأت حينها أقتنع أن اسم العلم جهاد لا يواجه شكوكاً واتهامات مسبقة في الولايات المتحدة والغرب، إلا عند الشخص الأقل اطلاعاً أو الذي يختزل الاسم بعنوان كتاب قرأه في إحدى المكتبات أو بشريط أخبار مرّت عليه قصة "Jihad Jane"، بينما المثقف والمطلع لا يتوقف عند ذلك الاسم، وحتى إن سمع من يحمله يدافع بكل شغف عن فلسطين وجنوب لبنان، ويؤيد المقاومة ويرفض الانحياز الأميركي لإسرائيل.
فجدلية كلمة "جهاد" تختصر الفرق بين ثقافتين، الأولى تفهم المعنى اللغوي الأساسي لهذه الكلمة، كما ترى اسم العلم جهاد اسماً مألوفاً جداً، بينما الثانية تعتقد أن العائلة التي تختار لابنها اسم جهاد، تعيش أفكاراً متطرفة، وأن مهمة الابن المسمى جهاد هي أن يفجّر نفسه في دولة غربية، وهو أمر لم تستطع تلك الطبيبة الألمانية أن تفهم غيره، عندما رفضت استقبال فتى جاء ليصلح أسنانه وصادف ان اسمه جهاد، إذ قالت أن حمل هذا الاسم هو بمثابة "إعلان حرب على كل من هو ليس إسلامياً متطرفاً".
وإذا كانت هذه الجدلية هي جزء صغير جداً من الصراع الدائر بشأن الإسلام، فقد ظهرت في الفترة الأخيرة مجموعة من الأميركيين تعي مشكلة القصور الثقافي الذي يجعل بعض الناس يطلق الأحكام المسبقة تجاه المسلمين، واختارت أن تنطلق من كلمة "جهاد" لتحاول تصويب النظرة إلى مفهوم الجهاد، وبالتالي إلى الإسلام.
فقد بدأت هذه المجموعة نشر الحملات الدعائية في المدن الأميركية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تحت اسم "MyJihad"، في محاولة لمواجهة الإسلاموفوبيا والإسلاميين المتطرفين على حد سواء، وذلك من خلال شرح المعنى اللغوي لكلمة "جهاد"، باعتباره مفهوماً يمثل الكفاح من أجل تحقيق التطلعات والأهداف والأحلام. ووضعت على رأس صفحتها الرسمية الحديث الشريف القائل: "أفضل الجهاد كلمة عدل أمام سلطان جائر".
وتسابق آلاف من الأميركيين للمشاركة في هذه الحملة التوعوية الرافضة لتشويه الإسلام الحقيقي. وكلّ بدأ يعلن عن "جهاده" الخاص، فهذا اختار أن يكون جهاده من أجل تعليم أولاده، وهذه أرادت أن يكون جهادها من أجل النجاح في مهنة التصوير، بينما أعلن كثيرون بحماسة وشغف، من المسلمين وغير المسلمين، أن لديهم جهاداً خاصاً، هو العمل من أجل نشر الحب والمحبة والحوار بين الشعوب والحضارات.
وكنت قد شرحت هذا المفهوم لذلك الضيف في العشاء الأميركي ودخلنا في حوار حول فلسفة الكفاح من المنظور الديني والاجتماعي وما يفرضه التدرّج التلقائي في مراتب الطموح من صبر وجهاد، لكنّ الحديث انتهى بقولي ممازحاً: "على كل حال، أعرف أنّ فتيات جميلات يعشقن هذا الاسم"، فأجابني: "لماذا لم تقل ذلك في أول الحديث؟!". 

  • شارك الخبر