hit counter script
شريط الأحداث

- جهاد الملاح

فلتَحيا مواعيدكم الدستورية!

الجمعة ١٥ كانون الثاني ٢٠١٣ - 07:50

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

وسط الجدل المتواصل بشأن قانون الانتخاب اللبناني والضجيج الذي تثيره التناقضات بين الأطراف السياسية التي تتمايز في الأهداف والتطلعات، يكاد الجميع يلتقي على شعار واحد، فيتسابق إليه، قناعة أو مزايدة، وهو "الالتزام بالمواعيد الدستورية" للاستحقاق الانتخابي. لكن انتشار الحديث عن ضرورة الالتزام بالمواعيد الدستورية يطرح سؤالاً جدياً حول معنى هذه الظاهرة في القاموس السياسي اللبناني. فهل هي تعكس حرصاً على الالتزام بما ينصّ عليه الدستور؟
إذا كان الأمر كذلك، فماذا أولاً عما تنصّ عليه مقدمة الدستور بأن لبنان وطن سيد حرّ مستقل؟ أليس قبول السياسيين برهن البلد وقراراته وشعبه لدولة هنا ودولة هناك، ضرباً لهذا النص الدستوري، وبالتالي ضرباً للدستور؟
ثم إن الدستور اللبناني يقول إن لبنان ملتزم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهل قرأ السياسيون اللبنانيون هذا الإعلان ليعرفوا مدى التزامهم بالدستور؟ وماذا عن المعاهدات الدولية الأخرى التي وقّع عليها لبنان، والمتعلقة بحقوق الإنسان والحقوق المدنية والسياسية، والتي تفرض قواعد قانونية إلزامية تسمو على الأحكام الدستورية، وقد التزم بها الدستور عبر نصّه على الالتزام بمواثيق الأمم المتحدة؟
فماذا عن الحكم الرشيد وعن الحق في الحياة الكريمة وفي التعليم، وعن مكافحة الفقر والفساد؟ وماذا عن حقوق المرأة والطفل وعن الضمان الصحي وضمان الشيخوخة؟ هل سمع ساسة لبنان عن مواثيق دولية كثيرة مفروضة على الدستور ومن خلاله، منها "الحق في التنمية والتقدم والإنماء في الميدان الاجتماعي" و"النهوض بالعمالة والحماية من البطالة" و"استئصال الجوع وسوء التغذية" و"دعم القدرة الوطنية على تقديم المساعدة في الشؤون الإنسانية والإنمائية وحماية المستضعفين"؟
وهل يعرفون واجب "حماية الفرد في حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية"، وضرورة "إقامة العدل" وضمان "حقوق الأشخاص الخاضعين للاحتجاز أو السجن" و"حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"؟
وبالعودة إلى نصّ الدستور اللبناني، فإنه يفرض "العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل"، ويؤكد أن "لكل لبناني الحق في تولي الوظائف العامة لا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينص عليها القانون"؟ فما رأي السياسيين اللبنانيين بهذا الأمر؟
كما ينصّ هذا الدستور على أن "الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية"، فلماذا الشعب اللبناني مغبون ويعيش ديمقراطية بتراء، حيث لا يعمل السياسيون من أجل مصالحه ورفاهيته؟ ولماذا العقد الاجتماعي في لبنان غير سويّ؟ وماذا عن الفساد وسرقة أموال الشعب وغياب المساءلة والمحاسبة؟
وماذا عن النصّ الدستوري الذي يقول إن "إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية"؟ فهل بالاستقطاب الطائفي واقتراح قوانين تعمّق التقسيم المذهبي، وبنشر الثقافة الطائفية المشجعة على فرز أبناء الشعب، والمناوئة للدين والإنسان، يُحترم هذا النصّ؟
يتحدثون عن الالتزام بالمواعيد الدستورية حفاظاً على الدستور. لكن هذا الدستور ينصّ أيضاً على أن "الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام"، فلماذا ضربت الحكومات المتعاقبة هذا النص وخانته أكبر خيانة؟
ويقول الدستور اللبناني إن "لمجلس النواب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم". فلماذا لا يلتزم ساسة لبنان بذلك؟ أليس لديهم حالات كثيرة تُطبق عليها هذه المادة؟
هذا بعض من الأحكام التي يتضمنها الدستور اللبناني، أو تعلنها المعاهدات والمواثيق الدولية المفروضة عليه ومن خلاله. وبالتالي، لا يحق لأحد أن يطلق شعار التمسك بموعد انتخابي لأن الدستور ينصّ عليه، بينما ينسف تلك الأحكام الأساسية لهذا الدستور.
وإذا كان إعطاء بعض الوقت الإضافي سيؤمّن التوصل إلى قانون انتخاب عادل وسليم يمكن أن ينتج نواباً يخدمون الشعب اللبناني، فإن ذلك سيكون أكثر إفادة لمبادئ الديمقراطية والعدل والإنصاف ولحقوق الإنسان، من التمسك بموعد دستوري. بل سيكون الدستور، القائم في الأصل على مبادئ النظام الديمقراطي وروح العدل والعدالة والإنصاف، شاكراً جداً.
وعلى كل حال، لكم كل الحق في الحديث عن الالتزام بمواعيد للانتخابات، لكن أبعدوا "الدستور" عن ألسنتكم، فليس أنتم، الذين لا تلتزمون إلا أهواءكم وأعرافكم الخاصة، من يجب أن يتحدث عنه.
 

  • شارك الخبر