hit counter script

- جهاد الملاح

قانون يُشرّع... خيانة الوطن

الجمعة ١٥ كانون الثاني ٢٠١٣ - 07:20

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ما إن تمّ الإعلان عن اقتراح مشروع قانون للانتخاب قائم على انتخاب كل مذهب ديني لنوابه في البرلمان اللبناني، حتى سالت النكات والتحليلات الساخرة، من المواطنين العاديين ومن كثير من السياسيين على حد سواء. لكن فجأة، أصبح هذا المشروع تحت قبة مجلس النواب، في بيت الشعب، يناقَش بجدية ويلقى من يدافع عنه حتى الموت.
ففي وقت يحتاج الشعب اللبناني، الذي أدماه صراع الطوائف، إلى تعزيز العيش المشترك، بما يُنتج مواطَنة حقيقية وتقدم وازدهار، تسلّل مشروع "اللقاء الأرثوذكسي" إلى أروقة القوى السياسية، لتتعامل معه، في أكثريتها، فقط استناداً إلى حسابات الربح والخسارة في عدد المقاعد. وإذا كان بعض المسؤولين يرفضونه لمخالفته الدستور، فإن هذا السبب يجب أن يكون في أسفل قائمة أسباب الرفض، لأن من يريد أن يمرّر هكذا قانون، يمكن أن يمرّر تعديل الدستور اللبناني غير الجامد، ليضرب صيغة العيش المشترك ويصبح النائب ممثلاً عن الطائفة وليس عن الأمة.
وبعيداً عن أي دراسة وتعمّق ومنهجية علمية، أو قياس تاريخي وسياسي، إن التعداد السريع لبعضٍ قليل جداً من تداعيات القانون "العجيب" في حال أُقرّ، يظهر أنه سيغيّر تدريجياً طبيعة لبنان، التي لا تزال تحافظ على شيء من التماسك الوطني.
فأولاً، سيتوجّه فكر المواطن نحو انتخابات تشريعية خاصة بطائفته، ويكون الاستحقاق داخل الطائفة فقط لا غير. فلكلّ انتخاباته التي قد تُجرى في يوم مختلف عن الطائفة الأخرى. ولكل مرشح هدف واضح في مجالسه الانتخابية، في شدّ عصب الطائفة – وليس المنطقة أو الوطن - ووعدها بمشاريع خاصة بها. وإذ حضر هذه المجالس جارٌ أو عامل أو صديق، من طائفة أخرى، فيكون إما "عميلاً" أو يسرق الأفكار، أو مجرد "متفرّج". وبالتالي، تصبح الانتخابات وكأنها في عدة دول، دولة مارونية ودولة شيعية ودولة سنية ودولة درزية ودولة أرثوذكسية ودولة كاثوليكية وغيرها، ويصبح لبنان الصغير قارة لبنانية.
ثانياً، سيتحوّل مجلس النواب القائم على كتل سياسية مختلطة، إلى مجلس مقسّم إلى كتل مذهبية، مع ما يعكسه هذا الأمر من تغييرات في آليات عمل السلطة التشريعية ونقاشاتها وطريقة تفاعلها مع الأحداث، فيصير بديلاً عن مجلس الشيوخ أو مجلس رؤساء الطوائف الروحيين الذي كان يمكن أن يحفظ لبنان وصيغته الفريدة.
ثالثاً، سيمنع قانون "الكتلة البرلمانية تساوي مذهباً"، وحتى إذا أتى بصيغة النسبية، اتخاذ قرارات أو منح الثقة للحكومة إلا على صعيد تحالف بين مذهبين دينيين أو أكثر، ضد مذاهب أخرى داخل البرلمان. كما أن أي اختلاف بين نائبين من كتلتين، سيكون اختلافاً بين مذهبين. وبالتالي، قد ينتقل التحالف البرلماني المذهبي ضد مذاهب أخرى، أو الصراع بين كتلتين، إلى الشارع بسرعة البرق، فتكون البلاد على موعد دائم مع الحرب، أكثر بكثير مما هي عليه الآن.
رابعاً، يُصبح من الضروري إعادة "خانة المذهب" إلى الهوية، إذ لا معنى لغيابها إذ أُقرّ ذلك القانون الذي يكرّس تعامل الدولة مع المواطنين على أساس المذهب. وإذا كان شخص ما غير متدين، فلا يحق له الانتخاب. وإذا كان يلتزم الانتماء الديني إلى مذهبه لكنه يحلم بدولة تعامله كمواطن، فإما أن ينتخب قسراً أو فليذهب إلى الجحيم.
خامساً، يكرّس الانتخاب على أساس هكذا قانون فدرالية الطوائف بشكل فعلي ونهائي، ويفتح الطريق سريعاً نحو "المثالثة" على أقل تقدير، كما يعبّد الطريق أمام التدخل الخارجي "المشروع" لحماية كل مذهب من المذاهب الأخرى، بينما سيكون "التقسيم" إلى دويلات غير قابلة للحياة، مجرد إجراء بسيط.
هذا غيض من فيض مشروع القانون الجهنمي، الذي دخل إلى البرلمان، وتمت مناقشته من قبل ممثلي الشعب بكل ترحاب. واللافت هذه المرة، أنه من الصعب القول إن هناك تدخلاً خارجياً لمناقشة هذا القانون والسعي إلى فرضه، وبالتالي، فإن ذلك يدلّ على أن العفنة هي في الأصل من الداخل.
إن مناقشة هكذا قانون تستدعي الاعتصام والاحتجاج. أما إقراره، فيستدعي في الحد الأدنى، مقاطعة الانتخابات، من قبل كل من يؤمن بلبنان وطناً له، ويريد أن يعيش فيه بسلام، وكل من يريد أن يعود من غربته، وكل من لا يريد العيش في انتظار حرب قد تطلّ في أي صباح أو مساء، فيبقى قلقاً على أهله وأولاده وعلى الأجيال المقبلة.
أما النواب الذين يؤيدونه، فهم ليس فقط يسيئون مباشرة إلى الكيان اللبناني ويخونونه ويناقضون ما يحتاج إليه فعلياً، بل يدفعون إلى تدمير طوائفهم عاجلاً أم آجلاً، ويجعلون الأمل هو التطور نحو قانون "الستين".
ومن يقبل أن ينتخب على أساس قانون "كل مذهب ديني ينتخب نوابه"، فهو حرّ، لكن فليفتّش عن اسم آخر لوطنه الخاص، لأنه، من الناحية "التقنية"، الوطن المسمى "لبنان" قُدّر له أن يكون على كامل هذه الأرض وبكامل تلك المذاهب والطوائف.

 

  • شارك الخبر