hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - غسان سعود

التسونامي البرتقالي: مكانك راوح

الأربعاء ١٥ كانون الثاني ٢٠١٣ - 08:19

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

يتيح قانون اللقاء الأرثوذكسي، سواء أقر أو نجح تيار المستقبل في عرقلته، للتيار الوطني الحر التقدم خطوة انتخابية إلى الأمام. رغم ذلك، ليست أوضاع العونيين بخير في غياب المشروع السياسي ونية إشراك المجتمع بإدارة شؤونه، فضلاً عن انشغالهم بإضعاف بعضهم بعضاً. مثل هذه الأمور يجعل من التيار مجرد حزب سلطويّ، همه إرضاء
المزاج الانتخابي
 

أولى مشاكل العونيين التصرف بوصفهم أشرف قوة سياسية عرفتها الحياة السياسية. مشكلتهم الثانية إفراغ جعبتهم من الشعارات السياسية، حتى اضطروا إلى أن يعودوا أخيراً إلى معضلة «الغريب» الذي يسرق جرار اللبنانيين. وتحشد المشكلة الثالثة نفسها عشية الانتخابات قبالة الباب العوني: يتهيأ السيد جيلبرت زوين للحلول محل السيدة جيلبرت زوين، وحكمت ديب عسكري محل ديب المدنيّ ونعمة الله أبي نصر كريم محل أبي نصر البخيل. ولا يكاد يبدأ نقاش في صحوة الإسلاميين بين طرابلس ليبيا وطرابلس الشام، حتى تظهر مشكلة العونيين الرابعة؛ إذ تُنهي نظرية القتل الاستباقيّ النقاش: «نقتلهم قبل أن يقتلونا».
ينسى العونيون أن من أحبوهم رأوا فيهم نقيض العنجهية الكتائبية، وارتاحوا لمناداتهم بالحوار بدل مغامرات جعجع الـ«يا قاتلة يا مقتولة». ومشكلة مشاكلهم في هذا السياق، إصرارهم على التصرف كأن أمورهم بألف خير، وليس المنتقدون إلا حاسدين أو فاسدين. لكن في الواقع، بحسب الاستطلاعات التي تعدّها مؤسسة «ستاتيستكس ليبانون» لحساب التيار الوطني الحر، ليست الأمور كذلك. تبين هذه الاستطلاعات أن العونيين يراوحون حيث كانوا، تقريباً، في انتخابات 2009، لا «البترول» يدفشهم، ولا الزفت وخفض كلفة الاتصالات وخصخصة الجباية في مؤسسة كهرباء لبنان وتوزيع «جينيرايتر» الكهرباء بالجملة والمفرق وتزيين أسطح منازل العونيين بأعمدة شركتي الهاتف لتحسين البث ومدخول العونيين. حتى تحوُّل قناة «أو تي في» إلى فندق يقيم فيه ضيوفها الدائمون من إسلاميي الشمال المتشددين لا ينفع. مع العلم أن استطلاعات ربيع الهبر، التي يدفع العونيون ثمنها، أكثر تفاؤلاً من غيرها، ممن يصنف أصحابها أقرب على المستوى الشخصي إلى قوى 8 آذار من الهبر. ولا يمكن العونيين أن يحلموا، بحسب استطلاعاتهم دائماً، بالخمسين في المئة هذه في حال إحجام الطاشناق أو الحزب السوري القومي الاجتماعي في الأشرفية والمتن الشمالي أو المردة في الشمال، عن رفد اللوائح البرتقالية بأصواتهم.
الغريب في المراوحة العونية تزامنها مع ثلاثة عوامل يفترض أنها تلعب لمصلحتهم: الأول سياسي، فها هي القوات اللبنانية تبشر بحكم الإسلاميين للمنطقة بعد أن حشرتهم في الانتخابات السابقة في زاوية التحالف مع حزب إسلامي، شاربة نخب تحرير غزة بعد أن غصت بتحرير لبنان لمزارعه الشبعاوية، في ظل تقديم سوريا وغيرها من الدول العربية مواد دسمة يومية لحلقات الندب العوني على «الوجود المسيحي في الشرق». الثاني خدماتي، بعد تحويل العونيين وزارتي الطاقة والاتصالات إلى وزارتين خدماتيتين أكثر من وزارة الصحة، فيما يسرحون ويمرحون في وزارة الحزب الاشتراكي للأشغال العامة، كأنهم «تقدميون» أباً عن جد. الثالث تنظيمي ومالي وإعلامي، فقد سبق للعونيين أن تجرعوا بعد انتخابات 2004 البلدية كأس الخلافات الداخلية التي دخلت الكتائب والقوات اللبنانية في معمعتها إثر انتخابات 2010 البلدية. وما عادوا يتكلون مادياً على بيع الروزنامات في رأس السنة لتأمين مصاريفهم، فيما يشغلون إعلامياً تلفزيوناً وإذاعة وموقعاً إلكترونياً رسمياً وآخر صديقاً، غير التلفزيونين والإذاعتين الصديقتين. رغم كل ذلك، يبقى التيار محله شعبياً، حيث كان حين «صَلَبَه» تحالفه مع حزب الله، وعندما كانت بكركي ضده، وحنفية الخدمات موجهة إلى جيوب خصومه، ولا يملك إعلامياً ثمن الدفاع عن النفس. ويتخوف أحد المتابعين من تحول المراوحة مع العوامل الثلاثة الإيجابية هذه إلى انهيار عمودي عند زوالها. وحتى في المراوحة وعواملها، يكفي قوى 14 آذار أن تضاعف أعداد طائراتها في يوم الاقتراع، مقابل عرقلة قافلات الطاشناق المقيمة في حلب، حتى ينتهي عونياً كل شيء تقريباً.
لماذا انتهى التسونامي البرتقالي عند خط الخمسين في المئة الذي يتحكم فيه وبأعصاب الجنرال مدّ وجزر يوميان؟ لماذا لم يستثمر نصر تموز؟ لماذا أضاع العونيون فرصة الدوحة فكانوا الخاسرين الأوحدين؟ لماذا ضيعوا ستة أشهر بين إسقاط حكومة سعد الحريري وتشكيل حكومة نجيب ميقاتي؟ لماذا يضيعون منذ عامين فرص التغيير والإصلاح؟ ولماذا لا يستغلون أخيراً كل العوامل السابق ذكرها للتقدم اليوم بضع خطوات إلى الأمام؟ أكثرية العونيين لا تحبذ «توجيع» الرأس بأسئلة كهذه، وخصوصاً أن الوضع ليس كارثياً في نظرها. وليس بين العونيين بالتالي أكثر من قيادي واحد مع الأسف يشغل نفسه عن الترشح على الانتخابات النيابية بنقاش مماثل.
في السياسة، ثمة قلق صامت يغدو يوماً تلو الآخر وجودياً، يحتضن البيئة الحاضنة للتيار الوطني الحر، لا تخففه أبداً استعادة العونيين مقولة لا حرية لأعداء الحرية، ولا ثقتهم المفرطة بانتصار النظام السوريّ أو نشوتهم المستجدة بالقتل ومشتقاته. ثمة من لا يحبذون مبدأ «نربح كل شيء أو نخسر كل شيء». يحتاج هؤلاء زعيماً يعلمهم اليوم بخطته لإنقاذ مستقبلهم من آلاف المسلحين الشماليين المتوثبين لإعلان دويلاتهم إمارات إسلامية رسمية، ويقنعهم بتعددية خياراته في حال سقوط النظام السوري، لا أن يقول لهم إن وجود المسيحيين في المنطقة من وجود آل الأسد في السلطة ونقطة على السطر. سئم بعض هذه البيئة سماع أخبار الإسلاميين وفتاويهم؛ يريدون حلاً لمشكلتهم، لا تعريفاً بها. لا تفيد هذه البيئة مؤتمرات العماد ميشال عون الأسبوعية بشيء، لا بل تخشى أن توقظ نبرة الصوت العونية خلالها إحدى الخلايا التي تقول وسائل الإعلام العوني إنها نائمة في جبل لبنان، فتقرر دخول الجنة من طريق نهر الموت بدل تلكلخ. يحذو العونيون في تخويف مجتمعهم من الإسلاميين حذو الكتائب والقوات في تخويفهما المجتمع نفسه من حزب الله، من دون تقديم حل للمشكلة، رغم انتقادهم الكتائب والقوات لعدم اقتراحهما حلولاً عقلانية لمعالجة قضية سلاح حزب الله. أما في العمل الحكومي، فليست المشكلة اكتفاء العونيين بأداء تقليدي أكثر منه تغييرياً أو إصلاحياً. إنما المشكلة الرئيسية عزل وزراء التيار الوطني الحر أنفسهم، ليس عن مجتمعهم فحسب، بل عن التيار الوطني الحر نفسه: لم يخلقوا أية ديناميكية سواء مجتمعية أو حزبية أو نقابية أو إعلامية أو حتى فايسبوكية للإصلاح والتغيير. ولم يتبنوا خطة واحدة لإشعار المواطنين بأنهم شركاء معهم في عملية الإصلاح والتغيير. لا حماسة في بيئة التيار الوطني الحر لانتزاع بعض الإصلاحات وتحقيق بعض التغيير. ولم يسع العونيون إلى جذب المعنيين أقله إلى ورشاتهم المفترضة. لا جمعيات ولا قوى ضغط وإعلام ونقابات وغيرها. لم يكلف غابي ليون نفسه عناء الاتصال بالمجموعة الفايسبوكية التي تطالب بإعادة تسمية مطار رفيق الحريري الدولي بمطار بيروت الدولي، لرؤية من هم هؤلاء الآلاف الذين يشاركون التيار الوطني الحر إحدى أفكاره، وكيف يمكن الطرفين التعاون. ولم يكلف جبران باسيل نفسه، مرة، الاجتماع بعشرات الجمعيات وآلاف الناشطين المؤمنين بوجوب تطبيق النسبية في الانتخابات لوضع استراتيجية عمل مشتركة بينهم وبين اللجان الطالبية في التيار الوطني الحر مثلاً ولجنة الدراسات ونواب التكتل ووزرائه. يأتي العونيون ببعض أعضاء المجالس البلدية العونيين مرة في العام إلى لقاء تلفزيوني تنتهي مفاعيله عند انتهاء البث المباشر، بدل إطلاق ورشة بلدية ــــ نيابية ــــ وزارية شاملة تتواصل كل أيام السنة. تصرف العونيون كالحزب القائد الذي يحقق ما يستطيعه، فيما دور المجتمع التصفيق فقط. أين التيار الوطني الحر من التحركات المطالبة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب؟ أين هو من تحركات الأساتذة الجامعيين والمدرسين؟ أين هم العونيون من مختلف القضايا المطلبية التي يفترض أنها شغل وزرائهم الشاغل؟ لا تيار وطني حر إلا في «الغدوات والعشوات» ومواسم الانتخابات. ولم يحقق وزراء التيار، بموازاة ما سبق، خبطة واحدة ترفع معنويات أنصارهم. أين هم في الحكم من وعيدهم السابق لسوليدير وسوكلين وشركة طيران الشرق الأوسط ومختلف الصناديق؟ ليس في مجلس الوزراء عموماً ووزارة العدل خصوصاً صوت صارخ واحد «يستطيع العالم أن يسحقني لكنه لن يأخذ توقيعي». وخلال العامين الماضيين، لم يمر شهر واحد من دون أن يثير العونيون قضية جديدة، تشغل حناجرهم أسبوعين وتشنج الوضعين السياسي والحكومي برمتيهما، لكنها لا تلبث أن تتلفلف. أين شهود الزور، المليارات الأحد عشر، الطعن بشرعية فرع المعلومات، الموازنة، نتائج محاولة اغتيال الجنرال، أموال البلديات وغيرها؟ في المقابل، لا أحد يعرف أو يسمع بإنجازات وزراء التكتل المفترضة؛ لأن أحداً منهم، أولاً، لا يسلط الأضواء عليها.
إلى النيابة، وهنا الكوارث. هناك نائب واحد ما زال يستيقظ صباحاً مصدقاً أن الناخبين يأتمنونه على جعل العالم مكاناً أفضل، يدعى زياد أسود، فيعاند ويشارع، من دون أن يستثني دولة نفطية أو رئيساً أو وزارة خدماتية من انتقاداته الصريحة. الآخرون مجموعتان: واحدة تضم نواباً ووزراء سينزلون من باص التيار الوطني الحر حين ينزل، كما صعدت إليه حين كان يصعد. والأخرى تضم النواب العونيين وتفتقد للبوصلة، فبدل تكاتف هؤلاء بعضهم مع بعض لمسابقة خصومهم، لا يفعلون (بعيداً عن بعبدا ونوابها العونيين الثلاثة المتحدين) غير مسابقة بعضهم بعضاً: يكفي سؤال أحدهم في المتن عن عدد الخطوات التي اتخذها في كل حياته للتقرب من أحد زملائه، مقارنة بعدد الخطوات التي يتخذها يومياً للتقرب من خصم التيار الوطني الحر المفترض النائب ميشال المر، وعدد الملفات التي شهرها خلال مسيرته السياسية في وجه المر مقارنة بما يشهره يومياً في وجه زميله المفترض. كان يفترض بالنواب العونيين أن يمثلوا قوة دفع إنمائي وخدماتي وسياسي للتيار الوطني الحر، لكن أداءهم عكس الآية: يستخدمون الزفت للحرتقة على بعضهم، الإنماء للمزايدة على بعضهم والسياسة للعب ضد بعضهم؛ لا يؤتى مناطقياً على ذكرهم إلا في سياق التهكم.
لا تختزل الحرب الكونية الأسباب التي أدت بالتيار الوطني الحر إلى كل هذا التقوقع، يتحمل العونيون بخطابهم السياسي وإدارتهم جزءاً أساسياً من المسؤولية عن بلوغهم حدود الهاوية. وما استمرارهم في التصرف كأن الأمور بأفضل أحوالها إلا إمعان منهم في المغامرة بخسارة ما بقي. والرصيد الباقي ليس كثيراً.

تيّار الجنرالات الأحرار

ليس فائض قوة ما يعاني التيار الوطني الحر منه، بل فائض جنرالات. فبدل الاكتفاء بجنرال واحد، يتكاثر هنا الجنرالات. يتصرف الوزير والنائب والمرشح العوني وأبسط منسّق في أبعد هيئة محلية في التيار الوطني الحر بوصفهم جنرالات يخوضون حروب حياة أو موت حقيقية. بدل أن يستفيد الوزير من موقعه الوزاري لتوسيع مروحة اتصالاته السياسية، يزيده الموقع ثقة بقواه الخارقة وعبقريته، فيزداد حدة في مواقفه وعناداً في مطالبه. ويصبح واجب العماد ميشال عون التدخل عنده لتليين موقفه، بدل تدخله عند عون. وبدل استفادة النائب من رئاسته لجنة تضم جميع الكتل النيابية لمدّ الجسور، تراه يُشغل غالباً بتقطيعها. وأخيراً المرشح الذي يريد أن يكون نائباً وأن يرأس جمعية ونادياً وغيرهما إذا أمكنه، إلى جانب استمراره في وظيفته الرئيسية، بدل استفادته من ترشحه للانفتاح وتياره على مختلف فعاليات منطقته وجمعياتها وقواها المدنية المتعددة. أما المنسّقون فيلتبس على غالبيتهم معنى كلمة منسّق، فيتصرفون في قراهم كجنرالات حرب، ويصعب في هذا السياق ذكر منسّق عوني واحد يتواصل مع جميع فعاليات بلدته دون استثناء؛ لا بدّ من مشكلة صغيرة مع أحد المخاتير وأخرى كبيرة مع رئيس المجلس البلدي، ومع بعض العونيين، إضافة إلى قطع العلاقات نهائياً مع سائر الأفرقاء السياسيين. ويرفض الجنرالات على مختلف المستويات تلقّي التوجيهات طبعاً أو سماع الملاحظات أو استشارة هيئات الأركان المفترضة.
 

  • شارك الخبر