hit counter script

- جهاد الملاح

ماذا يفعل "الإخوان"؟

الجمعة ١٥ كانون الأول ٢٠١٢ - 10:10

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

وصل "الإخوان المسلمون" إلى الحكم في مصر، بعد عقود من انتهاج سياسات التنظيم التراكمي والتخطيط المتأني، التي سمحت لهم بالدخول إلى الثورة وتزعمها، في ظل عدم وجود أي تنظيم حزبي منافس، حيث تقتصر القوى المعارضة الأخرى على أحزاب تعاني من الضعف والفوضى أو يديرها أشخاص يستعجلون الوصول إلى السلطة اليوم قبل الغد.

وقد دلّت العديد من المؤشرات، منذ ظهور أفكار حسن البنا، حتى استلام "الإخوان" الحكم بعد ترشيح القيادي محمد مرسي كبديل احتياطي، على أن الجماعة تتحرك في إطار تخطيط مسبق يعالج المسارات المختلفة وتملؤه الخطط البديلة. وهذا الأمر يشكّل علامة فارقة في الأدبيات الحزبية داخل العالم العربي، حيث اعتاد العمل الحزبي أن يتنقلّ بين العفوية وبين التخطيط العشوائي والآني.
وعند بداية الربيع العربي، آمنت غالبية العرب، بأن الاختلاف بين الثوار في المقاربات وإزاء التطلعات لا يجب أن يُفسد الانتصار المشترك على الديكتاتورية. فقبلت بالاحتكام إلى الديمقراطية ومنح الحكم لمن يفوز في الانتخابات، بعد عقود من القمع والظلم. وبالتالي تقبّل الكثيرون وصول "الإخوان" إلى السلطة، على اعتبار أن مؤيدي الإسلام السياسي لهم الحق في الحكم إذا كسبوا صناديق الاقتراع.
ومن الناحية العملية، بدأ "الإخوان" حكمهم في مصر باتخاذ خطوات تدريجية لتثبيت خيوطهم في المفاصل الحيوية للدولة، بما يجعل إسقاطهم عن الحكم أمراً غير سهل. كما بدت تحركات الرئيس مرسي الجيو-سياسية في الأشهر الثلاثة الأولى من حكمه، ناجحة ومخططة بدقة، حيث سعى إلى تمتين العلاقة مع الأميركيين، مراوغاً في الملف الإسرائيلي، ثم حلّ ضيفاً كبيراً على بكين، قبل أن يُستقبل في طهران، بحفاوة بالغة. وكل ذلك بعد أن كان زار السعودية، حيث أبدى مقاربة جديدة للعلاقة بين جماعة البنا والرياض.
إلا أن هذه الجماعة نفسها، التي تميزت في التخطيط والتنظيم وعدم استعجال النتائج، قامت بعد أشهر قليلة من استلامها الحكم، بإصدار إعلان دستوري مكملّ مع معرفتها المسبقة بأنه سيُغضب الكثيرين في بلد ما زال يعيش حماسة الثورة. ثم أقرّت دستوراً وافق عليه 10.7 مليون ناخب من أصل 51 مليوناً يحق لهم التصويت، أي ما نسبته نحو 20% من الناخبين، وما يوازي نحو 11% من الشعب المصري ككلّ.
بالطبع، ربما كان "الإخوان" مطمئنين بأن لديهم مؤيدين كثر في مصر وبأن قدرتهم على التجييش الشعبي والتنظيم الانتخابي، تفوق قدرة الأحزاب الأخرى مجتعمةً، فكانوا متأكدين بأنه طبقاً للحسابات العادية لنسب المشاركة والامتناع والقبول والرفض، ستتم الموافقة على الاستفتاء. لكنهم في النتيجة، أقروا، بموافقة 20% من الناخبين، دستوراً، من المفترض أن يكون دستور الثورة، ويجب أن يلقى تأييداً من قبل الغالبية الساحقة للشعب. فلماذا فعلوا ذلك؟
هل كان "الإخوان" الذين يملكون القدرة على "الإفتاء" بأن "الغاية تبرر الوسيلة" عاجزين عن تعديل مشروع الدستور، بما يؤمّن لهم ثقة شعبية هم في أمسّ الحاجة إليها؟ وهل أن الجماعة غير منتبهة إلى خطورة استعداء شريحة كبيرة من المصريين والعرب بالشكل الذي حصل؟ ولماذا رفضت مجرد فكرة تأجيل الاستفتاء؟ ألا تعلم أن الصراع السياسي القائم يجعل من الخلاف على الدستور مشكلة أكبر من حجمها الفعلي؟
وإذا كانت جماعة "الإخوان" المصرية تضع نفسها في موقع القائد الفعلي لـ"إخوان" العرب والعالم، فمن المفترض أنها تعلم جيداً بأن نجاح نموذج حكمها سيشكّل نجاحاً لشبكاتها القومية وعبر الوطنية. وبالتالي، إذا كانت تتأنى درجة وهي خارج الحكم، فعليها أن تتأنى عشر درجات وهي في الحكم، وذلك حتى لا تُضيّع ما عملت من أجله طويلاً.
فكيف جلبت إلى نفسها، مع سبق الإصرار والترصد، مشروع الدستور المثير للجدل، وأقرّته بموافقة 20% من الناخبين؟ هل كانت تراهن على أن البلبلة التي سيحدثها الدستور ستنتهي بعد فترة؟ أم أن هناك مشكلة فعلية داخل الجماعة، وسياساتها في الحكم بدأت تخضع لتجاذبات بين قياداتها؟
هي أسئلة كثيرة، ومن الصعب أن يكون الجواب عليها مختصراً بالقول إن "الإخوان" أصيبوا بنشوة السلطة ويسعون إلى الإمساك بالحكم بسرعة وبقوة. فمن المفترض أنهم يعرفون أن تطبيق هكذا خطة في مصر في الوقت الحالي، فيه كثير من السذاجة، وربما يشكل انتحاراً سياسياً لهم، بعد عقود طويلة من الانتظار.
قد يحتمل الأمر القول إن منهجية حكم "الإخوان" بدأت تظهر قصوراً معيّناً، وبشكل خاص ما يتعلق بمدى القدرة على التكيّف السياسي وانتهاج الليونة الفكرية في مقاربة العلاقة بين السياسة والدعوة. أو ربما أن المعطيات والظروف التي أسهمت في ارتفاع وهج الجماعة بعد ثورة "25 يناير"، بدأت تنحسر تحت ضغط الصراع المتصاعد في معركة "أخونة" الدولة المصرية.
لكن الأمر يحتمل أيضاً التذكير بأنه في زمن غير بعيد، قيل أن أحدهم همس في أذن صدام حسين بأن بإمكانه المضي قدماً إلى الأمام والمغامرة في غزو الكويت. ففعل سريعاً، فقُضي عليه.
 

  • شارك الخبر