hit counter script

- جهاد الملاح

أزمة اللاجئين وأسئلة العنصرية!

الجمعة ١٥ كانون الأول ٢٠١٢ - 09:18

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

كثرت في الآونة الأخيرة، الانتقادات الموجهة إلى لبنان، على خلفية طريقة تعامله مع الأعداد المتزايدة من اللاجئين السوريين والفلسطينيين الهاربين من العنف الدائر في سوريا. وهي انتقادات حملت في كثير منها حماسة وصلت إلى حدّ اتهام الشعب اللبناني بالعنصرية، كونه "لا يفعل شيئاً" أمام هذه المأساة الإنسانية.

وقد بدأ الأمر بانتقادات صدرت عن ناشطين لبنانيين، في الصحافة والإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي، ووصلت إلى عناوين مواقع إخبارية عالمية. فهل يمكن فعلاً اتهام الشعب اللبناني بالعنصرية وبأنه يغضّ النظر عن مساعدة اللاجئين المتدفقين إلى بلده؟
يحاول البعض التصدي لذلك الاتهام، عبر مقولات أبرزها أن "الدولة اللبنانية فقيرة" وأن "الشعب اللبناني يلّي في مكفّي" وأن "اللبنانيين يموتون على أبواب المستشفيات". لكن هذه العبارات توحي وكأنها تعكس قبولاً لاتهام العنصرية بدلاً من أن تردّ عليه. في المقابل، يجب أن يُسأل الذين يوجّهون الاتهامات أنفسهم أو الذين يحرّرون "الأخبار" على بعض المواقع: ماذا يجب أن يفعل الشعب اللبناني؟
في الواقع، عندما تُوجَّه الاتهامات إلى "شعب"، تصبح فارغة المضمون وغير جدية، لأن الشعب لا يملك شخصية معنوية، إلا من خلال مجموعات منظمة، بدءاً من الجمعيات الأهلية والمنظمات المدنية، مروراً بالأحزاب، وصولاً إلى الدولة. وعندما تعمل مؤسسات خاصة وحكومية في لبنان، على إيجاد آلية واضحة لاستيعاب اللاجئين في مناطق معينة، فربما تصل على سبيل المثال إلى توزيع عدد منهم على الأسر اللبنانية، التي بالتأكيد ستعلن الآلاف منها قبول الأمر.
وإذا كان البعض يسترجع عدوان تموز 2006 وكيف استضاف السوريون النازحين اللبنانيين، فهل حصل الأمر في حينه دون آلية معينة وضعتها السلطات السورية وسهّلت تنفيذها؟
بالطبع، يتحمّل الشعب اللبناني مسؤولية التعاطف الإنساني مع مأساة لاجئين هربوا من دمار وقتل ومجازر. لكن من الناحية العملية، لا يتحمل الشعب كمجموعة من الأفراد، أي مسؤولية تتيح اتهامه بالعنصرية، علماً أن الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين تحمّل كامل المسؤولية للدولة.
من ناحية أخرى، وعلى الرغم من السمعة السيئة لبعض أفراد أجهزتها الأمنية، في التعامل مع اللاجئين العرب في لبنان، تكاد الدولة اللبنانية تكون الوحيدة التي سمحت لآلاف اللاجئين السوريين والفلسطينيين الهاربين من سوريا، بالدخول إلى عمق البلاد، ولم تحدد إقامتهم في مخيمات على الحدود أو تحدد الفئات التي تسمح لها بدخول أراضيها. وقد أعلنت أنها ستتحرك لمعالجة موضوع اللاجئين وتأمين مساعدتهم، خصوصاً مع تزايد أعدادهم، في خطوة تأتي تحسباً للرقابة الدولية وخوفاً من تفاقم المشكلة داخل لبنان.
ولكن للأسف، إذا كانت الدولة اللبنانية قادرة على استيعاب المشكلة ومنع تفاقمها من خلال تعاون جدي مع المنظمات الدولية، فمن المرجح أنها ستخسر الرهان، إذ لا يصدّق أحد أنها ستعمل على وضع آليات واضحة وتطبقها بجدية، وأن أموال المساعدات الدولية لن تكون عرضة للسمسرة والنهب. وعلى كل حال، فإن هذه الدولة، كما العادة أمام كل كارثة صغيرة أو كبيرة، تتحمّس لأيام ثم تنسى وتتنصّل.
أزمة اللاجئين كبيرة جداً ومفاعيلها ستكون هائلة على لبنان. وربما يوجد لبنانيون قلقون، يستحضرون الماضي ومشاكل اللاجئين، ولكن هذا لا يجعلهم عنصريين أو يثنيهم عن المساعدة. وإذا كانت هناك حوادث فردية قد حصلت، فإنها لا تؤدي إلى نتيجة عامة. فالدولة اللبنانية هي فقط المسؤولة، ومن غير الجائز تحميل المسؤولية للشعب، إلا عندما يحظى هذا الشعب بديمقراطية حقيقية تجعله يقرّر ويحدّد ماذا يفعل ساسته، وهو أمر بعيد المنال في لبنان.
 

  • شارك الخبر