hit counter script
شريط الأحداث

- فراس حمية

نكتة سريعة

الأربعاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٢ - 08:00

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تنتشر حاليا ظاهرة الطرائف عبر الهواتف المحمولة من خلال برنامج الواتساب. فقد اصبحت هذه النكات موضة العصر بالنسبة الى اللبناني، حيث لم يعد بمقدوره تمضية اوقاته والتمويه عن نفسه سوى بسماع بعض النكات يوميا ولم يعد بامكانه النوم من دون ان يقرأ نكتة تضحكه. في الصباح قلما خلا هاتف محمول من نكتة ارسلها صديق او حبيب. لقد اصبحت النكات منتشرة في جميع الاراضي اللبنانية لاغية الحواجز وعابرة للطوائف. لقد اصبح بامكاننا ان نطلق عليها لقب الفاست جوك تماما كالفاست فود والفاست دليفري، الا انها اسرع واكثر سخونة.
اما المضامين التي تحتويها هذه الرسائل فهي كثيرة. على سبيل المثال لا الحصر، هناك نكات ابو العبد وزوجته أم العبد لكنها اندثرت بعض الشيء لأن اللبناني لم تعد ترضيه هكذا نكات. وهناك ايضا نكات الحمصي والسوداني والافريقي، من ذوي البشرة الداكنة بوجه العموم على اعتبار اننا (اي الشعب اللبناني) اعلى مرتبة من هؤلاء جميعا، فنحن نستخدمهم في بيوتنا ومصانعنا، وربما لاننا نعتبر انفسنا شعب الله المختار او بسبب نظرة دونية اصطفائية الى هؤلاء. كذلك رُصدت نكات الختيار والختيارة والنكات الرياضية ونكات الخطف وابو ابراهيم المضياف العربي الاصيل ونكات آل المقداد الذين كان لهم نصيب وفير من هذه النكات وصلوا بفضله الى النجومية والشهرة العالمية. فالكاريكاتور الساخر وصل في بعض الاحيان الى واشنطن، من دون المرور ببيروت بسبب سخونة الاحداث المقداديّة وهزالة الدولة.
اما النكات الاكثر التصاقا بمشاعر اللبنانيين ومخيلتهم فهي نكات الجنس. نكات طويلة المدى، عابرة للاجيال، بمعنى انها غير قابلة للزوال والاندثار كالانواع الاخرى، ربما بفعل عوامل وراثية ونفسية متجذرة في شخصية اللبناني. فما السر في ان يعشق اللبناني بمختلف فئاته واعماره واجناسه هذه النكات الجنسية فنراه يخرج الضحكة من صميم قلبه حين يسمع نكتة "زفرة"؟ لماذا تثير الاعضاء التناسلية شهوة اللبناني على الضحك حتى لو كانت النكتة "بايخة" ؟ وهل اصبح مجتمعنا مجتمعا اباحيا في الخفاء بسبب الكبت الاجتماعي والديني؟
أما النكات السياسية فتعوم على الواجهة مع كل حدث سياسي وانتخابي وأمني. هذه النكات هي التي تثير الشبهات، لانها تنطلق مباشرة بعد وقوع الحدث بنصف ساعة او ساعة واحدة على ابعد تقدير. تبدأ فجاة الهواتف باستقبال الرسائل السياسيّة الساخرة حول ما فعله هذا السياسي او ذاك، ثم يتبعها الكاريكاتور التهكمي حيث يلصق رسم الشخصية السياسية بشكل ساذج مع تعليق بسيط وساخر، وان اللبيب من الاشارة يفهم. فهل يعقل ان تكون هذه النكات والرسوم الكاريكاتورية بفعل هاو بهدف التسلية؟! ام ان هناك مكاتب ومطابخ سياسية تستخدم اخصائيين محترفين يضخون هذه النكات ويرسمون الكاريكاتورات عبر برامج الفوتوشوب وغيره من اجل تحقيق مكاسب دعائية واعلانية واعلامية وتسجيل نقاط لصالح فريق على حساب آخر؟
وهذه نبذة كاريكاتورية اخرى تدل على مدى الاستخفاف بعقل الجمهور اللبناني. فنجد وردة الحكيم، وما في غسيل مع باسيل، ورصاصة الجنرال، وتاكسي الصفدي للسياحة والسفر، ومصعد حرب والنبيه وزهرا والجميل والوهاب مع حفظ الالقاب وغيرهم الكثير الكثير...
المثير للدهشة أنّ أحداً لا يكترث لهكذا مواضيع حيويّة (بنظري على الاقل) من المجموعات الحاكمة في لبنان. فنحن لم نسمع حتى بموقف واحد من وزير التربية والتعليم حول هذا الموضوع وكيفية تداركه والحدّ من سلبياته في المدارس مثلا أو خطورته على صعيد اللغة العربية. وخير مثال على ذلك القرارات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية عبر منع استخدام اي لغة اخرى عدا اللغة العربيّة في المعاملات الرسمية وتشجيعها اللغة في المدارس والجامعات. لم نسمع بتحرك واحد من جمعيات المجتمع المدني من اجل توعية الاهل حول خطورة هذا النوع الحديث من وسائل التواصل الاجتماعي على ابنائهم.
ان خطورة الموقف التكنولوجي - التقني وتداعياته على الصعيد الفكري والثقافي والاجتماعي وعدم تدارك اخطاء الماضي وعدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل والتهيؤ له سيؤدي بنا حتماً الى مزيد من الخضوع لديكتاتورية تقنيّة رقميّة معرفيّة - مقلّدة للغرب بصوره السلبية فقط - لا مناص لنا منها على مرّ السنوات المقبلة، ممّا يزيد من حدة التبعية بين دول الاطراف (العالم العربي) من جهة وبين دول المركز (الغرب) من جهة اخرى. تماما كما يفعل المغناطيس عندما يجذب الادوات المعدنية القابلة للجذب مما يحقق رغبته (مصالحه) المتمثلة في طبيعته المغناطيسية (تنطبق هذه المعادلة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الا ان اهمها يبقى على الصعيد الفكري) وبالتالي يجب هضم هذه التكنولوجيا لئلا تسبب لنا امراضاً في المعدة والامعاء بسبب عدم القدرة على استيعاب وامتصاص هذه الروح دفعة واحدة.
هل يعلم هؤلاء ان النكات والصور والافلام التي يضحكون عليها قد سلكت طريقها الى ابنائهم وطلابهم المراهقين قبل ان تصل اليهم؟
وهل يدرك الاهل مدى التاثير الفكري لهذه البرامج على اولادهم وكمية الوقت المهدور سدى والخصوصية المتسربة من غرف نومهم بفعل النقر على الشاشات طوال الليل؟
من هنا نستنتج عمليّا الفرق بيننا وبين الغرب، والفرق بين كون هذه التكنولوجيا غاية أم وسيلة!                                                                                                                                             

  • شارك الخبر