hit counter script
شريط الأحداث

كلمة الرئيس نجيب ميقاتي خلال رعايته افتتاح "ملتقى لبنان الاقتصادي" في فندق فور سيزن

الخميس ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٢ - 11:14

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

 

أيها الحفل الكريم،
 يسعدني أن أكون معكم اليوم وأن أرحب بكم في ملتقى لبنان الاقتصادي للسنة الثانية. ويسرني أن أرى أمامي هذا الحشد من المسؤولين ورجال الأعمال والصناعيين والمستثمرين والخبراء والمتابعين للشؤون الإقتصادية، كتعبير صادق عن إيماننا وايمانكم جميعا بهذا الوطن وبقدرته على النهوض والاستمرار على رغم  الأوضاع الصعبة  التي تواجهه وتواجه المنطقة ككل. 
قبل سنة من الآن وقفت أمامكم وقلت يومها  "إن الحكومة اللبنانية تواكب الظروف والمتغيرات التي تشهدها المنطقة والتطورات الاقتصادية العالمية، وتسعى لدرء تداعياتها المحتملة على لبنان على الصعد كافة ". ومنذ ذلك التاريخ طرأ الكثير من الأحداث والتطورات، وها نحن اليوم في عالم عربي يلفه الإضطراب وعدم الإستقرار والعنف والخسائر الإقتصادية المتراكمة، وفي إقتصاد عالمي يعاني من تباطؤ زاحف وركود حاد في عدد غير قليل من الدول الأوروبية، ومخاوف مستمرة من عدم إستقرار الأنظمة المصرفية والمالية والتكتلات الإقتصادية الكبرى. 
من المؤسف أن الخلافات السياسية الداخلية اللبنانية المعهودة كانت لها ايضاً آثار سلبيةً بالغة على الوضع الإقتصادي لأنه  لو تحلى الجسم السياسي اللبناني بالمزيد من الحكمة والمسؤولية لكان الإقتصاد اللبناني قادراً على إظهار مناعة أقوى في مواجهة التطورات المصيرية في المنطقة، بل أيضاً للافادة من بعض نتائجها لمصلحته، وهو الذي طالما إعتمد على السياحة والخدمات وإجتذاب رؤوس الاموال وتصدير المهارات، وبدأ يشكل بقطاعيه الزراعي والصناعي قوة تصديرية جيدة.
أقول مناعة أقوى، لأن لبنان أظهر ولم يزل يظهر مناعة في وجه كل ما يجرى حوله، بالرغم من كل ما يشيعه البعض عكس ذلك لاسباب سياسية وسعيا للنيل من الحكومة، وما نحن عليه من تراجع للمؤشرات الاقتصادية، لا يقاس مقارنة بدول أخرى في المنطقة، وما أصابها من خسائر مباشرة وغير مباشرة. 
ان الركائز الأساسية للإقتصاد اللبناني لم تزل ثابتة لتكون قاعدة لإنطلاقة جديدة عندما تعود أوضاع الوطن العربي الى الإستقرار وتنقشع سحب الإنقسامات الداخلية عندنا. فالقطاع المصرفي يحافظ على قوته وسلامته ولا يبدي أي تردد في تمويل الإقتصاد المحلي ضمن الشروط والضوابط الصحيحة، وهناك إستقرار نقدي وإحتياطات خارجية كبيرة نسبياً، ولم تطرأ تطورات سلبية غير قابلة للتصحيح لاحقاً في المالية العامة، بغض النظر عن المخاوف والتحذيرات التي أثيرت بشان تمويل سلسلة الرتب والرواتب وهي مخاوف تدركها الحكومة وتعمل لمعالجتها، بما يحفظ الاستقرار النقدي ويعطي أصحاب الحقوق حقوقهم المشروعة. كذلك فان الصادرات الصناعية الى الدول العربية في نمو متزايد. 
كل ذلك لا يقلل بالطبع من المصاعب التي تواجه قطاع السياحة ، والجمود في القطاع العقاري وإنكماش حركة الرساميل الوافدة وما أدى اليه ذلك من عجز كبير في ميزان المدفوعات والإنخفاض المقدر في نسبة النمو. ما أريد قوله هو أن ما أصابنا قد أصاب غيرنا في المنطقة العربية وخارجها، رغم أنه كان من الممكن تجنب الكثير من تداعياته في لبنان بالتلاحم والإستقرار الداخلي. 
أيها السيدات والسادة،
 ان المرحلة الراهنة  تتطلب منا الصمود والمثابرة في وجه العاصفة ولا توفر لنا خيارات أخرى. الصمود بتثبيت البيت الداخلي وحمايته سواء على صعيد الوطن ككل أم على صعيد كل مؤسسة وشركة، والمثابرة ببذل كل جهد ممكن لتخطي المرحلة بأقل صعوبات وخسائر ممكنة والإستعداد لأيام أفضل بعد إنقضاء الأزمة. 
إن الحكومة تجهد لتقوم بكل ما في وسعها في هذا المجال ،  لكن ذلك لا يمكن ان يكون مسؤولية جهة واحدة ، بل هي مسؤولية مشتركة ينبغي ان تتوافر لها كل الارادات الخيرة التي تمكنها من تحقيق الاهداف السامية التي يسعى اليها الجميع. من هنا كانت الدعوات الى جميع القيادات اللبنانية لوضع الخلافات السياسية جانباً والالتقاء على طاولة حوار والعمل معاً للتصدي للتحديات الإقتصادية والمحافظة على النمو وتحقيق إحتياجات ومتطلبات المواطن. الا انه من المؤسف الا تلقى هذه الدعوات الصدى الايجابي المطلوب ما ادى الى عدم انعقاد اجتماع هيئة الحوار الوطني اليوم والذي كان دعا اليه فخامة رئيس الجمهورية في قصر بعبدا . 
إننا ، مع قناعتنا  بان مقاطعة اجتماع هيئة الحوار هو موقف سياسي يندرج في اطار الممارسة الديموقراطية ، نرى ان الاسباب المعلنة لهذا الموقف والشروط التي وُضعت للتجاوب مع الدعوة الى الحوار ، لا تأتلف مع الحاجة الوطنية الملحة لتلاقي القيادات والتشاور في النقاط الخلافية المدرجة على جدول اعمال هيئة الحوار الوطني ، لا بل انها تساهم، عن قصد او غير قصد، في تعطيل كل المحاولات المخلصة والمبادرات الانقاذية التي تحاول اخراج البلاد من النفق الذي ادخلت اليه، فضلا عن انها تظهرالقيادات اللبنانية وكأنها عاجزة عن التوصل الى الحلول المرتجاة ، او هي قاصرة عن التوافق في ما بينها طوعاً وبحاجة دائما الى وصاية خارجية. فهل هذا فعلا ما يرمي اليه المقاطعون ، وهل بمثل هذه المواقف نجنب وطننا مخاطر الفراغ الذي خبرنا في الماضي القريب سلبياته، او ان نحميه من الرياح العاتية التي تعصف حوله وتحاول أن تتسلل الى داخله ؟
إن القيادات اللبنانية مدعوة ،أيها السيدات والسادة،الى اعادة الثقة في ما بينها لاطلاق فعل ايمان متجدد بهذا الوطن وبقدراته الكبيرة التي جعلته يصمد في وجه المصاعب ، فمن غير المنطقي ان تتنامى ثقة الدول الشقيقة والصديقة بوطننا وتُترجم دعماً متجددا للخيارات الوطنية التي اعتمدتها الحكومة واستعدادا لا تراجع فيه لتقديم كل العون المطلوب للنهوض سياسيا وامنيا واقتصاديا واجتماعيا ، فيما نرى ان ثمة من يسعى ،في الداخل،  الى اعادة عقارب الساعة الى الوراء ، ليستعيد العالم فصلا من التاريخ اللبناني المؤلم الذي قرر اللبنانيون في مؤتمر الطائف إسقاطه من كل الحسابات . وانا على يقين بان الغلبة في النهاية ستكون لصحوة الضمير التي تصحح كل مسار ، وتعيد وضع قطار التوافق على السكة لتنتهي الرحلة في بر الامان . تلك هي الارادة الحقيقية لجميع اللبنانيين وهي قادرة، متى تلاحمت وتشابكت ،على اسقاط كل الرهانات الخاطئة والخيارات الملتبسة .
نعم، ايها السيدات والسادة ، انا متفائل  بالمستقبل ولدي كل القناعة بأن غد لبنان سيكون افضل من حاضره ،والرهان على الدولة الواحدة والقوية سيكون هو الرابح، وأن الإقتصاد اللبناني النابض دوما  سيعود ليقوي موقعه المميز في المنطقة بعد عودة الإستقرار اليها، وخاصة بعد إستكمال مشروع الإستكشاف عن الغاز والنفط ونجاحه. لكن أمامنا أيضاً مهمات كبيرة تبدأ بالإصلاح الأداري والإقتصادي وتشمل تطويرالبيئة التحتية بل إعادة بنائها في الكثير من الأحيان، وتحسين بيئة الإستثمار وتحديث كافة الخدمات العامة وعصرنتها،  اضافة الى العديد من المهام الضرورية الأخرى التي تنجح، اذا ما توافر لها مناخ ايجابي وتوافقي.
ختاما ، لا بد لي  من أن أشكر الجهات المنظمة وفي طليعتها "مجموعة الإقتصاد والأعمال"  على هذا اللقاء الثاني في هذا الملتقى، والمهم أن نبقى وأن نلتقي من اجل لبنان ووحدته أرضا وشعبا ضمن التعددية والتنوع ، ومن اجل اقتصاد مزدهر ،باذن الله، بكل نية طيبة . شكرا لكم .  
  • شارك الخبر