hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - نقولا ناصيف

ميقاتي إلى باريس: تعاونٌ واستمرار بعد فكّ العزلة

الأربعاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٢ - 08:22

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الأخبار

يغادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى باريس الإثنين في زيارة تستمر ثلاثة أيام يستقبله خلالها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، ويجتمع برئيس الوزراء جان مارك إيرولت ورئيس الجمعية الوطنية كلود بارتولون ووزير الخارجية لوران فابيوس والسفراء العرب

في زيارته الرسمية الأولى لباريس منذ انتخاب الرئيس فرنسوا هولاند في أيار الماضي، يرافق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وفد وزاري. التقى ميقاتي هولاند في نيويورك في أيلول على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لكن ضيق الوقت حال دون اجتماعهما في 4 تشرين الثاني، إبان زيارة الساعات الثلاث لهولاند لبيروت والتي قصرها على الاجتماع برئيس الجمهورية ميشال سليمان، ثم سفره فوراً إلى السعودية.
قبل 48 ساعة من زيارة هولاند، قصد السفير الفرنسي في بيروت باتريس باولي رئيس الحكومة وأطلعه على ترتيباتها المختصرة واكتفائها بلقاء سليمان. لكن بضعة مواقف أطلقها هولاند من قصر بعبدا أشاعت الارتياح لدى ميقاتي، عندما تحدّث الرئيس الفرنسي عن ضرورة المحافظة على الاستقرار واستمرار عمل المؤسّسات، والتشديد على الحوار والتشاور تفادياً لأي أزمة. كما توقف طويلاً أمام خطر الفراغ.
في بعض دوافع زيارة هولاند رغبته في تقدير موقف سليمان ومرجعيته وتشجيع دعوته إلى الحوار. كان الاجتماع بميقاتي وبرئيس المجلس نبيه برّي ـــ كلاهما ممثلان أساسيان للموالاة والغالبية النيابية ـــ يحتّم على الرئيس الفرنسي لقاء المعارضة أيضاً بغية إظهار حياد باريس عمّا يجري في الداخل.
المواقف تلك ستكون في صلب محادثات رئيس الحكومة مع هولاند والمسؤولين الفرنسيين، في ثاني زيارة له لباريس منذ إعلان حكومته في 13 حزيران 2011، بعد أولى في شباط التقى خلالها الرئيس نيكولا ساركوزي. حينذاك زار فرنسا وحده في محاولة لفكّ العزلة عن حكومته بعد سلسلة انتقادات فرنسية وغربية للظروف التي رافقت تكليفه رئاسة الحكومة، ثم تأليفها بغالبية يسيطر عليها حزب الله اثر إطاحة حكومة الرئيس سعد الحريري وانتقال الأكثرية النيابية إلى قوى 8 آذار.
إلا أن لزيارة الإثنين أبعاداً مختلفة يُدرجها المطلعون عليها عن كثب في الآتي:
1 ـــ يزور ميقاتي باريس على رأس وفد يضم أربعة وزراء ويُنتظر أن يوقع أربعة اتفاقات تعاون مشترك. وهي إشارة ذات دلالة تتجاوز ترجمة باريس موقف هولاند في بيروت بتركيزه على دور المؤسّسات واستمرار عملها وتجنيب البلاد فراغاً سياسياً إلى الانفتاح على الحكومة مجتمعة والتعاون معها، في وقت لا تزال المعارضة تطالب باستقالتها الفورية.
كانت زيارة ميقاتي وحيداً في المرة السابقة واجتماعه بساركوزي مؤشراً إلى الموقف الفرنسي المتحفّظ، وهو حصر تعامله به وتجاهل حكومته وحرص على تمييز أحدهما عن الآخر . ومع أن جزءاً من بعض التحفّظ لا يزال قائماً، خصوصاً إزاء تأثير حزب الله على الحكومة بإمساكه بغالبيتها، لا تكتفي زيارة الإثنين باستقبال ميقاتي فحسب، بل أيضاً وزراء حكومته وإبرام اتفاقات معهم. على رغم ذلك، أُبلغ المسؤولون اللبنانيون إبّان زيارة هولاند استياء فرنسياً من إعلان حزب الله دعمه نظام الرئيس بشّار الأسد ومشاركته في القتال الداخلي إلى جانبه.
2 ـــ تقع المواقف التي أدلى بها هولاند في بيروت في صلب جدول أعمال محادثات ميقاتي في باريس، وتحديداً ما يتصل بالاستقرار وتفادي الفراغ واستمرار المؤسّسات. وهي مواقف أعاد الرئيس الفرنسي تأكيدها للحريري في العشاء التكريمي الذي أقامه العاهل السعودي الملك عبد الله في 4 تشرين الثاني في الرياض على شرف هولاند، ودُعي إليه الحريري. فوجئ الرئيس الفرنسي بانضمام الحريري إلى العشاء، بعدما كان مقرّراً في مفكّرة الزيارة عقد اجتماع بين فابيوس والحريري على هامش المحادثات مع الملك. حضّ هولاند الرئيس السابق للحكومة على الانخراط في الحوار الذي دعا إليه سليمان.
ووفق المطلعين على موقفه، يعوّل ميقاتي على الشقّ السياسي في الزيارة أكثر منه الشقّ التقني، ويتوقع أن تكون محادثاته هناك مُكمّلة لمحادثات هولاند في بيروت ولما كان قد سمعه من الرئيس اللبناني. وتتمحور حول:
ـــ تشبّث ميقاتي بسياسة النأي بالنفس عن أحداث سوريا، واعتقاده بأن الحاجة إليها اليوم باتت أكثر إلحاحاً من الأشهر الماضية، نظراً إلى تفاقم التدهور هناك وتداعياته على الوضع اللبناني تحت وطأة انقسام داخلي حاد حياله.
لمس ميقاتي تأييد فرنسا لسياسة النأي بالنفس في أكثر من مناسبة، وفي مواقف حملها السفير في بيروت، وكذلك في تأكيد هولاند في بعبدا تأييده المضي فيها. وهي إشارة صريحة إلى تشجيعه الخيار الصائب لرئيس الحكومة.
ـــ تمسّكه بضرورة الحوار بين الأفرقاء اللبنانيين عبر رئيس الجمهورية، سواء إلى طاولة الحوار الوطني أو توسّل التشاور، بغية التوصّل إلى تفاهم على معالجة الأزمة الحالية، بما في ذلك تأليف حكومة جديدة إذا آل التفاهم على الاتفاق عليها.
ـــ طلب تقديم مساعدات للجيش اللبناني وتدريبه وتسليحه، وتحديث قدراته، وتعزيز سبل تعاونه مع القوة الدولية في الجنوب، وخصوصاً بعد إعلان هولاند لسليمان أنه سيبقي على 900 جندي فرنسي على الأقل في هذه القوة.
ـــ مساعدة لبنان على استيعاب موجة النازحين السوريين إلى أراضيه، ويقارب عددهم الآن أكثر من 100 ألف لاجئ سوري، لا قدرة له على تحمل عبئهم بمفرده.
ـــ إصرار حكومته على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها تأكيداً لموقف لبنان الانخراط في كل استحقاق يُعزّز الديموقراطية ويدعم تداول السلطة ويحرص على الأصول الديموقراطية. ورغم تجنّب هولاند في بيروت الإسهاب في الحديث عن انتخابات 2013، مشدّداً على ضرورة إجرائها، يتوقع ميقاتي من المسؤولين الفرنسيين إبداء اهتمامهم بها خصوصاً أنهم ـــ كسائر دول الغرب ـــ يُقرنون دعمهم البلدان الأخرى والوقوف إلى جانبها بمقدار التزامها الممارسة الديموقراطية.
3 ـــ مع معرفته بأن باريس تحاذر التدخّل في الشؤون اللبنانية فلم تقل بدعم الحكومة ولا بتنحّيها، يسعى ميقاتي إلى تصحيح ما شاع عن موقفه من التمسّك بحكومته إلى حين الاتفاق على أخرى تخلفها. يُطابق موقفه هذا مع تمسكه بالاستقرار، وهو السبب الذي حمله في كانون الثاني 2011 على الموافقة على ترؤس الحكومة كخيار ثالث بين الحريري والرئيس عمر كرامي، ساعياً إلى تبديد توتر مذهبي وسياسي حاد نجم عن الخلاف بين الحريري وحزب الله، وكاد يتحوّل نزاعاً سنّياً ـ شيعياً على رئاسة الحكومة، وأيضاً في الشارع.
بدورها، سياسة النأي بالنفس عن أحداث سوريا أكدت له مجدّداً صحة خيار ثالث بين فريقين يتناحران في الداخل على ما يجري في سوريا، ساعياً كذلك إلى تبريد توتر الطائفتين. ورغم علاقات سياسية واجتماعية وعائلية تربطه بالأسد، اختار تحييد لبنان على نحو لا يُدخله في مواجهة مع دمشق، ولا يخرجه من موقعه في الجامعة العربية.
بل يسعى إلى الإضاءة على موقفه من مصير حكومته. يصرّ على بقائها إلى أن تخلفها أخرى، تفادياً للفراغ أولاً في حال تعذّر التوافق على حكومة بديلة، ومنعاً لإدخال البلاد في أشهر طويلة من تصريف الأعمال لا قبل لها على تحمّل وزرها. ويذكّر بموقفه، في 20 تشرين الأول، غداة اغتيال اللواء وسام الحسن، من أمام قصر بعبدا عندما أعلن صراحة أن طائفته مستهدفة بتلك الجريمة، وعندما ربط بين اغتيال الحسن وتوقيف الوزير السابق ميشال سماحة، وعندما أظهر استعداداً للتنحّي في ضوء ما تخلص إليه مشاورات رئيس الجمهورية لاستيعاب تداعيات الاغتيال.
بالتزامن مع إيحائه بالاستقالة، تلقى ميقاتي ثلاث مكالمات هاتفية ذات مغزى أعادت تحديد موقفه: أولى مساء الجمعة ساعات قليلة بعد الاغتيال من رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون يحضّه على عدم ترك السلطة، واثنتان الأحد من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ونظيرها الفرنسي لوران فابيوس يكرّران الطلب نفسه.
مثّلت المواقف تلك، الأولى على هذا المستوى الدولي بعد اغتيال الحسن، أول دعم مباشر لحكومته وتأييد بقائها إلى حين الاتفاق على سواها لمنع الفراغ وضمان الاستقرار.

  • شارك الخبر