hit counter script

مقالات مختارة - طارق ترشيشي

ما هي خلفيّات الزيارة الديبلوماسية؟

الأربعاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٢ - 08:33

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

توقّف ديبلوماسيّون مخضرمون عند الزيارة الجماعية التي قام بها سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والممثّل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ديريك بلامبلي إلى قصر بعبدا وإبلاغ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان دعمهم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والاستقرار والوحدة والمؤسّسات في لبنان.
وقد رأى هؤلاء الديبلوماسيون في هذه الزيارة التي تضمّ سفراء دول مختلفة هذه الأيّام، على كثير من الملفّات وفي مقدّمها الملف السوري، عملاً غير مسبوق في العلاقات الديبلوماسية، وأمراً يتجاوز مسألة دعم حكومة ميقاتي بعد ساعات قليلة على هجوم غير موفّق تعرّض له السراي الحكومي الكبير. فلو كان الأمر مجرّد دعم لميقاتي لكان هؤلاء السفراء اكتفوا بتوجّههم سفيراً، سفيراً، إلى القصر الجمهوري لإبلاغ سليمان موقف بلادهم، وهذا ما درجت العادة عليه في ظروف سابقة.

ووجد الديبلوماسيون المخضرمون أنفسهم أنّ في زيارة هؤلاء السفراء لسليمان ما يتجاوز مسألة دعم الحكومة الى الإعلان عن بدء مرحلة جديدة في العلاقات الدولية، وفي نظرة الدول الى قضايا المنطقة. وتساءلوا هل تتضمّن هذه الزيارة رسالة تفيد أنّ الاولويات في سياسات هذه الدول قد تبدّلت بحيث بات شبح التوجّس من انتشار المجموعات المتشدّدة في المنطقة مسيطراً على هذه السياسات؟

ويربط هؤلاء بين هذه الزيارة الديبلوماسية الجماعية في لبنان وبين ما أعلنته السلطات الاردنية من اكتشاف مجموعة تابعة لتنظيم "القاعدة" قد اخترقت الحدود السورية ـ الاردنية لتنفيذ سلسلة عمليات ضد سفارات ومنشآت سياحية وتجارية كبرى في العاصمة الاردنية. كذلك اعلان هذه السلطات عن اشتباك حصل بين الجيش الاردني ومجموعة "قاعدية" أُخرى أدّت الى مقتل الجندي محمد عبدالله المناصير العبادي الذي ينتمي الى إحدى أكبر العشائر الاردنية.

كذلك لا يستبعد الديبلوماسيون ارتباط هذا الواقع بما يجري في الكويت من مرسوم أميري يقضي بتعديل جزئي في قانون الانتخاب وإدارة الظهر لتظاهرات كبيرة ضمّت قوى إسلامية كويتية جرت العادة أن يتجنّب أمير الكويت الصدام المباشر معها.

وفي هذا السياق يلفت الديبلوماسيّون أيضاً الى الحملة التي تشنّها الصحافة السعودية على رموز إسلامية كرئيس "حركة النهضة" التونسية الشيخ راشد الغنوشي، حيث ذكّرت إحدى الصحف السعودية بحديث له خلال زيارته معهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية في العاصمة الاميركية قال فيه: "إنّ سنة 2012 ستشهد ربيعاً عربيّا في دول الخليج والجزيرة العربية".

وقالت هذه الصحيفة: "إنّ سنة 2012 ستشهد خريفاً للغنوشي ولحركته في تونس"، فيما تشير الأوساط المُطّلعة على نشاط سعودي داعم لخصوم الغنوشي وفي مقدّمهم زعيم حزب "نداء تونس" الباجي قائد السبسي المرشّح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة. وتضيف هذه الأوساط أنّ هناك دعماً إماراتيّاً وكويتيّاً للسبسي وحركته أيضاً.

ويربط الديبلوماسيون المخضرمون أيضاً هذا التغيير في الأولويات في سياسات الدول بهجوم صحيفة سعودية أُخرى على الشيخ يوسف القرضاوي واتّهامه بتسييس الفتاوى، وهي التهمة ذاتها التي وجّهها قائد شرطة دبي ضاحي الخلفان للقرضاوي وجماعة "الإخوان المسلمين".

ويرتبط بهذا، حسب الديبوماسيّين انفسهم، التركيز الإعلامي الغربي على تنامي نفوذ الجماعات المتطرّفة داخل صفوف المعارضة السورية المسلّحة والخوف من وصول الأسلحة الكيماوية السورية الى أيديها، حسب قول الأوساط الغربية، أو خطر هذه المجموعات على الأقلّيات، حسب قول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل يومين.

على أنّ في إعلان الرئيس الاميركي باراك أوباما في مناظرته الثالثة والأخيرة مع منافسه الجمهوري ميت رومني أنّه لن يتدخّل عسكريّاً في سوريا ما يشير الى تفاهم ضمني إنعقد مع القيادة الروسية ستترجم مفاعيله قريباً بعد عودة اوباما الى البيت الابيض، حسب ترجيح معظم استطلاعات الرأي حول الانتخابات الرئاسية الاميركية.

ولعلّ تنصُّل قوى 14 آذار، ولا سيّما منها تيار "المستقبل" من علاقته بالمجموعات المسلّحة التي ظهرت في بيروت، هو محاولة لفكّ ارتباط مع هذه المجموعات لكي لا تتحمّل هذه القوى مسؤولية أعمال تلك المجموعات أمام المجتمع الدولي.

كلّ هذه المعطيات تشير الى أنّ توجّه سفراء الدول الخمس الكبرى معاً إلى قصر بعبدا وإصدارهم بياناً مكتوباً أذاعه ممثل الامين العام للامم المتحدة، يريد أن يعطي رسالة في أكثر من اتّجاه وفي اكثر من قضية، ولقد توّجت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأُوروبي كاترين آشتون موقف الدول الكبرى الداعمة لحكومة ميقاتي والاستقرار في لبنان بزيارتها لميقاتي في السراي الحكومي الكبير غير آبهة لمجموعة الخِيم المرتبكة التي نصبها معتصمون شبّان محدودو العدد قرب هذا السراي في مخالفة صريحة لنداء رئيس تيار "المستقبل" الرئيس سعد الحريري بضرورة إنهاء الاعتصام والعودة الى المنازل.

فهل فهمت القواعد الشعبية في 14 آذار هذه الرسالة الدولية؟

في رأي بعض الديبلوماسيّين أنّ قياديّين من 14 آذار لم يستوعبوا بعد المعاني الحقيقية لهذه الرسالة، ويستمرّون في المكابرة، في حين أنّ أكثر ما يحتاجون إليه هو المراجعة الشجاعة والجريئة لسياساتهم.

  • شارك الخبر