hit counter script
شريط الأحداث

- غريس بعقليني

غلط... ومش غلط...

الخميس ١٥ تشرين الأول ٢٠١٢ - 07:46

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أعترف اليوم بأنّي قسيت في الأسبوع الماضي قليلاً على طبيعة الإنترنت "المحفزّة للوحي" وعدم استمداد الأفكار الجديدة للكتابة منها، مقارنة بالتلفزيون "الضيف العتيق"، كما أسميته، المصدر الكبير له. وها أنّني، وعلى الرغم من استمراريّة عمليّة نفيي عن عالم "المرئي" كون جهازي ما زال في العناية الفائقة، أستلهم "غلط ومش غلط" من الإنترنت والتّواصل الإجتماعي، ومن "الفايسبوك" تحديداً.

"فيليكس بومغارتنر" البطل النمساوي "للحدث" العالمي الذي احتل الشاشات (كما سمعت) ومواضيع "الإبحارات العنكبوتيّة" والأحاديث الجانبيّة والأساسيّة، هو بطل القفز بالمظلّات المنتمي الى قاعدة "الطائر" والذي استطاع ان يكسر رقما قياسيا عمره اكثر من خمسين سنة. فقد قفز عن علو 39 كيلومتراً بسرعة وصلت الى 1342 كلم/س ودخل التاريخ في 14 تشرين الأول 1912.

في المقلب الآخر، وفي إطار الفنون الجميلة كالرّسم والنّحت والكاريكاتور، وصلتنا طريقة فنيّة جديدة للتّعبير، مضحكة مسلّية وفي الوقت نفسه ناقدة مصوّبة وهي "الميم". وكما جرت العادة، اللبناني "الشاطر" يقطفها طازجة، فقد اصبح لنا "ميم لبنانية"! وهي في العادة صور لحيوانات، أطفال أو "كارتون" مع إضافة تعليقات في أعلى وأسفل الصورة تكون فيها الأخطاء الإملائيّة والنحويّة ضروريّة لتطعيمها بنكهة فكاهيّة إضافيّة. وكاراكتير الميم بات معروفاً بغض النّظر عن "جنسيّة" الميم.

حتى الآن، ما زلت ادور في فلك "المش غلط". مش غلط أن نتهكّم على كمٍّ كبير ودسم من الأمور الصغيرة قبل الكبيرة في لبنان، نضخّمها على طريقة الكاريكاتور كي نلقي الضوء عليها ونضعها تحت مجهر الانتقاد حيث الأمل بالعمل على التّصحيح والتقويم. مش غلط لا بل "ضروري وحتمي" أن "يتثقّف" الشباب خصوصاً، بالطريقة التي يفهمون، وبلغة العصر الذي يعيشون، في الوقت الذي كنّا قبلاً نلجأ فقط الى المسرح الضّاحك الناقد والمنتقد لآفات اجتماعيّة أو عادات موروثة أو "خصلات" بشعة وأيضاً سقطات سياسيّة أو لمجلة "الدّبور" العريقة صاحبة الباع الطويل في هذا المجال!

مش غلط أن يهرع اللبناني الى ميم جديد يضع فيليكس النمساوي مقابل أكبر صحن حمص الذي كسر من خلاله لبنان الرقم الذي سجّلته اسرائيل، وهو صحن بوزن 4090 كيلو بينما وصل وزن الصحن اللبناني الى 10452 كيلو. وقتها كان دخول "صحننا" الى كتاب غينيس بمثابة الحدث الوطني الضخم الذي دقّت قلوب اللبنانيّين جميعاً له وانقطعت الأنفاس، فهلّلت للنتيجة نكايةً بعدو لا يكتفي بالحرب الأمنيّة او النفسيّة في بعض الأحيان، بل تجاسر لأن يصل الى العادات والتقاليد والمطبخ، واجهة لبنان السياحيّة!

مش غلط أن تكون هذه المقاربة على سبيل "المزح المغناج" المهضوم. فاللبناني متهكم بطبعه ولولا طبيعته "النّكتجية" هذه، لكان "طقّ" من قهره منذ سنوات عدّة خلت.

ولكن، الغلط أن "يتحسّس" البعض من هذا الميم ومن "متبنّي" لهذا الميم، بمجرد أنّه شاطره مع غيره على جدار "الفايسبوك" للضحك والمزاح. واتهامه هو شخصيّاً بأنّه "الخائن الغدّار" المتجرد من وطنيّته والذي، "على شوي"، يجب سحب بطاقة هويّته اللبنانيّة منه. وهذا ما حصل معي تحديداً. ما أن وضعت الصورة على جداري حتى انهالت عليّ التعليقات الإستفزازيّة عن الأبجديّة الفينيقيّة من جهة، أو ماكسيم شعيا، البطل اللبناني الذي أحبّ وأحترم، وكأنّني مرتكبة "للخيانة العظمى" لا سمح الله... يا جماعة، الفكرة بحدّ ذاتها مهضومة. السرعة التي قطف بها واضع الميم الحدث ليستثمره على سبيل التحفيز لا الهدم! فبذكاء حاد وضع هذا الحدث العالمي مقابل ذاك الحدث الوطني. لا أدافع عمّن ابتكر هذا الميم بل عن نفسي التي تجاسرت "وارتكبت معصيّة الضحك" في زمن مبكي مقيت ومهين لأبعد الدرجات، إن من الناحية الحياتيّة أو السياسيّة أو الوعود الكاذبة أو مهاترات الانتخابات أو أو أو...هل غلط أن نبتسم في زمن كلّ شيء من حولنا في لبنان يشدّ بك نزولاً حتى القعر؟ عندها فقط يضحك الآخرون على "فشلك" فيسرعون الى تركيب "ميمهم" الخاصّة عنك؟

أدوية الحساسيّة كثيرة في السوق. وأنصح بها كلّ من تحسّس وطنيّاً من نهفة ذكيّة بريئة لم تهدف الاّ لزرع ابتسامة باتت غالية علينا جميعاً ولم نعد نستطيع اقتناءها بسهولة.

وسامحونا!

 


 

  • شارك الخبر