hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - هيام القصيفي

استنزاف دموي في سوريا وسياسي في لبنان

الأربعاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٢ - 08:40

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

لم تكد الحكومة تحاول الإقلاع مجدداً، حتى بدأت تنهال عليها جملة استحقاقات ترخي بظلها على الساحة اللبنانية فتزيدها استنزافاً

 

يتجه الوضع السوري يوماً بعد آخر نحو حرب استنزاف، كلما طالت نحت أكثر صوب اللبننة. وفي موازاته يعيش لبنان على إيقاع أزمات مفتوحة على غاربها، كلما طالت اتجهت نحو السورنة، بمعنى حرب الاستنزاف الطويلة. بدا واضحاً أن جميع الأطراف على مختلف انتماءاتهم، سلموا جدلاً بأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وأن سوريا التي يعرفونها لم تعد هي نفسها اليوم. ورغم اختلاف السيناريوات لدى الجهات المعنية، ثمة اعتراف ضمني بأن سوريا مقبلة على استحقاقات داهمة، تراوح بين احتمالات سقوط الرئيس بشار الأسد، أو الذهاب نحو مرحلة انتقالية، أو بقاء الستاتيكو الدموي على حاله إلى أن يتبلور الاتجاه الدولي أكثر فأكثر مع الانتخابات الأميركية.
واستناداً إلى يوميات الحدث السوري، يعيش لبنان على وقع حرب استنزاف بين جميع أفرقائه، من دون أن تتجه أوضاعه إلى تطورات دراماتيكية حاسمة. إذ يتصرف جميع الأفرقاء على أنهم مضبوطون تحت سقف عدم القيام بأي خطوات نوعية كبيرة، تفلت الأمور من عقالها قبل جلاء صورة المنحى السوري. ويتأكد يوماً بعد آخر أن قرار عدم التصعيد ثابت لدى فريقي 8 و14 آذار، فكلاهما لا يذهب بالأمور نحو الانفجار السياسي أو الأمني، ولا يتخذ خطوات كبيرة مفصلية. لا قوى 14 آذار تعمل على إسقاط الحكومة، لا بل تتعامل معها كأمر واقع، وعلى أنها باقية حتى الانتخابات النيابية المقبلة، ولا «حزب الله» المتمتع بقدرة عسكرية، يأخذ البلد نحو التصعيد المباشر والفوري.
لذا، تصبح حرب الاستنزاف واقعاً بكل المعايير المطروحة. هكذا يتحول قانون الانتخاب واحدة من الأدوات المستخدمة لتقطيع الوقت، لا أكثر، ما دام ما قيل قد قيل في المشاريع التي تستنسخ مرة بعد أخرى، فلا يتمكن أي طرف سياسي من التقدم قيد أنملة في جدال عقيم حول أفكار معروفة ولا تقدم جديداً. وحرب قانون الانتخاب مرشحة لأن تطول، ولا يثق أحد من المعنيين أنها ستنتهي قبل نهاية السنة. لأن الاتفاق الضمني يقضي بدفع الأمور نحو حدها الأقصى حتى استنزاف المهل واللحظات الأخيرة في سوريا ولبنان، لأنه حينها فقط يصبح القانون المتوافر هو الأفضل، ولا سيما أن إشارات الزعماء المعنيين حول القانون الانتخابي الذي يحبذونه، تبدو متناقضة في المحافل السياسية بحصسب اتجاهاتها، لارتباطها باستحقاقات أكثر عملانية. فما يقال في الصالونات السياسية الداخلية للطوائف والقوى السياسية الأساسية، هو غيره الذي يقال عبر وسائل الإعلام.
وكما في قانون الانتخاب، كذلك في تسيير شؤون الحكومة التي تعاملت مع نفسها في الأشهر الأخيرة، وكأنها حكومة تصريف أعمال، أكثر منها حكومة فاعلة. ولا يتعامل المتابعون للمسيرة الحكومية مع اندفاعتها الجديدة على أنها مسار إداري محض. فرغم أنها انطلقت تطبيقاً للاتفاق الذي أقر بين مكوناتها بعد خلافات عاصفة، تبدو الاستفاقة الحكومية أكثر ارتباطاً بالمرحلة المقبلة، تحسباً لأي تطور إقليمي ينعكس على لبنان. وأفرقاء الحكومة المنضوون في محور حلفاء سوريا، والذين يتعاملون مع هذه المستجدات على أنها من مستلزمات تسيير أمور البيت الحكومي وتحصين أوضاع الأحلاف الداخلية، يحاولون تجميع الأوراق حتى يبقى في أيديهم ما يمكن التفاوض عليه لاحقاً. وهم يدركون تماماً أنهم أمام مواجهات مستقبلية حاسمة، وأن ما بدأ يظهر من تداعيات إقليمية على لبنان ليست سوى رأس الخيط، لكنها تبقى محكومة بسقف أمني أقله حتى اتضاح الصورة السورية. من هنا جاء السجال حول السلاح والاستراتيجية الدفاعية، وما دار حول كلام الرئيس ميشال سليمان في جولته على عدد من دول أميركا اللاتينية، ليضيف عنصراً خلافياً جديداً مرشحاً للتفاعل مع تحليل معطيات كلام سليمان وخلفياته الرئاسية وارتباطه بالمنحى السوري، ولا سيما مع اقتراب موعد طاولة الحوار. وكذلك الأمر بالنسبة إلى فتح الملف الحدودي المرشح أكثر فأكثر للانفجار، بين حدي الضغوط الدولية لتسهيل أوضاع «الجيش السوري الحر» وعدم تقييد حركته لبنانياً، وبين محاولات استمرار الحكومة بسياسة النأي بالنفس وعدم وضوح قرارات السلطة السياسية في شأن ضبط الحدود وعدم زج لبنان في أتون الصراع السوري.
واستكملت حلقة التقييد مع تقارير تلفزيون «العربية»، التي لم يتعامل معها أفرقاء الحكومة على اختلافهم بجدية منذ أن بثت، سواء بالنسبة إلى مسؤولية الجيش عن حادثة الكويخات أو بالنسبة إلى علاقة حزب الله باغتيال النائب جبران تويني. ورغم أنه يتأكد يوماً بعد آخر أن الخلفية السياسية العربية لما يحدث أوسع مدى مما اعتبره بعض اللبنانيين، فإن ذلك يعيد تأجيج الأمور على نحو مغاير للمرحلة السابقة، بحيث يعود فتح ملف المحكمة الدولية مجدداً، ما يضع الحكومة، وحزب الله أحد مكوناتها، أمام تحديات مختلفة تتعلق بالعقوبات والضغوط العربية والدولية على لبنان، الأمر الذي من شأنه أن يزيد عوامل التجاذبات المحلية ويرفع سقف التوترات في الأشهر القليلة الفاصلة عن موعد بدء المحاكمات في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في آذار المقبل. والتحدي يكمن في قدرة الطرفين على العبور بلبنان في حقل الألغام بأقل الأضرار كلفة كما حصل حتى الآن.

  • شارك الخبر