hit counter script

- جهاد الملاح

في صناديق الاقتراع ما يستحق الفداء!

الجمعة ١٥ تشرين الأول ٢٠١٢ - 08:24

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تخوض الساحة السياسية اللبنانية معارك ضارية بشأن قانون الانتخاب، فتمتلئ باجتهادات وحجج وبراهين من كل حدب وصوب، لتجرّ خلفها شعباً، سقط في الصراع على ألقاب القانون المنتظر، بين الأفضل والأنسب والأكثر تمثيلاً، بينما نسي وسيبقى ناسياً، أن للانتخابات توأماً اسمه "البرامج"، يعود إلى القرن السابع عشر في أقلّ تقدير، ومن دونه لا يبلغ أي صندوق اقتراع قيمة الإنسان ولا يرقى أي صوت إلى مصاف المواطنية.

لا شك أن المواطنية لا تزال في أسفل السلّم اللبناني، بينما تسرق الطائفية كل الهوية وتختزل ملامح الوجوه. لكن هل يُعقل أن تصل استباحة المواطن إلى درجة إهمال البرامج الانتخابية الحقيقية والفعلية، بالشكل الصارخ الذي اعتاد عليه لبنان؟ وكيف يمكن لشرائح شعبية من المفترض أنها على تماس مع الحد الأدنى من فكرة الديمقراطية، أن تقبل بجدل انتخابي ليس فيه، وبالطبع لن تكون فيه، مراجعة وخطط اقتصادية وتنموية مفصّلة وواضحة المعالم، أو خطط سياسية منطقية تدفع نحو الأمن والاستقرار؟

لعلّ أحد الأجوبة على ذلك، عبارة غريبة: "في انتخابات لبنان، لا مترددين". فالمعارك الانتخابية التي تتوالى في الدول الديمقراطية، بين أفكار ودراسات وبرامج ومناظرات وحملات منظمة ومدروسة، تستهدف في معظمها الناخبين المترددين، الذين لم يحسموا أمرهم، أو الذين من الممكن أن يغيروا رأيهم.  

أما في لبنان، حيث الكثير يعتبر نفسه "غير ساذج" و"أذكى" من مواطني بعض الدول الأخرى، فإن السياسة قد طوّعت العقل وقيدّته داخل مواقف مطلقة، نزعت عن المواطن المرونة الفكرية التي تقتضيها المحاسبة السياسية ويتطلبها التفاعل الاجتماعي. كما صنعت هذه السياسة عبيداً لكل فريق، يبصمون ويسلّمون فوراً، ولا يؤمنون بالبرامج، ولا بالسؤال عن مصير أي برنامج سابق تمّ إعلانه سهواً. وبالتالي، لا حاجة للسياسيين بترف البرامج الانتخابية، التي قد تُدخلهم وتدخل الشعب في متاهة السؤال عن العيش والمستقبل والأرض والوطن.

إلا أنه إذا كان "الإيمان" بالخطّ السياسي مشروعاً ويبرّر تسليم الصوت لرعاة هذا الخطّ، ألا يستحق "المؤمن بالخطّ" بعضاً من الوعود الصادقة والبرامج التفصيلية والخطط المجدولة زمنياً، حول تعزيز الاقتصاد والأمن الاجتماعي والبدء بالتنمية ومحاربة الفساد؟ أم أن كل ناخب سيأكل ويشرب من خانة الطائفة على سجلّ نائبه؟

وأكثر من ذلك، إذا كان النظام اللبناني لا يزال عصياً على الإصلاح، وعاجزاً عن مقارعة سرطان التقسيم الطائفي الذي يغلب على الانتخابات، ألا يستحق الناخب من طائفته على الأقلّ، برنامجاً انتخابياً واضحاً، يعطيه أملاً بحياة أفضل وبعيش يحفظ له كرامته في وطنه ويمنع عنه شبح التشتت في أصقاع الأرض؟

إن الانتخابات ليست غاية بحدّ ذاتها، وقانون الانتخاب لا يشكّل هدفاً مطلقاً، بل هما الطريق لصناعة نواب يمثلون الشعب ويعملون من أجله. وقد شاء القدر أن يكون هذا الشعب "مخلصاً"، يدافع عن بنات أفكار ساسته حتى طلوع الفجر، ويحمي بدمائه أي قانون يريدونه، كما يرجمه في اللحظة التي يتغير فيها مزاجهم. وهذا "الإخلاص" يستحق برامج انتخابية تردّ جزءاً من الجميل.

لكن ربما لم يحن الآوان بعد في توقيت أهل النظام اللبناني، لحق الناخب وترف المواطنة، كما يبدو أنه لم يحن بعد في توقيت المواطن نفسه، الذي ربما لا يعرف أن من حقه وواجبه المطالبة ببرنامج انتخابي مفصلّ ومطبوع، حتى لو كان المرشح من عائلته وحزبه ومن أقرب الناس إليه.

ويكفي أن يتخّيل، من يريد أن يتخيّل، مناظرة بين رئيسي لائحتين انتخابيتين في منطقة لبنانية، تخوض في السياسة والاقتصاد والبرامج والحلول والخطط. بالطبع، قد يتفاعل الجمهور مع هذه المناظرة، وربما يسأل ويناقش ويُفنّد، ليثبت أنه "حربوق"، لكنه في النهاية، سيستفيق من "كابوسها" ويعود إلى الخطّ والطائفة، فتصبح المناظرة وكأنها لم تكن.

وإلى أن يتغيّر الزمن في لبنان، فإن البرامج الانتخابية، حتى لو فرضها القانون المنتظر، وتمّ وضعها ثم دراستها وتفنيدها من الاختصاصيين والمحللين، فستُرمى في سلة المهملات، لتمرّ أربع سنوات جديدة والناخبون يسخرون من فقرهم ومأساتهم، لكن يبتسمون ويعلنون مجدداً أن في صناديق الاقتراع ما يستحق الفداء.

 

 

  • شارك الخبر