hit counter script
شريط الأحداث

- جهاد الملاح

"مقاطعة" على طريق الاستهتار

الجمعة ١٥ أيلول ٢٠١٢ - 00:52

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لم يكد خبر الفيلم المسيء إلى الإسلام ينتشر، بعد اكتشافه على بعض المواقع الإلكترونية، حتى خرجت دعوات لمقاطعة هذه المواقع، انطلاقاً من فكرة مفادها أن النجاح في المقاطعة سيؤكد رفض الإساءة ويظهر مدى قدرة المسلمين على الردّ عليها.

إلا أن هذه الدعوات ما لبثت أن تحوّلت إلى دعوة عربية للمقاطعة لمدة يومين فقط، ليمرّ اليومان دون أي خبر عن تأثير سيئ على المواقع، ما يعني عدم التزام الشريحة الأكبر من المسلمين والعرب بالمقاطعة. فهل سقط المسلمون في الامتحان؟ وهل أن عدم القدرة على المقاطعة، والتنازل إلى مقاطعة "اليومين"، تعنيان، كما حاول البعض "التهويل"، أن المسلمين متعلقون بتلك المواقع أكثر من التعلق بالإسلام ونبيّه؟
إن أحد أوجه المأساة في هذه القضية يكمن في الربط غير المنطقي بين القدرة على مقاطعة المواقع الإلكترونية المعنية وبين الانتصار للإسلام، وبالتالي السقوط في فخ المراهنة غير الضرورية، بل والخاسرة في الشكل قبل المضمون، خصوصاً أن الكثيرين انشغلوا بتعميم دعوات المقاطعة، عبر استخدام المواقع الإلكترونية ذاتها أو أخواتها من الأب والأم.
وللمفارقة، فإن ما يجري يعيد إلى الأذهان الجدل الذي دار في العالم العربي، أواخر تسعينيات القرن الماضي، بشأن التعامل مع العولمة ووجوب المشاركة فيها أو الابتعاد عنها، والذي كان يملأ المقالات الصحافية والأحاديث الإعلامية، مروراً بالخطب الدينية، ووصولاً إلى محاضرات الجامعات وحتى مواضيع الإنشاء في المدارس.
وظهر تباعاً أن ذلك الجدل العربي كان عقيماً ولم يؤثر في كون العولمة قدراً محتوماً. لكن للأسف، لم توضع دراسات ومحصّلات واضحة تشرح هذا الأمر وتُنهي الجدل بطريقة صحيحة، كما تنتج مقاربات عَمَلية تسمح بالتعامل العربي الصائب مع مظاهر العولمة التي اجتاحت زوايا الأرض، فتمنع بالتالي، من إطلاق شعارات تكون عاجزة عن التفريق بين انتهاج المقاطعة السياسية وبين المغامرة بإعلان المقاطعة الإلكترونية.
مرّت السنوات منذ ذلك الجدل وكأن شيئاً لم يتغير، فأتى الفيلم المسيء ليواجَه بأوهام المقاطعة ذاتها، التي مهما تبدّلت عناوينها، تبقى تُعبّر عن طغيان وفوضى في المنهجية الفكرية للطبقة الحاكمة سياسياً ودينياً، تجعل الإنسان العربي يدور في حلقة مفرغة، يصرخ ضد المسيء وضد المحتلّ، ولا يسمع إلا صدى صوته.
وللعلم، هي ذاتها المنهجية الفكرية التي حكمت المقاطعة العربية الاقتصادية لإسرائيل، والتي ظلّت الأخيرة تواجهها منذ الخمسينيات وتفتّتها تدريجياً، بينما عجزت الجامعة العربية على سبيل المثال، على التصدي لقانون أميركي جرّم عام 1977، الشركات التي تتجاوب مع مقاطعة إسرائيل، وحتى على إرغام شركة مثل "كوكا كولا" بهذه المقاطعة، إذ رضخ لها معظم العرب واستقبل منتجاتها أواخر السبعينيات.
أما المأساة الأكبر، فهي أن الفشل العربي في استيعاب مفهوم "الحقوق" الفردية داخل الدولة، انسحب على الحقوق التي قدّمتها العولمة للمواطن العربي في الكيان العالمي. فالكثيرون يستخدمون المواقع الإلكترونية بشكل عفوي وتلقائي، دون أن يفقهوا توصيفاً أساسياً بأن هذه المواقع قدّمت لهم حقوقاً، وأصبحت وكأنها ملكية عامة، لكل إنسان على وجه الأرض حصة فيها، والحق في استخدامها لإيصال رسالته.
وفي النتيجة، يستخدم البعض المواقع الإلكترونية لنشر دعوات إلى مقاطعتها، فيدفع إلى مقاطعة ملكية عامة، له الحق في أن يستخدمها لإيصال ملايين الرسائل المكتوبة والمصوّرة بكل اللغات، تظهر الوجه الحقيقي للإسلام. وبالطبع، إن هذا الاستخدام أكثر تأثيراً من مقاطعة من شأنها أن تمنع التواصل لـ"تصحيح الصورة" لدى شعوب العالم، ومن أحاديث الفتنة والنار وأفعال القتل والحرق والدمار.
العولمة الإلكترونية بمواقعها وقنواتها وهواتفها وبريدها، أصبحت حياة يومية، مثل الشمس التي تشرق والمساء الذي يُنتظر. وقد أثبتت التجربة أنها أكثر عدالة مما توهّمته أحاديث التسعينيات الجدلية، فهي عبارة عن ملكية عامة وحقوق مكتسبة، ذات قدرة هائلة على إضاءة الشمع ولعن الظلام معاً. وهي فرصة كبرى للشعوب العربية التي احتُلَّت وقُتِلت وسُرِقت وأهينت ثم صُوّرت في منظر الإرهابي والجلاد. فأما كفى استهتاراً بالفرص والحقوق؟

  • شارك الخبر