hit counter script
شريط الأحداث

- جهاد الملاح

ومِن المسلمين... منَ لا يقتل الدين مرتين

الجمعة ١٥ أيلول ٢٠١٢ - 05:36

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أتى الفيلم المسيء إلى الإسلام ليسجّل محطة جديدة من الاستفزاز الديني، الذي تصاعد في السنوات الأخيرة، على جبهات الدين والإلحاد وبين أنصار الأديان والمذاهب، فتكرّرت مشاهد الاحتجاجات الشعبية العنيفة، بحجة الغيرة على الدين الإسلامي، ومن منطلق أن الإيمان بالدين يفرض الدفاع التلقائي والمباشر ضد كل ما يمسّه.

إلا أن الحدث اللافت في المشهد العام، كان وعي وعقلانية الكثير من الشباب المسلم، الذي وفرّت له مواقع "التواصل الاجتماعي"، منبراً لإبداء آرائه في ما يجري، أمام المجتمع وأمام الغرب، بعد أن كانت هذه الآراء تضيع، خلال أحداث سابقة مماثلة، في مهبّ الصور العنيفة. بالتالي، أسهم التطور الإلكتروني في إظهار الوجه المشرق من الشباب المسلم، الذي يحبّ دينه، ويحرص على تطبيق تعاليمه بشكل صحيح.
فأولاً، كشفت التعليقات أن الكثير من هذا الشباب يتقن معنى الغيرة الحقيقية على الدين، التي تعني الحرص على عدم جرّه إلى مستوى الاستفزاز الذي أرادته مجموعة من المنحرفين، صنعت فيلماً عبر أكاذيب وأضاليل صارخة بحق والإسلام ونبيّه وضمّنته تشوهات فكرية وسخريات فارغة من الشكل والمضمون وخالية من أي قيمة إبداعية أو فنية.
وقد بدا الكثير من الشباب واعياً بأن الغيرة الحقيقية على الدين الإسلامي وتعاليمه، تفرض الحرص على عدم تحويل الاحتجاج على فيلم رخيص لم يتبناه أي دين أو دولة أو حزب، من صراع مع بعض اللادين إلى صراع بين الأديان، فيُقتل الدين باسم الدين وتُهان التعاليم السماوية.
ثانياً، عندما يُسجّل شباب يافع عبارات "إلكترونية" تسأل عن مغزى قتل الأميركيين الأربعة في بنغازي ومحاولة البعض ترهيب الأقباط وتدمير الممتلكات العامة، فذلك يعني إنه شباب يفقه تعاليم الإسلام ورسوله والقرآن المنزل، الذي يقول: {ولا تزِرُ وَازرةٌ وزْرَ أُخْرى}. وهي تعاليم تغيب عن كثير من رجال الدين المسلمين السنة والشيعة، الذين لا يقومون بدورهم الحقيقي، ولم يعرفوا بعد أن العمامات و"الطرابيش" ليست للزينة.
ثالثاً، يسأل بعض الشباب المسلم، على "فيسبوك"، لماذا لا ينتفض المتظاهرون من أجل القيم الإسلامية التي تداس في دول العرب والمسلمين، عبر القتل والذبح؟ وهو سؤال حق، ويراد به حق.
فإذا كانت الاحتجاجات الشعبية العنيفة تبرّر نفسها وتستلهم شرعيتها من الانتماء إلى الإسلام، أليس حرياً بهذا الانتماء أن يحرّك احتجاجات يومية لا تتوقف، وتستكمل الثورات حتى النهاية، ضد القتل والظلم، وضد النفاق السياسي الرسمي العربي، وضد كبت الحريات والاستعباد الذي يمارسه الساسة العرب بحق المواطنين، وضد الأمية والحكم السيئ والفساد والفقر والبطالة وغياب التنمية وسرقة ثروات الأوطان والشعوب، وضد المستقبل المجهول والأجيال التائهة، وضد كل من ينشر الطائفية والمذهبية؟
يجاهر البعض بأن الاحتجاجات العنيفة الحاصلة هي تحركات شعبية عفوية وغير منظمة، معتبراً أن هذا الأمر يزيد من أهميتها. لكن الحقيقة أنه إذا صدق ذلك، فهو قمة المأساة، لأنه يكون قرينة على عدم نضوج الوعي الشعبي العام وعلى طغيان الفهم الخاطئ للإسلام على الفهم الصحيح والعاقل. وبالتالي، تصبح عملية تنظيم الاحتجاج، عبر الندوات والوقفات السلمية، ضرورة للجم الفوضى، وسحب المبادرة من الذي يتحرك غرائزياً وعشوائياً، وممن يخاف أن يقع في "الإثم" إن لم يتظاهر ويكسّر ويدمّر!
فالاعتصامات السلمية والشموع واللافتات أكثر تأثيراً من الحناجر المحترقة ومن الأيادي المشاغبة ومن أحاديث الثأر والانتقام، ومن شأنها أن تردّ الصاع صاعين، إذ سترفع من سمعة الإسلام وقيمه وتجلب تضامناً عالمياً ضد كل من يسيء إليه.
بالطبع، ربما لا يكون من السليم تحميل مجاميع شعبية "غاضبة" عبء العقلانية والتفكير المنطقي ومسؤولية الحرص على الدفاع عن الإسلام دون الوقوع في فخّ تشويه صورته. لكن أين دور رجال الدين والدولة، في العمل على وضع حدّ لاحتجاجات تنتقم للدين عبر الإساءة إليه؟ أم إن خلف الأحداث قصة تبحث عن حبكة، وعن خريف لربيع العرب؟
 

  • شارك الخبر