hit counter script

خطبة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني في عيد الفطر

الأحد ١٥ آب ٢٠١٢ - 10:12

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ألقى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني خطبة عيد الفطر السعيد في مسجد محمد الأمين في وسط بيروت، وأم المصلين في حضور رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، وزير الاعلام وليد الداعوق، وزير التربية والتعليم العالي حسان دياب، الوزير السابق رئيس مجلس الخدمة المدنية خالد قباني، النائب عماد الحوت، رئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي، رئيس اتحاد جمعيات العائلات البيروتية محمد خالد سنو، المدير العام لمستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت الدكتور وسيم الوزان، سفراء بعض الدول العربية والإسلامية وممثلين عنهم، أعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، علماء، قضاة شرع وحشد من الشخصيات.

وقال مفتي الجمهورية في خطبة العيد: "الحَمدُ للهِ الذي مَنَّ علينا بهذهِ الصَبيحةِ المــُبارَكة، وَوَفَّقنا لطاعَتِه ورِضَاه، وأشهَدُ أن لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ المــَلِكُ الحَقُّ المــُبين، وأشهَدُ أَّنَّ محمداً رسولُ اللهِ الصَادِقُ الوَعدِ الأمين، أرسَلَهُ اللهُ بالإسلامِ والقُرآنِ رحمةً للعالَمين، فأدَّى الأمانةَ وبلَّغَ الرِّسالة، فَصَلِّ اللَّهُمَّ علَيه صلاةً تُحيِي بها مَواتَ قلوبِنا، وتوقِظُ بها غَفلَةَ نفوسِنا، وارضَ اللَّهُمَّ عَنَّا لنَكونَ مِن عِبادِكَ الصالِحين.
أمَّا بعدُ: عبادَ اللهِ فاتَّقوا اللهَ الذي إليهِ تُرجَعون، وَاعلَموا أنَّ عيدَ الفِطرِ في الإسلام، هوَ عيدُ الفَرَحِ بإتمامِ صَومِكُم شَهرَ رمضانَ المــُبارَك، وبغُفرانِ ذنوبِكُم فيه، لقَولِ نبيِّكُم محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "مَن صامَ رمضانَ إيماناً واحتِساباً غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ مِن ذَنبِه"، وفي هذا الفَرَحِ يقولُ نَبيِّكُم ورسولُ اللهِ إليكم محمدٌ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم: "لِلصَّائِمِ فرحتان يَفرَحُهما: فَرحَةٌ عندَ فِطرِهِ، وفَرحَةٌ عندَ لِقاءِ رَبِّه".
وما أَحوَجَنا نحنُ المسلمينَ اليوم، إلى أن نَفهَمَ أعيادَنا فَهماً صَحيحاً وسَليماً، كَما أرادَها اللهُ لَنا في الإسلام، حتى نستفيد من حِكمَتِها في حياتنا اليَوميَّة:
_ فعلينا أن نُدرِكَ أنَّ العيدَ في الإسلام هوَ المــَعنَى الذي يكونُ في يومِ العيد، ولَيسَ هوَ اليومُ نَفسُه.
_ العيدُ في الإسلام، هوَ عيدُ الأُمَّةِ العابدَة، لاَ عيدَ الأُمَّةِ العابِثَة.
_ العيدُ في الإسلام، هوَ عيدُ إثباتِ الأُمَّةِ وُجودَها الروحِيّ، لاَ وُجودَها المــَادِّيِّ والحَيوانِيّ.
_ العيدُ في الإسلام، هوَ عيدُ إشعارِ الأُمَّةِ بأَنَّ فيها قوَّةَ تَغييرِ الأيام؛ لاَ إشعارَها بأنَّ الأيامَ تَتَغَيَّر، لقَولِ اللهِ تعالى في القُرآنِ الكَريم: "إنَّ اللهَ لا يغيِّرُ ما بقَومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفُسِهم".
_ العيدُ في الإسلام، هوَ يومٌ تَعرِضُ فيه الأُمَّةُ جَمالَ نِظامِها الاِجتِماعِيَّ؛ محَبَّةً ومَوَدَّةً، وتَعاوُناً وتَعاطُفاً وتَراحُماً، لِلأمِّ والأَب، وللزوجةِ والوَلَدِ، ولِلأَخِ والأُخت، ولِلصَّديقِ والجارِ ولِذِي القُربى، والأرملةِ واليَتيمِ والفقيرِ والمسكينِ وابنِ السَبيل.
أيها الإخوة المؤمنون،
لقد خَرَجَ الصائِمونَ اليومَ من صَومِهِم في يَومِ عيدِهِم: أَصلَبَ عَزماً، وأقوَى قلباً، وأصدَقَ تَجرِبَةً لمشاكِلِ الحياة، وأكثَرَ أمَلاً في اقتِحامِ صِعابِها، لقد غالَبَتهُمُ المادةُ في صَومِهِم فغَلَبوها، وحاوَلَتِ الشَهَواتُ أن تَستَعبدَهم فاستَعبَدوها، فأَيُّ شيءٍ يقفُ اليومَ أمامَ عزيمَتهم؟ وأيُّ شَيءٍ بعدَ اليوم يخفِضُ من عالي هِمَّتِهم؟
إن شَيخوخَةَ الشيوخِ من الذينَ صَاموا رمضان لتَتَحدَّى جلادَةَ الشبيبةِ اليوم، في بَعضٍ منَ الناس فَـــرُّوا منَ الميدان، وهَربوا من صَومِ رمضانَ هروبَ الجبان، فأَفطَروا ولَم يَصوموا.
مسكينٌ من لم يُجرِّب تجربةَ الصومِ في رمضان، إنه لَم يَذُق لذَّةَ هذا الاِنتصارِ، وما أدراكَ ما هذا الاِنتصار، إنهُ انتصارٌ يَسمو على كلِّ انتصار، أرَأيتَ حينَ تنتَصرُ على عدوِّكَ المجهَّزِ بالسلاحِ والعَتاد؟ المؤَيَّدِ بالحلفاءِ والأنصار؟ إنهُ معَ ذلكَ انتصارٌ رخيصٌ بالنسبةِ إلى هذا الاِنتصار الذي تُحقِّقُهُ على نفسِكَ بصَومِكَ في شهرِ رَمضان، ذلكَ أنكَ حينَ تُصارِعُ عدُوَّكَ فإنَّكَ تُصارعُهُ وقد جنَّدتَ لهُ كلَّ قوَّتِكَ، عقلَكَ وقلبَكَ، شَهوَتَكَ وغضَبَك، حِسَّكَ وَوِجدانَكَ وأنصَارَك.
أما حينَ تُصارِعُ نفسَكَ التي بينَ جَنبَيكَ، فإنَّ أكثَرَ هذِهِ القِوَى تَخذُلُكَ وتَتَخلَّى عنكَ وتَترُكُكَ وحيداً في الميدان، فإذا انتصَرتَ على نفسِكَ بالصَّوم، فقد بَرهَنتَ على أنَّ فيكَ عُنصُراً سَماوِياً نَبيلاً، وأنَّ فيكَ جُندياً مَن جُنُودِ الله، ويومئِذٍ يفرَحُ المؤمنونَ بنَصرِ الله.
أيها الأخوة المؤمنون:
يَحِلُّ اليومَ علَينا عيدُ الفِطرِ في بيوتِنا، ولكنَّ العيدَ في نفسِ الوَقت يَغيبُ عاماً آخَرَ عن وَطَنِنا لبنان، فكَيفَ للمُواطِنِ أن يفرحَ في العَتمة؟ كيفَ لهُ أن يفرحَ وهو جائعٌ وعاطِلٌ عنِ العَمَل؟ كيفَ يفرحُ والطرقاتُ معَرَّضةٌ للقَطعِ في كلِّ حين؟ كيفَ يفرحُ وخَطرُ الـمَوتِ برصاصةٍ طائشةٍ يُلاحِقُه؟ كَيفَ يفرَحُ ورياحُ الفتنَةِ بدأَت تَهُبُّ على وَطَنِهِ لبنانَ رُوَيداً رُوَيداً قبلَ عواصِفِها الآتية؟ كَيفَ للمواطِنِ أن يفرَحَ والمسئولونَ الذينَ تَصَدَّوا لتَمثيلِهِ وَانبَرَوا للدِّفاعِ عنهُ قدِ انقَطَعوا عن الحِوارِ فيما بينَهم؟ كيفَ لهُ أن يفرَحَ بعد أن تحوَّلَ من مواطنٍ في بلَدِهِ، إلى مجرَّدِ رقَمٍ في أَعدادِ المؤيِّدينَ لهذا الزَّعيمِ أو ذَاك؟ رقماً من أرقامٍ يُتداوَلُ بها في بورصَةِ السياسةِ التي يربَحُ فيها الساسَةُ، ويَخسَرُ فيها الوطنُ والمواطنونَ؟ كيفَ للمُواطِنِ أن يفرحَ ومشاكِلُ العالَمِ تُستَورَدُ إلى أَرضِهِ، في حينِ أنَّ مشاكِلَ لبنانَ تَكفي العالَمَ بِأَسرِه؟
أيها الإخوةُ المؤمنون، أيُها اللبنانيون:
إنَّ الترَدِّي الذي نَتَخبَّطُ فيه كلَّ يومٍ في وطننا لبنان، ليسَ مسؤوليةَ رئيسٍ حاليٍّ أَو رئيسٍ سابِق، وليسَ مسؤوليةَ حكومةٍ حاليةٍ أو حكومةٍ مَضَت، إنَّ هذا الترَدِّي هوَ مسئوليةُ كلِّ واحدٍ منكم، هوَ مَسئوليةُ كلِّ لبنانيٍ ارتَضَى ويرتَضي الظُلمَ في وَطَنِه، هوَ مسئوليةُ كلِّ مواطنٍ لم يُطالِب بِحقوقِهِ ولم يَقُم بواجباتِه، هوَ مسئوليةُ كلِّ مُواطِنٍ كارِهٍ لِغَيرِ طائفَتِهِ، أو لِمَن يُغايِرُهُ في تَطَـلُّعِهِ السياسيّ؛ التَّرَدِّي اليومَ هوَ مسئوليةُ كلِّ سياسيٍّ يُحرِّضُ الناسَ ضدَّ بعضِهِم، وكلِّ زعيمٍ يدفَعُ الناسَ لنَبشِ القبرِ الذي سيرقُدُ فيه الوَطن.
وتَوريطُ الشارعِ اللبنانيِّ اليومَ بالتَّقاتُلِ في الشارِع، على خلفيةِ صراعاتِ المنطقةِ مِن حَولِنا حرامٌ ومَمنوع، ومَسئُوليَّةُ السَّاسَةِ ومن جميعِ الفُرَقاء هيَ كَمَسئوليةِ الجَيشِ تماماً، في مَنعِ أَيِّ مُحاوَلَةٍ للدَّفعِ بالخِلافِ السِياسيِّ إلى الشارِع، لأَنَّ كلَّ محاوَلةٍ من هذا النَوعِ تحتَ أَيِّ عنوان، ومِن أيِّ جهَةٍ أَتَت هيَ مَشروعُ فتنةٍ ومَقتَلَةٍ في البلاد.
أيها اللبنانيون:
في كلِّ مرةٍ تقطعونَ فيها طريقاً، فإنكم تُدَمِّرونَ جُسوراً للتواصُلِ بين أَطيافِكُمُ المختلفةِ في هذا الوطن، وفي كلِّ مرةٍ تحمِلونَ فيها السلاحَ تهويلاً فإنَّكم تغتالونَ وطناً بأكمَلِه، هُوَ هذا الوَطَنُ لبنانُ وطَنُكم، اعمَلوا لهُ تجدونَهُ لكم.
وها نحنُ اليومَ على عَتَبةِ عامٍ جَديدٍ نَتَهَيَّأُ فيهِ لِدَورةٍ جديدةٍ للانتخاباتِ النيابية، وإنَّ الانتخاباتِ النيابيةِ أيُها الإخوة، هيَ فرصةٌ للتَّطويرِ وتحسينِ التَمثيلِ لكم في المجلسِ النيابيّ، فلا تقبلوا بقانونٍ سابقٍ قد أوصَلَنا إلى واقعٍ نحنُ اليومَ في ظِلِّه، ولتَرفُضوا كلَّ قانونٍ يُرادُ إسقاطُهُ علينا اليومَ من المجهول، فلِلسِّياسيِّينَ مصالحهُم من هذا وذاك. وأما خلاصُ لبنان، فلا يكونُ إلاَّ في قانونٍ انتخابيٍ يتَمثَّلُ اللبنانيونَ من خِلالِهِ تمثيلاً حقيقياً وصحيحاً، فلا يَلغِيَنَّ أحدٌ غيرَهُ في مَنطقةِ تَمثيلِه، ولا يَستأثِرَنَّ أحدٌ بحقِّ تمثيل الفئةِ التي ينتمي إليها دونَ غيرِهِ مِن أبناءِ تلكَ الفئة، ففي كلِّ فئةٍ رأيٌ ورأيٌ آخَرَ لا يجوزُ إسكاتُهُ أَو إلغاؤُهُ.
نَحنُ لا حاجَةَ لَنَا بِقانُونِ انتخابٍ يُلغي الآخَر، أو يَسحَقُ الآخَر، أو يَختَزِلُهُ أو يَبسُطُ نفوذَهُ عليه، بَل نريدُ قانونَ انتخابٍ يؤمِّنُ التمثيلَ الصحيحَ والعِلمِيَّ والعمَليَّ للجميع، ليكونَ اللبنانيونَ جميعُهُم تحتَ قُــبَّةِ المجلِسِ النيابيّ، لا بعضُهم في المجلسِ وبعضُهم في الشارع، فالاحتكامُ للمجلسِ لا للشارع، وليس في لبنانَ مَن لا صَوتَ له، وعلى المجلسِ النيابيِّ القادِم أن يكونَ صدَىً حقيقياً لصوتِ الشَّعبِ اللبنانيّ، كُلِّ الشعبِ اللبنانيّ، وهذا هوَ جَوهَرُ اتفاقِ الطائِف.
أيُها الإخوة: إنَّ الأخطارَ التي تَتَهَدَّدُنا اليوم، هي الأخطارُ نَفسُها التي تتهدَّدُ الأُمةَ العربيةَ والإسلاميةَ وشُعوبَها، وهي تدعونا إلى أن نتَوَحَّدَ حَولَ ميثاقِ مكةَ المكرَّمة، الذي دَعا الأُمةَ إلى وقفةٍ صادقةٍ معَ النَفس، وحثَّ العربَ والمسلمينَ في العالَمِ على دَرءِ الفِتَنِ الطائِفيةِ والمذهبيةِ، وعدَمِ الوُقوعِ في أوحالِها، وإلى الأخذِ بأسبابِ الوَحدَةِ والتَعاوُنِ فيما بَينَهُم، وإلاَّ فإنَّ الخَطَرَ لَن يَستَثنيَ أحَداً أبَداً.
أيها الإخوةُ المؤمنون:
هذا العيدُ عيدُكم، فاغتَنِموا من العيدِ فرحَتَه، واجعلوا منها فرحةً تَعُمُّ الجميع، فَلْتَصِلُوا مَن وَصَلَكُم ومن قطعَكُم من الأهلِ والأَقرباءِ والأَصدقاء، ولتَعطِفوا على أزواجِكم وأبنائِكم وبناتِكم، ولتَرحَموا ذَوي القُربَى واليتامَى والمساكين، ولتُحسِنُوا إليهم، وإلى كلِّ نازِحٍ سوريٍّ في ضِيافَةِ وطَنِكُم فهُم إخوَتُكُم، وكونوا لَهُم كالأنصارِ من أهلِ المــَدينةِ المنورة يُحِبُّونَ مَن هاجَرَ إلَيهِم، وأُوصيكُم بِسُنَّةِ نبيِّكُم محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بصيامِ ستَّةِ أيامٍ من شَهرِ شوَّال بعدَ يومِ الفِطر، تَـجِدونَ ثوابَها عندَ رَبِّكُم في يومٍ لا ينفَعُ فيه مالٌ ولا بَنُون إلاَّ مَن أتَى اللهَ بقَلبٍ سَليم، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكَّلت، وإليه أُنيب، وهو ربُّ العرشِ العظيم، أقول هذا القَول وأستَغفِرُ الله العظيمَ لي ولَكُم.

زيارة الضريح

وبعد الانتهاء من خطبة العيد، زار ميقاتي وقباني ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث قرأ الفاتحة عن روحه الطاهرة ورفاقه الأبرار.

ثم توجها سويا الى دار الفتوى وقدم ميقاتي لقباني التهاني بعيد الفطر السعيد، وتمنى له وللمسلمين وللبنانيين عيدا مباركا، وبادله المفتي قباني التهنئة، وتمنى لميقاتي التوفيق الدائم لما فيه خير لبنان واللبنانيين جميعا مسلمين ومسيحيين.

وكان ممثل ميقاتي الوزير دياب اصطحب مفتي الجمهورية من منزل الإفتاء صباحا إلى مسجد محمد الأمين يرافقهما قائد شرطة بيروت العميد ديب طبيلي في موكب رسمي وقدمت ثلة من قوى الأمن الداخلي التشريفات في باحة المسجد للمفتي قباني والوزير دياب.

وزار مفتي الجمهورية على رأس وفد من العلماء ميقاتي في منزله وشكره على معايدته له وزيارته لدار الفتوى .

وتلقى مفتي الجمهورية اتصالا من الرئيس سعد الحريري هنأه فيه بعيد الفطر السعيد وتمنى له وللمسلمين خصوصا وللبنانيين عموما اعيادا مباركة وأمانا واستقرارا وسلامة للبنان واللبنانيين عموما، وبادله المفتي قباني بالتهنئة بالعيد وتمنى له التوفيق في مهامه الوطنية.
 

  • شارك الخبر