hit counter script

- جهاد الملاح

الحشيشة... والدجّالون!

الجمعة ١٥ آب ٢٠١٢ - 07:20

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تعود منطقة بعلبك - الهرمل بين الحين والآخر، إلى مسامع الدولة اللبنانية، من باب وحيد تفتحُه المخالفات والقضايا الأمنية، لتملأ صفحات الإعلام ونشراته، محملّة بالخطايا والذنوب، التي تخترقها أحياناً الأسباب التخفيفية المستندة إلى الفشل في تأمين الزراعات البديلة عن زراعة الحشيشة.
بهذا المنطق وحده، ترسم الدولة اللبنانية وغالبية إعلامها العلاقة بين بعلبك - الهرمل والوطن لبنان، فتغيب بالتالي تفاصيل أكثر أهمية، عن مواطنين اعتادوا على مدى 70 عاماً من عمر الاستقلال، أن ينشأوا على جوانب السفوح المنسية أو في أحزمة البؤس حول بيروت، ليبحثوا عبثاً عن دولة تصونهم ثم ينشغلوا في البحث عن أي حياة تبعد شبح الموت.
في مهرجان بعلبك الشهير، وتحديداً في 17 آذار 1974، صرخ الإمام موسى الصدر أمام عشرات آلاف اللبنانين قائلاً: "امتنعوا عن إطلاق الرصاص، وفّروه لصدر العدو الصهيوني. وسأقول كلاماً أقسى من الرصاص. من اليوم فصاعداً لن أبقى صامتاً، وإن التزمتم الصمت فأنا لن أفعل. إننا نطالب بحقوقنا، ليس فقط بالوظائف، بل بالمدارس. منذ ألفي سنة كانت بعلبك وضواحيها تُروى عن طريق إنشاء سدود. أما اليوم، فمياهها تذهب هدراً. والحكومة لا تريد معرفة لماذا نحن يائسون".
وشاءت الأقدار أن يغيب الإمام الصدر، بعد أن حمل لواء الدفاع عن المناطق المحرومة في لبنان وعن كرامة الإنسان، فأجبِر أن يلتزم الصمت مكرهاً، بينما صمتت الدولة بكامل إرادتها، وبعدّتها وعديدها.
قصة بعلبك - الهرمل، التي تشبه قصصاً من عكار وغيرها، هي أكثر عمقاً مما يظهر في تعاطف بعض الكتاب والإعلاميين، وهي أكثر مأساوية من أخبار الدولة عن الجنح والجنايات والملفات الحشيشية، وأكثر جدية من اللجان الحكومية التي تخوض في جدلية الزراعات البديلة، وبالطبع أكثر صدقاً ممن أصبح يسخر من مقولة "الحرمان".
من لا يعرف، فإن منطقة بعلبك - الهرمل تشكّل نحو 30 في المئة من مساحة لبنان ومن المفترض أن تشكّل الخزان الغذائي والنفطي للبلاد. وكانت لها اليد الطولى في مقاومة كل أشكال الاستعمار والاحتلال، من مقاومة العثمانيين ثم الانتداب، إلى تقديم شهيد الاستقلال دفاعاً عن علم لبنان، وصولاً إلى آلاف الشهداء في المقاومة المعاصرة. لكنها في المقابل، تحنّ في كل يوم إلى أمجاد الرومان، حين كان الريّ مؤمناً وكانت الزراعة متقدمة، وكانت حضارتها تنتج مآثر قلّ مثيلها على وجه الأرض.
ففي عصر الجمهورية اللبنانية، اكتفى أرباب الدولة بجعل آثار بعلبك مسرحاً لمهرجانات صيفية، بينما يستوطن على ضفافها الموت والجمود، في طرقات تعيش على بقايا الرمال، وقرى محرومة على بكرة أبيها، وينابيع ماء تائهة على سجيتها، وسهول محكومة بالإعدام، ونفط ينتظر حلّ اللغز السياسي، وقانون متروك للغاب غالباً فلا تتذكره الحكومة إلا كردة فعل على "فعل" أنتج معظمه كل ما تقدم.
هي صورة تختصر الحرمان المدقع، الذي أصبح بقاؤه في القرن الواحد والعشرين، شذوذاً صارخاً، في زمن لم يعد فيه الأمن الإنساني يتقيد بقياس الجوع والغذاء، بل تعداهما إلى الحق المكتسب بالعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. وأصبح بالتالي، لجوء البعض إلى زراعة الحشيشة لتأمين لقمة العيش، بما يخالف القانون ويتعارض مع كل الشرائع، ذنباً في رقبة دولة سمحت بتراكم وتشعّب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، ولم توجد المانع والرادع، ورفعت مستوى الحاجة إلى أدنى مستويات الحياة البشرية.
تكرّرت الوعود لبعلبك - الهرمل وتوالت تبريرات التنصل والإهمال، بدءاً من حجة الإقطاع العفن قبل الحرب، مروراً بالحرب التي ألغت الدولة، لتنتهي الحرب وتظهر حجة الشراكة الحريرية – السورية التي أعاقت التنمية المتوازنة والمستدامة، بينما يبقي السؤال البديهي: ماذا بعد؟
إذا كانت هذه المنطقة "خزان المقاومة"، فحري أن ترتفع أصوات نوابها ومسؤوليها جدياً لأجلها، في كل ساعة وعلى كل منبر، ربما تنتج مشاريع تحيي بشرها وتجزيه خيراً على ما قدّمه للبنان، وتهدّئ حجرها الذي كفر بالوعود.
واستطراداً، حبذا لو يختار الإعلام أن يزور قرى بعلبك - الهرمل، من أجلها وليس فقط من أجل حادث هنا وقضية هناك، فلعلّه يجرّب طرقاتها، ويسأل عن المدارس الغائبة أو تلك التي تشبه القرون الوسطى، وعن أطفال يبحثون عن بعضٍ من العلم بين مخالب الصقيع، من شمسطار إلى اليمونة ودير الأحمر ومن بريتال إلى عرسال واللبوة والهرمل.
عندها قد يتعرّف هذا الإعلام أكثر، على قصة الموت المزمن، فيظهر بوضوح من هم "المجرمون" الحقيقيون، أبناء بعلبك - الهرمل أم دجالو النظام اللبناني!

  • شارك الخبر