hit counter script
شريط الأحداث

- جهاد الملاح

احتجاجات العهد الميقاتي

الجمعة ١٥ آب ٢٠١٢ - 06:32

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أتت حكومة نجيب ميقاتي على وقع آمال من المؤيدين وترقب من الخصوم، حول مدى إمكانيّة نجاح الفريق الواحد في إثبات قدرته على الحكم وتحقيق الإنجازات، لتصطدم تدريجياً بالعقبات اللبنانيّة التقليديّة والعقليّة السياسيّة الفاسدة، التي تشلّ الحكم وترهن مواجهة التحديات بالتوافق المستحيل.
وشهد عهد هذه الحكومة، ولا يزال، احتجاجات كثيرة، من اعتصامات الرواتب إلى قضية اللحوم الفاسدة، إلى تظاهرات الكهرباء وإصلاح الطرقات، إلى أزمة المياومين والتظاهرات المتبادلة إزاء الجيش، لدرجة جعلت أحد مقدمي البرامج التلفزيونية التي تعرض مشاكل الناس، يصدر حكمه سريعاً وبكل ثقة: "هذه أسوأ حكومة في تاريخ لبنان"، ليلتقي مع فريق "14 آذار" الذي يصف هذه الحكومة بالفاشلة والعاجزة، وتصبح توصيفات الحكومة، حتى من قبل بعض مؤيدي فريقها السياسي، قائمة على نسيان سجلات ما سلف من حكومات.
يستند معظم اتهامات المعارضة الحالية لحكومة ميقاتي، إلى كثرة التظاهرات والاعتصامات والاكتشاف المتلاحق لمكامن الخلل والفساد، مع تجاهل حقيقة مفادها أن أكثرية الاحتجاجات تتعلق بما ورثته هذه الحكومة عن حكومات ما بعد الطائف، التي لم تلتفت إلى التنمية المتوازنة والمستدامة ومكافحة الفساد وتطوير لبنان بشكل حقيقي وفعلي. وبالتالي، تعتبر هذه المعارضة أن حكومة سعد الحريري كانت أفضل، بسبب غياب ذلك الكمّ من الاحتجاجات المطلبية عن عهدها.
في المقابل، تحتمل المسألة احتمالات أخرى تقول أن الاعتصامات والتظاهرات والمطالب المتنقلة بين المناطق والمؤسسات وطرق التعامل معها، تشكّل أهم إيجابيات حكومة ميقاتي، وذلك رغم كل سيئات النظام السياسي اللبناني التي تحيط بها وتتحكّم بعملها.
فأولاً، تعقد هذه الحكومة اجتماعات مكثفة ومتتالية، وتخوض نقاشات طويلة بشأن مختلف القضايا، من الرواتب والتعيينات والنفط والكهرباء والمياومين وقانون الانتخاب ومسألة إصلاح السجون وقضية الموقوفين الإسلاميين وغيرها، كما يعقد رئيسها لقاءات كثيرة تتعلق بالمطالب الاجتماعية. وهذا النهج سمح بالانكشاف على الأزمات والمشاكل وإخضاعها للبحث، الأمر الذي شجّع بعض الفئات الشعبية على الاحتجاج، أملاً بتحقيق مطالب، أسوة بفئات أخرى تمّت تلبية مطالبها.
وبالتالي إذا كان الاختلاف في الآراء داخل الأكثرية الحاكمة حالياً يعوق إنتاجية الحكومة، فإن هذا لا يلغي أن هذه الحكومة أكثر نشاطاً من الحكومة السابقة التي كانت شبه غائبة عن معظم القضايا الاجتماعية التي تمسّ الشعب اللبناني وكانت تعمل على خطوط أخرى تراها أكثر أهمية، ما جعل فكرة الاحتجاج في عهدها غير ذي جدوى.
ثانياً، إن كثرة الاحتجاجات تفيد، بشكل أو بآخر، إلى وجود نسبة معينة من الاستقرار تسمح لفئات من المواطنين بالالتفات نحو تنظيم الاعتصامات، بخلاف عهد الحكومة السابقة الذي جعل الاحتجاج خياراً ثانوياً على الرغم من الأوضاع الاجتماعية الصعبة.
ثالثاً، تعتبر الاعتصامات والتظاهرات ظاهرة إيجابية ومنتجة لأنها تسمح بإظهار المشاكل ومكامن الخلل وتدفع نحو محاولة معالجتها، كما حصل على سبيل المثال في موضوع جسر جلّ الديب، حيث أدى الضغط الشعبي إلى تجاوب الحكومة، وهو أمر ليس أبداً بعيب، بحسب ما حاول البعض تصويره، إذ إن سياسيي لبنان ما زالوا يفتقدون المبادرة الفردية، ولا بد من الضغط عليهم بوسيلة أو بأخرى.
رابعاً، إن حدوث الاحتجاجات بشأن القضايا الداخلية ومحاولة التجاوب معها، في ظل الأزمة السورية المسلحة التي تلقي بظلالها بقوة على لبنان، يسجلّ كنقطة إيجابية للحكومة. ويكفي السؤال: ماذا لو كانت الحكومة السابقة تحكم الآن في ظل تصاعد الأزمة السورية؟
قد تكون الحكومة الحالية تسير على نهج الحكومات السابقة من ناحية العجز عن إحداث ثورة ناعمة تعالج الملفات الاجتماعية والاقتصادية، ولجهة التزام العقلية السياسية المتخلفة التي لا تقدّس المواطن ولا تحترم مسؤولية المنصب. لكنها تختلف عنها بأنها سمحت للأزمات الاجتماعية المزمنة شكلاً ومضموناً، أن تفلت من قيودها وتطفو إلى السطح، ووضعتها على طاولة الاجتماعات المكثفة لمجلس الوزراء، فخلقت حراكاً شجّع العديد من الفئات على المطالبة بحقوقها. وبالتالي، إن المقارنة والمفاضلة بين حكومة نجيب ميقاتي وحكومة سعد الحريري توحيان بالظلم، إذ أنّ الحكومة الحالية، على كلّ مشاكلها، لا تزال على الأقلّ، تستحق وصف الحكومة.
 

  • شارك الخبر