hit counter script

- لوسيان عون

الحكومة أسيرة قرار الشارع وفعاليّة دواليبه

الأربعاء ١٥ تموز ٢٠١٢ - 07:45

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا يخفى على أحد، عبر قراءة تطوّر الاحداث في خلال الاشهر القليلة الماضية، أنّ منطق انتزاع الحقوق من الحكومة بالقوّة بات سائداً بامتياز، من دون حاجة لمقارعة الحجج بالحجج أو الحاجة لمناقشة هذه المسألة بعدما أصبح اللبنانيّون، جميع اللبنانيين، شهوداً لما يجري على أرض الواقع.
فالحكومة الحاليّة باتت حكومة سائرة على الدواليب المحروقة، وهي أضحت أسيرة الشارع بعدما أيقن المواطن أنّ أيّ مطلب لديه، أكان تشريعيّاً أم اجتماعيّاً أم حياتيّاً، لن تتمّ تلبيته إلا بحكم ضغط الدواليب المحروقة وتحت تأثير إقفال الطرقات العامة على الرغم من علمه بأنّ هذا الإجراء يشكّل جرماً جزائيّاً يعاقب عليه قانون العقوبات اللبناني.
غير أنّ تصرّفات الأفراد أصبحت تندرج تحت عنوان "الخطأ الشائع" المعمّم، وبفضل الغطاء السياسي الذي يتمتّع به المواطنون من مختلف أطياف المجتمع، انتفى العقاب، وأضحى قطع الطرقات وسيلة لا بدّ منها في سبيل تحقيق الهدف، أي هدفاً يراه المواطن مشروعاً المطالبة به. وهكذا، ومع انقضاء الوقت، وتعميم المحظور، بات في حكم "الجائز" والمشروع والحلال، قطع الطرقات جنوباً وشمالاً وبقاعاً مروراً بالعاصمة بيروت وطريق المطار التي تشكّل الشريان الحيوي للسياحة والاقتصاد، بينما التسويات كانت المخرج الشائع هي الأخرى على مستويات رفيعة لتشكّل المخرج كي لا تصل الامور الى ما لا تحمد عقباه، وفق الفتوى والتبرير الذي كان يعطيه المسؤولون عندما يسألون عن عدم التحرك.
أن ننسى لن ننسى - وللتذكير فقط - أحداث الموقوفين الاسلاميّين في روميه ومناطق عدّة، وأحداث قصور العدل وآخرها في بعبدا، وأحداث قمع مخالفات البناء في مناطق عدّة، وأحداث قطع أوتوستراد جل الديب، والتوتر العالي في المنصوريّة، وإحراق الدواليب احتجاجاً على انقطاع الكهرباء، واحتجاجات عمّال كهرباء لبنان المياومين، والاحتجاجات على خطف الحجاج في العراق، وأحداث معمل الزهراني، واعتصامات الشيخ الاسير في صيدا، ومحاولة إحراق مبنى تلفزيون "الجديد"، والكثير من حوادث قطع الطرق بالاطارات المشتعلة حتى كادت المطالب تتخطّى الشأن الحياتي والاجتماعي الى الاسباب الشخصيّة البحتة.
لكن ما يؤلم المرء هو عدم وجود موقوف في أيّ من أحداث قطع الطرق تلك وإشعال الاطارات، وكأنّ ثمّة غضّ نظر تقرّر بتاريخ سابق في هذا الشأن حتى أنّ بعض الانباء كانت تتحدّث عن مفاوضات تجري أحياناً في بعض منها بين القوى الامنيّة والمحتجّين لفتح الطرق وآخرها في منطقة صيدا، وهذا ما شكل انتقاصاً فاضحاً من هيبة السلطة السياسيّة والامنيّة على حدّ سواء، وترك للشارع سلطة القرار بحيث بات كلّ مواطن أم مغترب أم مسافر أم عائد الى وطنه معرّضاً في أيّ لحظة لصبّ جام نار الدواليب المحترقة بين أرجله أم على سيارته واقفال الطريق بوجهه وهي أمور نادراً ما تحدث في البلدان المتقدمة، بينما كان لبنان منذ البعيد يطلق على من يفتعلون هذه الممارسات بـ "قطاع الطرق" قبل أن يصبح "قطاع الطرق في لبنان" بمفهومه الرائج "أناساً مدعومين متمتّعين بتغطية سياسيّة وشعبيّة" ومحظّر على القوى الأمنيّة التعامل معهم بالشدّة مع تحذير من تطبيق القانون النافذ بحقّهم.
وبين فقدان هيبة الدولة، وإخلاء سبيل أخطر المطلوبين بكفالات بخسة وزهيدة وإطلاق سراح المساجين والموقوفين والمجرمين بالجرم المشهود، وتخصيص سيّارات السادة الوزراء وتسابقهم على "خوض مواسم قطاف أصوات هؤلاء" وأتباعهم وكسب أكبر قدر من المفاتيح الانتخابيّة للدورة النيابيّة المقبلة، والتساهل مع الفوضى الى أقصى الدرجات والحدود، والانكفاء عن قمع المخالفات...
أتاح ذلك كلّه، لكلّ من يناسبه استغلال الفوضى والشغب في اللجوء الى الشارع وإحراق الدواليب وقطع الطرقات، وهو على يقين أنّ أحداً لن يقمعه أم يحاسبه، وهو الذي كان يرى على الدوام وبأمّ العين المسلحين يتجوّلون أمام كاميرات وسائل الاعلام المرئيّة وقد وقف خلفهم يراقبهم رجال الامن.
وضع مبكي وصلنا اليه طبعاً، يؤسّس لحالة خطرة ومدمّرة على المستويات كافة، أكان منها المستوى السياحي أم الاقتصادي أم السياسي، يختصر بعبارة واحدة: "فلتان" و "شريعة الغاب" وتشريع للقتل والثأر واستيفاء الحقّ بالذات فضلاً عن استعمال وسائل هي نفسها تشكل جرائم معاقب عليها قانوناً وهي إحراق الدواليب وقطع الطرقات.
هذا الوضع لم يكن مفاجئاً من قبل البعض بعدما كان الفلتان دخل مرحلة متقدّمة، والمحاسبة كادت تغيب عن التطبيق، بحيث عاد اللبنانيّون الى حالات حكم الميليشيات المسلّحة، أمّا عدم الاستغراب فهو عائد الى كون بعض زعمائها ومسؤوليها أيّام الحرب هم أنفسهم حكاماً وقادّة ومسؤولين اليوم، مع فارق واحد، أنّهم كانوا بالامس يتحمّلون مسؤوليّاتهم في قيادتهم لميليشيّاتهم، أمّا اليوم، فيتبادلون الاتهامات والشتائم، قبل أن تصبح لغة الشارع هي السائد، ورائحة الدواليب المحروقة أشدّ خطورة من رائحة البارود بالامس، أمّا ما لم يقطع أيّام الحرب من كهرباء وماء وطرقات إلا في مناطق محدّدة أضحى عرضةً للقطع المفاجىء وفي أيّ وقت، وتحت ألف ذريعة وذريعة، بعضها مقنّع وبعضها الآخر لا.
ويسأل اللبنانيّون: الى أيّ عهد ننتمي، وأيّ نظام نشبه، أوليس من ذرّة ضمير عند أيّ مسؤول تدفعه للاستقالة من منصبه احتجاجاً على ما يجري، أم أنّ ما يحصل أمر طبيعي ويتوجّب الاعتياد عليه والتأقلم معه؟
رحماك ربّي، فرحي لم يكتمل بامتلاكي أرزك وثلجك وطقسك الخلاب ومناظرك والاخضر الذي اكتسح يوماً جبالنا وهضابنا...
لقد افسدوه بتلويث هوائنا وتشويه سمعتنا وتيبيس أرزنا وتبديد ثرواتنا الطبيعيّة ومياهنا العذبة وحجب مناظرنا الخلابة توصلاً لأخضر من العملة اكتسبوها بطرق غير مشروعة باعوا مقابلها ثرواتنا التي أغدقت بها نعماً علينا.

  • شارك الخبر