hit counter script
شريط الأحداث

- حـسـن ســعــد

لجنة بكركي تخالف سبب تكليفها

الإثنين ١٥ حزيران ٢٠١٢ - 07:47

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تعكف "لجنة بكركي" على دراسة الواقع الانتخابي في محاولة لاجتراح صيغة انتخابية تؤمّن صحة وعدالة التمثيل، وبشكل خاص لدى الطوائف المسيحية، والتي من المفترض أنها تسعى إلى ما يمكنه تحقيق المناصفة الفعلية، وقد انحصر البحث بين أعضائها حول مشروعين انتخابيين، الأول يعتمد تقسيم لبنان إلى 50 دائرة انتخابية على أساس النظام الأكثري، والثاني يعتمد تقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية على أساس النظام النسبي مع الصوت التفضيلي.
وفي ظل استبعاد "اللجنة" لخيار اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، والذي يعتبر السبيل الوحيد للحؤول من دون تشتيت الصوت المسيحي وهدره في عزّ الحاجة إليه انتخابياً، فإنّ التقسيمات المتداولة في المشروعين الانتخابيين تواجه معضلتين أساسيتين، هما "التفاوت العددي بين الطوائف الناخبة" من جهة، و"التوزّع الجغرافي الطائفي غير المتكافئ انتخابياً" من جهة أخرى، ولذا فإنّ النتيجة المرجوّة من أي منهما ستأتي منقوصة إرادياً، مع سبق التخطيط والإمعان في تكرار ما سبق، وتأكيد العجز عن تأمين صحة وعدالة التمثيل وكذلك المناصفة الفعليّة، بسبب الاستسلام للحسابات السياسيّة الآنية.
لا يحتاج الأمر إلى دراسات، بل يكفي استعراض وقراءة الواقع الذي نعيشه، ليتمّ التأكد أنه وفي حال اعتماد المشروع الأول (الأكثري في 50 دائرة)، فإنّ السلوكيّات السابقة واللاحقة للعمليّة الانتخابيّة وكذلك النتائج، ستثبت أنّ أحداً لم يتعلم شيئاً من مقولة "أنّ الخطيئة الأصليّة هي قانون الانتخاب".
ومن الملاحظات على هذا المشروع، الذي لا يختلف عن قانون الستين "25/2008" في شيئ إلا في زيادة التقسيمات والمساوئ:
1 - إنّ مجرد كون المشروع يعتمد "النظام الأكثري" فإنّ ما يقارب نصف الشعب اللبناني - وربما أكثر - سيبقى خارج صحة التمثيل وضحيّة عدالة وهميّة، وتكرار للغبن والهدر.
2 - إنّ زيادة عدد الدوائر الانتخابيّة (إلى 50 دائرة) يعني أنّها محاولة "إلتفاف بالخط العريض" على المعضلتين المذكورتين سابقاً "التفاوت العددي والتوزّع غير المتكافئ"، كما ويمكن وصفها بأنها محاولة تضمر "تسوية انتخابية من غير المضمون القبول بها" تهدف إلى "تبادل الهيمنات الطائفية بين الدوائر"، والتي بدورها لن تسمن صحة التمثيل ولن تغني من الجوع إلى عدالته إذا لم تتمّ معالجة أصل المشكلة.
3 - إن التعويل - من خلال التقسيمات ذات البعد الطائفي - على منح فرصة للكثرة العدديّة من طائفة ما، في دائرة ما، للتحكم في النتيجة، سيؤدي إلى تهميش أو حرمان الناخبين الذين ينتمون إلى طوائف ليس في دوائرهم مرشح يمثلهم من الحافز الانتخابي، وهذا يعني "هدر فاضح للأصوات الانتخابية"، فإذا كان الهدر الانتخابي في 26 دائرة انتخابية "القضاء" قد بلغ حوالى 236000 ناخب مسيحي في مقابل 99000 ناخب مسلم، والذي من المتوقع أن يبلغ عند التقسيم إلى 15 دائرة نتخابية حوالى 166000 ناخب مسيحي في مقابل 66000 ناخب مسلم، فكم قد يبلغ عدد الأصوات المهدورة إذا ما تم تقسيم لبنان إلى 50 دائرة انتخابية، وهل من المتوقع أن يعوّض عنهم تصويت المغتربين؟
4 - في حال، توفر في دائرة ما، وجود طائفة ثانية - أو حتى ثالثة - يوازي عدد ناخبوها ثلث إجمالي ناخبي الدائرة، فإن النتيجة قد تكون عكسية تماماً، وبالتالي هل يحق عندها للمغبون أن يشكو مما جناه على نفسه بـ "مقص التقسيمات"؟
5 - يحول دون تحقيق "المناصفة الفعلية"، ولا حتى الاقتراب منها، مع أنها من أهم أسباب تشكيل "اللجنة"، فضلاً عن أنها شرط دستوري لم يتحقق بالقوانين الانتخابية المشابهة.
6 - يُسهّل ويُضيّق مساحة استعمال المال الانتخابي، ما يسمح للمتمولين بالنفاذ إلى الندوة النيابية، بالقليل من المال والجغرافيا (بحكم صغر مساحة الدائرة)، وفي هذه الحالة أليس من الأفضل عرض قسم من المقاعد النيابية في مزاد علني؟ لعل ذلك يسهم في تنمية المناطق المحرومة، أو على الأقل دعم الخزينة العامة لسداد جزء من الدَين الجاثم على مستقبل البلد.
7 - يعبّر بشكل "فاضح"عن الفقر المدقع في حقيقة الحجم التمثيلي الوطني و/أو ضمن الطائفة نفسها، ويكشف نوايا الطامحين إلى الفوز بالمقعد النيابي وكأنه "سفينة نوح"، على قاعدة أنا نائب ومن بعدي "لبنان".
8 - يخفض نسبة المشاركة في الإقتراع، فالناخب يعلم جيداً أن من استطاع التحكم في نتائج 26 قضاء انتخابي لن يصعب عليه أن يتحكم مسبقاً في نتائج 50 دائرة انتخابية، وكما يقول المثل "مين جرّب المجرّب، كان عقله مخرّب" وبالتالي لا داعي لممارسة حق الإقتراع غير المُجدي، والذي يمكن اعتباره هدراً انتخابياً غير مباشر.
9 - يرفع منسوب الخطاب الطائفي التحريضي، لأن معيار تقسيم الدوائر المعتمد هو طائفي بإمتياز، وهذا ما يمكن أن يخلق نوعاً من "التمييز" - بين المناطق وربما داخل البعض منها - الذي قد يؤدي ما لا يُحمد عقباه.
10 - يرسّم الكثير من الحدود الانتخابية الفاصلة والعازلة بين المصالح المشتركة للمواطنين في الدوائر المتجاورة في حال كانت مختلفة سياسياً أو طائفياً، ومن المعلوم أن التحالف بعد الفوز ليس كما قبله.
11 - يسدد ضربة قاضية على إمكانية إقرار وتطبيق مشروع اللامركزية الإدارية الموسعة.
12 - يمنع إقرار حق الإقتراع للشباب من عمر 18 إلى 21 سنة، بحجة أنه سيزيد من تأثير معضلة التفاوت العددي بين الطوائف الناخبة في الدوائر غير المتكافئة انتخابياً.
13 - يغبن الطوائف التي يمثلها مقعد وحيد، إذ كيف يمكن تبرير وضع مقاعدها في دوائر صغرى ضمن بيروت، في حين أن عدد ناخبيها في تلك الدوائر البيروتية "المستحدثة" لن يتجاوز 5 بالمئة من إجمالي الناخبين في أية دائرة من دوائر بيروت بعد تصغيرها، وهنا نسأل: لماذا مُنحت هذه الطوائف مقاعد نيابية من الأساس إذا كانت لا تستطيع أن تعبّر عن نفسها من خلالها؟
14 - يحرم الأحزاب المدنية والعقائدية من فرصة الدخول إلى الندوة النيابية من خلال تشتيت أصواتها بواسطة التقسيمات الانتخابية، وهنا أيضاً نسأل: ما هي الجدوى من المطالبة بإقرار قانون عصري للأحزاب ومطالبتها بأن تكون عابرة للطوائف إذا كانت لا تستطيع الاستفادة من الأصوات الانتخابية المتنوعة للمنضوين فيها على مساحة الوطن؟
15 - والأخطر، الإبقاء على الثقافة الانتخابية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه، في حين أن المطلوب هو التخلص منها، إلا إذا كان بين اللبنانيين من لا يحيا من دونها.
أما للإطلاع على الملاحظات المتعلقة بالمشروع الثاني "النسبي في 15 دائرة متوسطة"، والذي يشترك مع المشروع الأول في العديد من السلبيات، وأهمها أنهما يخدمان "لبنانيون لا لبنان".
في الخلاصة، إن "التفنن" في تقسيم لبنان إلى دوائر انتخابية متوسطة، صغرى أو فردية سيؤدي حتماً إلى ما سبق تبيانه، وبالتالي فهو خطيئة تستحق التوقف عن الإمعان في إرتكابها باكراً، وإعادة الدرس مجدداً، طالما أن المناصفة الفعلية لن تتحقق من أفضل التقسيمات، وعدم هدر الوقت والجهد في ممارسة غَبن الذات أو الإدمان على الغبن، لأن الأفكار أو الأفعال نفسها لن تأتي بنتائج مختلفة.
وكي لا يبقى اللبنانيون في طوائفهم "كأهل النار إن نضجت جلود... أعيدت للشقاء لهم جلود"، تبرز الحاجة إلى قانون انتخابي على أساس نظام نسبي "خاص بلبنان" مع ضوابط ميثاقية - فى لبنان دائرة واحدة - تكفل لكل طائفة أن تكون مسؤولة عن التنوع في خيارات أبناءها، وتضمن تلاقى التنوعات المتماثلة في باقي الطوائف ضمن أطر سياسية عابرة للطوائف، مع احترام معايير صحة وعدالة التمثيل "الميثاقي، الوطني، السياسي، الطائفي، المناطقي والفردي"، والإعتراف بواقع التركيبة اللبنانية وتفهم تعقيداتها، وأيضاً الربط بين الحق الطائفي وحق المواطنة في إطار وحدة الأرض وإندماج الشعب، مع كامل الإلتزام بمقتضيات الطائف والميثاق، من دون أن يحتاج إقراره إلى أي تعديل دستوري أو تغيير في التوزيع المناطقي للمقاعد الطائفية.
والأهم هو أن تُخاض الانتخابات بلوائح مؤلفة "مناصفة" من الفئتين المسيحية والإسلامية كـ "منطلق ميثاقي" يزيّن السلوكيات الانتخابية، ويحجر على الخطاب الطائفي بما يحصّن السلم الأهلي ويقطع الطريق على محاولات الفدرلة ويلغي أسبابها، والتوقف عن التعامل مع الميثاقية على أنها "نتيجة سياسية" تحاصصية على مستوى السلطة بدلاً من أن تكون منطلقاً ومساراً تأسيسين يبنى عليهما، على أن يكون الإقتراع والتفضيل من دون أي اعتبار طائفي، مع آلية لإحتساب النتائج تُبطل تأثير التفاوت العددي بين الطوائف الناخبة.
ولا يفوتنا في الختام أن نلفت الإنتباه إلى أن المطالبة بحكومة "حيادية" لإدارة الانتخابات النيابية، تستوجب المطالبة بألا يكون العاملون على إجتراح القانون الانتخابي "العادل" مرشحين في الإنتخابات نفسها وعلى أساسه.


 

  • شارك الخبر