hit counter script
شريط الأحداث

- جهاد الملاح

"الميادين"... إشكاليّة المنافسة وآفاق التميز

الجمعة ١٥ حزيران ٢٠١٢ - 07:34

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

خرجت قناة "الميادين" إلى الهواء أخيراً، بعد أن سبقت انطلاقتَها دعايةٌ اجتماعية كبيرة في لبنان وبعض دول المنطقة، فضلاً عن توقعات بمضمون وإمكانيّات ستضعها في الصف الأول للقنوات الإخباريّة العربيّة، إلى جانب "الجزيرة" و"العربيّة"، ووسط قنوات قديمة وجديدة تمتلك مقدرات كبيرة وتبحث جاهدة عن مفاتيح التميّز.
ولا شك أنّ الجهد الذي بذله القيّمون على القناة، بقيادة إعلاميّين مميّزين هما غسان بن جدو وسامي كليب، قد ظهر ابتداءً من اليوم الأول للبث، من خلال العمل الإعلامي المحترف والتقنيّات الجيدة، وصولاً إلى الصورة الجميلة والمريحة في تفاعلِها، مع الأخذ في الاعتبار أن القناة لم تخضع لبث تجريبي. لكن ماذا عن موضوع المنافسة؟
إن الحديث عن القدرة على المنافسة قد يحمل بعضاً من القصور. فهو يقتضي أولاً البحث في مدى دقة مفهوم المنافسة في الإعلام العربي الإخباري، الذي يخضع حكماً لعقلية المشاهد في هذه المنطقة من العالم.
فالفصل الجامد بين أنصار الآراء السياسية المختلفة، داخل المجتمعات العربية، ينعكس على النظرة تجاه الإعلام، بحيث يلتزم كل مواطن متابعة إعلام معيّن داخل دائرة مغلقة، تواجهها دائرة أو دوائر أخرى مناهضة في التوجهات، وخصوصاً في زمن الأزمات. وبالتالي، إن مفهوم التفوق ينحصر عند المشاهد العربي في تفوق وسيلة إعلاميّة على شريكاتها السياسيّة، بينما يفضّل مشاهد من الرأي السياسي الآخر، متابعة أي وسيلة إعلامية "مضادة" بغض النظر عن مستواها المهني.
لكن على الرغم من جدليّة مفهوم المنافسة المطلقة، لا بدّ لقناة "الميادين"، ووفق معطيات وظروف إنشائها وطريقة الترويج لها، أن تحجز مقعداً في الصف الأول للقنوات العربيّة الإخباريّة. وقد اختارت لذلك شعار "الواقع كما هو". فما المقصود بهذا الشعار؟
بعيداً عن إشكاليّة مفادها أنّ مضمون"الواقع" في بلدان العالم العربي يختلف وفق نظرة كل رأي سياسي واجتماعي إزاء الأحداث والتطورات، فإنّه من المفترض أنّ المغزى من شعار قناة "الميادين" هو عدم نقل الواقع كما يراه القيّمون على القناة، بل انتهاج الموضوعيّة في نقل الأحداث، أي نقلها كما هي.
إلا أنّه، في نظرة سريعة على القنوات الإخباريّة العربيّة، يَظهر أنّ مبدأ الموضوعيّة لم يكن يوماً طريقاً لنجاح شعبيّة هذه القنوات، وهو بالطبع يختلف عن مبدأ الاستقلاليّة الذي يسمح للقناة بلعب دور مهمّ، في زمن لا بد أن يسهم فيه الإعلام العربي، في دعم قضايا وحقوق الشعوب العربية وفتح قنوات الحوار داخل المجتمعات وعلى خطوط الأديان والمذاهب.
فـ"الجزيرة" على سبيل المثال، لا تحفظ قوتها بسبب الموضوعية، بل أولاً بسبب السمعة التي اكتسبتها حينما لم تكن تواجه منافسة فعليّة، وثانياً والأهم، بسبب اتخاذها مواقف مباشرة في أحداث مختلفة، كعدوان تموز على لبنان وحرب غزة، وصولاً إلى دعمها للانتفاضات العربيّة الأخيرة.
وللعلم، فإنّ تلفزيون الـــ"بي بي سي" العربي يقدّم مضموناً ينافس مضموني "الجزيرة" و"العربيّة"، لكنّه يختلف عنهما في الحرص على الموضوعيّة والتوازن في تقديم الأحداث، وعدم اتخاذ مواقف مباشرة. وقد أسهم ذلك، إلى جانب الاعتماد على التاريخ الإذاعي بدلاً من تعزيز الترويج، في جعل القناة تحظى بنسبة أقلّ من المشاهدين العرب.
وفي الإطار نفسه، تقدّم قناة "الحرة" مضموناً منافساً، لكنّها تحظى بنسبة قليلة جداً من المشاهدين، إذ لا تزال أسيرة توصيفها كقناة تروّج للسياسة الأميركيّة، علماً أنّها تُظهِر في معظم أخبارها، موضوعيّة مقبولة، تهدف ربما إلى الخروج من ذلك التوصيف.
في النتيجة، من الصعب أن تنجح القناة الإخبارية في العالم العربي إلا إذا أعلنت جهراً مواقف منحازة لطرف ما. وهي ستبلغ القمة حين تسير في طريق الرسالة الإعلامية الداعمة للشعوب العربية التي تتشارك جميعها القمع، بعضه برصاص حيّ مباشر، وغيره برصاص مغلّف بأوهام الأمن والديمقراطية، بينما هو في الحقيقة يقتل الحاضر والمستقبل ويدّق الأسافين في نعشي الدولة والإنسان.
بالطبع، ستنحاز قناة "الميادين"، السياسية بامتياز، لقضايا معينة، لكن ما الجديد الفعلي الذي تمتلكه لتقدّمه للشعب العربي، بعيداً عن جدلية الأزمة السورية، وغير مسألة الجودة والمهنية والموضوعية والشمولية، الموجودة في محطات عربية أخرى؟ وكيف سيجعلها هذا الجديد تتفوق، على سبيل المثال، على من سبقها قليلاً في توقيت الولادة، أي قناة "سكاي نيوز عربيّة"، التي لا يزال وجودها مجهولاً في معظم المنازل العربيّة رغم مضمونها القوي؟
قد تعوّض "الميادين" بعضاً مما خسرته المقاومة بسبب ابتعاد "الجزيرة" عنها. ويبدو من خلال أولى أيامها، أنها ستلتزم كذلك قضيّة فلسطين، بشكل لافت وخلاق. لكن هذا لن يشكل تميزاً، إذا لم تسهم القناة من ناحية أخرى، في إسقاط الشعار الضمني والمزمن للأنظمة العربيّة، بأنّ فلسطين لن تتحرّر إلا خلف قضبان الشعب العربي، بكل ما يحمله هذا الشعار من معان وأبعاد.
أما الأمر اللافت الذي يمكن أن تقدّمه "الميادين" خدمة للشعوب العربيّة، فيتمثل في برامج إضافيّة وذكيّة تحاول جمع حطام ما فرّقته الأنظمة العربيّة وتلاعب به الشذاذ والمنافقون في حلبات الطائفيّة وبين ساحات المذهبيّة.
عندها فقط، قد يخرج من بين الرماد العربي، "الواقع" كما يجب أن يكون.
 

  • شارك الخبر