hit counter script

أخبار محليّة

البطريرك الراعي ناشد السياسيين الجلوس الى طاولة الحوار

الأحد ١٥ حزيران ٢٠١٢ - 10:57

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ترأس البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه امين سره الاب نبيه الترس، القيم البطريركي العام المونسنيور جوزف بواري، الامين العام للمدارس الكاثوليكية الاب بطرس عازار والاب خليل عرب، في حضور حشد من المؤمنين .
بعد الانجيل المقدس، القى البطريرك الراعي عظة بعنوان: "إذهبوا، تلمذوا وعمدوا ودبروا"، قال فيها:
تحتفل الكنيسة اليوم بعيد الثالوث الأقدس. وهي عقيدة الإله الواحد المثلّث الأقانيم، الآب والإبن والروح القدس، الذي باسمه تقوم برسالتها الخلاصيّة الموكولة إليها بسلطان إلهي من المسيح الربّ، قُبيل صعوده إلى السماء. تؤدّي الكنيسة رسالتها بمهام ثلاث هي التعليم والتقديس والتدبير، كما يحدّدها إنجيل اليوم. وتقوم بها باسم المسيح وبشخصه، كما أكّد للرسل، رعاتها الأول: "وها أنا معكم كلّ الأيام إلى نهاية العالم" (متى 28: 20).
ننضمُّ في صلاتنا وقدّاسنا إلى العائلات التي تحتفل الآن بلقائها العالمي السابع في ميلانو بإيطاليا، مع قداسة البابا بندكتوس السادس عشر الذي يقيم الذبيحة الإلهية، ويختتم بها هذا اللقاء الذي بدأ في 30 أيار، وكان عنوانه: "العائلة مكان العمل والعيد". إننا نصلّي من اجل عائلاتكم، أيها الحاضرون، ومن اجل كل عائلة، لكي، كما بدأت مسيرتها الزوجية باسم الله الثالوث يوم الاحتفال بسرّ الزواج المقدس، تواصل حياة الشركة والمحبة بنعمة الثالوث القدّوس وتنعم بسعادة العمل والعيد.
ونذكر بصلاتنا اللبنانيين المخطوفين في سوريا، مطالبين بإطلاق سبيلهم لكي يعودوا إلى عائلاتهم وينعموا جميعاً بفرح دفء العائلة. ونناشد المسؤولين اللبنانيين بذل أقصى الجهود في هذا السبيل.
ونصلّي أيضاً من اجل أهل طرابلس والسلام في المدينة، معربين عن أسفنا الشديد واستنكارنا للأحداث الدامية الجارية فيها، وعن مواساتنا لأهل الضحايا التي سقطت، ونطالب السلطة اللبنانية إتّخاذ التدابير العاجلة والحكيمة لإيقاف النزاع والعنف، وجمع شمل العائلة الطرابلسية الواحدة.
إنَّ الكنيسة من جانبها تسعى مع ذوي الإرادة الصالحة إلى إحلال السلام، وتوطيد العدالة، والحضور في مجتمعاتها كعلامة رجاء، وإلى جمع الشمل وشدّ أواصر الوحدة بروح الشركة والمحبة، وبموجب رسالتها الإلهية المثلّثة التعليم والتقديس والتدبير.
إنَّ مهمّة التعليم الموكولة إلى رعاة الكنيسة تشمل جميع الناس، لأنّها تكرز بشخص الله، الآب والإبن والروح القدس، وتنقل كلامه، كلام الحياة لكلّ بشر: "تلمذوا كلّ الأمم". تهدف مهمّة التعليم إلى أن يبلغ الجميع إلى معرفة الحقّ (1 تيم2: 4). أما الحقائق التي يتضمّنها التعليم فهي التي يتلوها المؤمنون في قانون الإيمان. الكنيسة تعلّم بواسطة رعاتها، لكن المعلّم الحقيقي الناطق بلسانهم هو المسيح الربّ الذي قال: "لا تدعوا لكم في الأرض معلّمين، فمعلّمكم واحد، وهو المسيح" (متى 28: 8).
مهمّة التقديس تقوم على توزيع نعمة الأسرار التي تشفي النفس من الخطايا وتملأها حياة إلهيّة وتقدّسها. إنّ أسرار الخلاص السبعة تبدأ بالمعمودية: "عمِّدوا كلَّ الأمم باسم الأب والإبن والروح القدس" (متى 28: 19). عندما يمارس الكاهن هذه الأسرار، هو المسيح، الكاهن الأزليّ، الذي يمنح نعمة السرّ الخلاصي لكلّ مؤمن ومؤمنة بحلول الروح القدس عليه وفعله.
مهمّة التدبير تهدف إلى بناء جماعة المؤمنين برباط المحبة والوحدة: "علّموهم كلّ ما أوصيتكم به"(متى 28: 20). لقد ترك المسيح الربّ وصيَّتَين تختصران كلّ جوهر المسيحيّة ورسالتها. أوصى أوّلاً بالمحبّة: "أَتركُ لكم وصيّة جديدة: أن تحبوّا بعضكم بعضاً، كما أنا أحببتُكم" (يو 13: 35). وأوصى ثانياً بالوحدة، ورفعها صلاةً من القلب إلى الآب: "يا أبتِ، ليكونوا واحداً، كما نحن واحد. أنت فيّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا" (يو 17: 21).
إنّ لهاتَين الوصيَّتين بُعداً رسوليّاً ترتبط به مصداقيّة يسوع المسيح ورسالة الكنيسة. فبالنسبة الى وصيّة المحبّة، يجب على المسيحيين أن يعيشوها كعلامة لنجاح التتلمذ للمسيح: "بهذا يعرف الجميع أنّكم تلاميذي، إذا كان فيكم حبّ بعضكم لبعض" (يو 13: 35). وبالنّسبة لوصيّة الوحدة، عليهم أن يعيشوها بوحدة القلب والرأي، وبذلك يحملون العالم على الايمان بأنّ المسيح هو مبدأُ الوحدة، وبأنّ محبةَ الله تسكن في القلوب، وانّها ثقافةُ حياتهم وحضارتهم (راجع يو17: 21 و 23).
عندما نرسم إشارة الصليب، نعلن إيماننا بالله الواحد والثالوث، الآب الذي خلقنا، والإبن الذي خلّصنا، والروح القدس الذي أحيانا وقدّسنا. ونكون على يقين بأنّ الله حاضر في حياة كلّ واحد وواحدة منّا، وفي حياة الكنيسة ورسالتها. هذا اليقين يأتي من كلمة الربّ يسوع: "أنا معكم جميع الأيام إلى انتهاء العالم" (متى 28: 20). فندرك أنّ الله قوّتُنا ونورُنا وهدايتُنا في كلّ الحالات والظروف، وأنّ محبةَ الآب تظلّلُنا، ونعمةَ الإبن تعضدُنا، وقوّةَ الروح القدس تُحيينا.
لقد دخل الله، الواحد والثالوث، في حوار مع الجنس البشري، ومع كلّ إنسان يأتي إلى العالم. نقرأُ في الرسالة إلى العبرانيين: "إنّ الله كلّم آباءنا منذ القديم في الأنبياء مرّاتٍ كثيرة وبأنواعٍ شتى. وفي الأيام الأخيرة، كلّمنا بالابن، الذي به أنشأ العالمين، وهو شعاعُ مجده وصورةُ جوهره، وضابطُ الكلَّ بكلمة قدرته" (عبرا 1: 1-3). ونقرأ في مطلع إنجيل يوحنا: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان مع الله، وكان الكلمة الله...كلُّ شيء به كُوّن، وبدونه ما كُوِّن أيّ شيء... وهو النور الحقيقي، الذي ينير كلَّ إنسان، آتٍ إلى العالم...والكلمة صار بشراً وسكن بيننا، ملؤه النعمة والحقّ" (يو1: 1 و2 و 9 و14).
حوار الله مع الإنسان دائم. فالآب يخلقنا ويحفظنا في الوجود بعنايته؛ والإبن يكلّمنا بإنجيله وتعليم الكنيسة ويخلّصنا بموته وقيامته المتواصلتين في ذبيحة القداس، والروح القدس يُحيينا بنعمة المسيح الأسراريّة ويسكب في قلوبنا محبّة الله، ويجدّدنا، ويعلّمُنا كلَّ الحقيقة ويقودُنا إليها في حياتنا الخاصّة ورسالتنا. إنّه حوارُ الله مع الإنسان ومع الكنيسة، حوارُ الكلمة والنعمة والمحبة. ويدعونا لإقامة حوار مع بعضنا البعض.
قيمةُ الشخص البشري، المخلوق على صورة الله، أنّه إنسانٌ يحاور. والحوارُ ميزةُ الإنسان وجوهر طبيعته. الله يدعونا إلى الحوار فيما بيننا، في العائلة والكنيسة، في المجتمع والدولة. فالنزاعاتُ وسوءُ التفاهم لا تجد حلولها في التراشق الكلامي والإتّهامات، ولا في العنف والحرب، بل تجدها على طاولة الحوار. هذا ما نرجوه من اللبنانيينن وبخاصة من السياسيين. وهذا ما نتمنّاه لإخواننا في العالم العربي. وكم نأسف لأن يكون الحوار مستبدلاً بالعنف والسلاح ومال الرشوة من اجل تأجيج نار الفتنة.

وناشد الراعي الضمير الوطني لدى السياسيين اللبنانيين، لكي يتحلّوا بالشجاعة والتجرّد وروح المسؤوليّة التاريخية، فيجلسوا إلى طاولة الحوار الوطني التي دعا إليها فخامة رئيس الجمهورية وشجّع لها ذوو الإرادة الوطنية الطيّبة، نظراً للأوضاع السياسيّة والأمنيّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة التي تُنذر بأوخم النتائج، وقد لفت إليها بيان السادة المطارنة الصادر عن اجتماعهم الشهري الأربعاء الماضي.
إنّ لبنان متأثّرٌ إلى حدٍّ بعيد بما يجري في المنطقة من أحداث ومتغيّرات. يبقى أنَّ الحوار الوطني واجبٌ لا بدَّ منه لمواجهة هذه الأمور. والإحجامُ عنه مساهمةٌ في تأجيجها. ومعلومٌ أنَّ الحوارَ يقتضي من طبعه سماع هواجس الآخر المساوي في المواطنة، والإنفتاح على التغيير الشخصي، وعدم الدخول إلى الحوار بهدف تغيير الآخر وحده. والحوار المثمر يقتضي تجرّداً وتواضعاً وقدرة على السماع وثقة بالآخر. ولا يكفي أن نتحاور مرّة، بل ينبغي أن يتّخذ الحوار هيئة دائمة.
لا أحد من المواطنين المخلصين يرضى بالتلاعب بالأمن الداخلي والسلام الوطني والسلم الأهلي، وبديل عن الجيش والأجهزة الأمنية في تأمينها. يجب على الحكومة، لكي تبرِّر بقاءها وتكون على مستوى التحديات الكبيرة، وتعوِّض عن الشعور لدى فئات من اللبنانيين بأنها غير متمثّلة فيها، أن تتّخذ القرارات الإجرائية اللازمة على مستوى الأمن والاقتصاد والمعيشة والإدارة والقضاء والتعيينات. فلبنان يمرّ بمنعطف خطير. ومن ناحية أخرى، ينبغي عليها حماية موسم السياحة والاصطياف. وهذا واجب على جميع المواطنين وعلى وسائل الاعلام بتشجيعه وعدم المبالغة في تصوير الاحداث. كلُّ هذه الأمور مدعوّة لتُطرح على طاولة الحوار، وإلاّ كانت دينونة التاريخ وخيمة.

وختم الراعي: نسألُ الله أن يزيدَنا يقيناً داخلياً بأنّنا باسم الثالوث القدوس نحيا ونعمل ونخدم. ونرجو أن يؤولَ كلُّ شيء لمجده تعالى وخير كلّ إنسان الذي من أجله خلق الله كلّ شيء. فالإنسان طريق المسيح الفادي، وطريق الكنيسة، وينبغي أن يكون طريق السلطة والدولة. فيصبح هذا الإنسان الحيّ الذي ينمو بكلّ أبعاده الروحية والإنسانية والإجتماعية، مجد الله وصورته البهيّة. للإله الواحد والثالوث كلّ تسبيح وإكرام، الآن وإلى الأبد، آمين.

وبعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الالهية.
 

  • شارك الخبر