hit counter script

- جهاد الملاح

حظر سياحي إلى دولة عمياء

السبت ١٥ حزيران ٢٠١٢ - 08:14

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تُظهر الدولة اللبنانية في بعض الأحيان، وعلى الرغم من الاهتراء المتحكّم بمفاصلها والفساد الذي يقود معظم سياسييها، حراكاً رسمياً مكثفاً على غير العادة، لمواجهة المصائب المستجدة مثل الطائرة الإثيوبية، وقبلها طائرة كوتونو، مروراً بسقوط مبنى الأشرفية وحادثة خطف اللبنانيين في حلب، وصولاً إلى قضايا ملحة كان آخرها حظر دول خليجية سفر رعاياها إلى لبنان.
وبعيداً عن حقيقة مفادها أن كل اهتمام رسمي لبناني يبدأ كبيراً ثم يتلاشى إلى أعلى درجات الإهمال والتنصل والتخلي، فقد بدا لافتاً تحرك السلطات إزاء تلك الدول الخليجية، في محاولة لإقناعها بالرجوع عن القرارات التي اتخذتها فجأة ودون أن تستبقها بقرارات "توخي الحذر".
في الحقيقة، ليس هناك شك في أهمية قدوم السياح الخليجيين في فصل الصيف، وفي التأثير السلبي لقرارات الحظر على الموسم السياحي، خاصة في ظل الأزمة التي تعيشها سوريا، والتي قضت على السياحة البرية من العراق والأردن وإيران إلى لبنان. إلا أنه، وكما في كل مشكلة أو مصيبة، غلب على الحراك الرسمي اللبناني الطابع الشخصي للسياسيين، بحيث لم يرتبط هذا الحراك بدراسة واضحة، تكشف الخسائر الحقيقية لغياب بعض السياح العرب، وتحدّد مدى إمكانية التعويض عنها، أو ماهية البدائل المتاحة.
وعلى الرغم من أن ضعف الاستراتيجيات المتعلقة بالسياستين الخارجية والاقتصادية، معلوم في لبنان ومقبول على الصعيد الرسمي منذ عشرات السنين، فقد كان من المفيد، لمواجهة مشكلة الحظر السياحي، أن تعرِّج السلطات اللبنانية من خلال اختصاصيين، على بعض الدراسات، لتقدم أرقاماً واضحة وغير استنسابية، عن حجم المردود المالي الناتج عن السياح "الممنوعين"، الذين أصبحت حالتهم المادية أضعف من السنوات الماضية. ولعلّ هذه الدراسات توضّح مدى قدرة هذا المردود على الإسهام في تحريك الدورة الاقتصادية نحو مرحلة "الإنعاش"، وذلك بعيداً عن التقدير السريع والعفوي بأن أموال السياح تصل إلى سائقي التاكسي، وإلى مالك الفندق وصاحب المطعم والعاملين فيهما.
بالطبع، ربما لا يحتمل لبنان إهمال أي مردود مالي مهما كان تأثيره ضعيفاً على الدورة الاقتصادية، لكن أسئلة عديدة تطرح نفسها في هذا الإطار، ومن المفترض أن تكون مشروعة في دولة تحتاج دائماً إلى خطط بديلة بسب نظامها الفاسد المعرّض في كل صباح ومساء، لمشكلة أو مصيبة.
أولاً، ما هي نسبة السياح الخليجيين مقارنة بالعدد الكبير للمغتربين اللبنانيين المنتظرين في كل صيف للقدوم إلى بلدهم، والذين بإمكانهم غض النظر عن بعض التوترات الأمنية هنا أو هناك؟ وما هي قدرة السياح على إنعاش الوضع الاقتصادي العام في البلاد مقارنة بقدرة المغتربين على إنعاشه من الشمال إلى الجنوب وعلى طول المدن وداخل القرى والشوارع وبين عائلاتهم وأراضيهم وحقولهم ومزارعهم؟
وثانياً، ماذا فعلت السلطات اللبنانية لتشجيع هؤلاء المغتربين، الذين يشكلون بديلاً متاحاً وكنزاً قلّما ملكته الدول، للقدوم خلال الموسم السياحي؟ فهل أعلنت على سبيل المثال لا الحصر، عن خطط وآليات تعاون واضحة مع مكاتب السفر وشركات الطيران، وعن خطط أخرى داخل المجتمعات اللبنانية في الخارج؟ وأخيراً وليس آخراً، متى ستنتهي أكذوبة أن الدولة تشجّع المغتربين على إقامة مشاريع، من مصانع وغيرها، على الأراضي اللبنانية، التي يعيش معظمها في حرمان مدقع؟
لا شك ان تحرّك السلطات اللبنانية لمواجهة قرار الحظر السياحي، أمر جيد. لكن هذا التحرك سيبقى أشبه بتحركات رجال القبائل والعشائر، طالما لم يستند إلى الاستراتيجيات والخطط، التي إن وُجدِت، لاكتشف السياسيون اللبنانيون أن بعضاً من صمتهم عن الشاشات، سيجعل المغتربين يتدفقون إلى لبنان هذا الصيف، أو يفكّرون في إقامة مشاريع استثمارية، ليضخوا في الحالتين، أموالاً تعجز عنها كل قوافل السياح.

 

 


 

  • شارك الخبر