hit counter script
شريط الأحداث

كلمة النائب بطرس حرب في ندوة حول كتاب "نعيم مغبغب رافع علم الاستقلال"

الخميس ١٥ أيار ٢٠١٢ - 17:42

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أيهــا الأصـدقــاء،

 حول أسم نعيم مغبغب نجتمع اليوم.

 نلتقي لنشكر مؤلف كتاب " نعيم المغبغب رافع علم الاستقلال "، لأنه ألقى الضوء على حياة كبير من بلادنا، شكّل تاريخاً ظلمه التاريخ، كما قال الأمير مجيد أرسلان فيه.

 نشكره لأنه أزال الظلام الذي أرادوه حول سيرة هذا الرجل الفذ.

 لقد سعوا إلى إدخال نعيم مغبغب إلى عالم النسيان، لأن سيرته ونضاله الوطني والقومي ودوره السياسي المتقدم، بالإضافة إلى اغتياله، يفضح الكثيرين الكثيرين ممن كشفهم نعيم مغبغب في مسيرته، وممن تواطؤوا على دمه عند استشهاده.

 فشكراً للدكتور نعيم مغبغب على مؤلفه الذي، كما قال، لا يهدف إلى
 " تثبيت الوقائع في ذهن الأجيال القادمة، إنما يهدف بصورة أدق لأخذ العبرة، لعلنا نتعظ منها."


 نلتقي اليوم، نستحضر ذكرى رجل أستثنائي من رجال لبنان، رجل جمع الطيبة والصلابة، المروءة والإقدام، الإلتزام والاستعداد الدائم لبذل الذات، التواضع والعنفوان، الوطنية والانفتاح، الانتماء اللبناني والانفتاح القومي.

 رجل آمن بالحرية والديمقراطية ورفض القهر والاضطهاد والقمع.

 رجل آمن بلبنان وطناً نهائياً ودولة ديمقراطية حرّة سيدة مستقلة، يوم كان لهذه الكلمات من معنى، ويوم كان للإلتزام بها ثمن غال يجب دفعه، حتى لو كان الثمن بذل الذات والاستشهاد، ما دفع النائب الوزير والأديب المرحوم الأستاذ جان عزيز إلى القول يوم تأبينه في مجلس النواب:

 " أراد أن يموت مراراً ومرّات، أراد أن يموت في عهد الاستقلال،
"وأراد أن يموت عندما دعاه داعي الوطنية إلى فلسطين ، فكان في مقدمة
" المجاهدين المخلصين، وكان في كل ساحة، بل في كل دقيقة، مستعداً أن
" يموت فداء لقيمة من القيم الكبرى في هذا البلد."

رجل آمن بوحدة لبنان وأبنائه، وبأن الدولة ومؤسساتها هي الضامن الوحيد لحياة اللبنانيين، ما دفعه إلى المراهنة على التسامح والطيبة فأسقط كل تحفظ أو حذر، وتوجه إلى كنف الدولة لاستقبال رئيس البلاد في"شوفه"، فوقع ضحية الأحقاد والكراهية والتعصب الحزبي الأعمى.
 

أيهــا الأصــدقــاء،

عن أي نعيم مغبغب أتحدث اليوم، وهو الذي كان رجلآً في رجل واحد، وكل رجل منه يستحق الكثير الكثير من الكلام.

أعن نعيم مغبغب الإنسان الشهم الخلوق المتواضع الشجاع الذي نذر حياته لخدمة وطنه ومجتمعه، والذي عاش فقيراً، لا حسابات مصرفية لديه، ولا أموال مكدّسة، ولا صفقات مشبوهة، بل تضحية وبذل وعطاء؟ أعن هذا الرجل أتكلم في أيام تحوّلت السياسة إلى وجاهة وزعامة فارغة، وأصبحت مراكز المسؤولية مكاتب للسمسرة والصفقات، وتحوّل الكثير من المسؤولين، المبشرين بالإصلاح ومكافحة الفساد تحولوا فجأة إلى أثرياء كبار دون أي حسيب أو رقيب.

أعن نعيم مغبغب المناضل من أجل ما يؤمن به، ذاك الذي افترش الأرض والتحف السماء ليكون بين جنوده ومؤيديه وليكون في طليعة الشهداء، إذا دعت الظروف إليها.

أقول هذا الكلام اليوم بعد تجارب مرّة عاشها شبابنا وجنودنا، فاستشهدوا من أجل قضية وطنية رفع شعارها بعض القادة، الذين انحصر دورهم في إنقاذ أنفسهم تاركين المناضلين يواجهون قدرهم المحتوم.

أأحدثكم عن نعيم مغبغب المحامي الذي انتصر للحق ووقف إلى جانب المظلومين والمضطهدين من السلطة.

أأحدثكم عن نعيم مغبغب الصحافي الذي سخّر قلمه وطاقاته لانتصار معركة أستقلال لبنان، عن ذلك الصحافي الذي أقدم يوم انكفأ الآخرون فأسس جريدة " الإقدام " مطالباً باستقلال لبنان من الانتداب الفرنسي، والذي لم يخف من أضطهاد السلطة الفرنسية، فنشر في صحيفته محضر جلسة تعديل الدستور التي ألغت النصوص المتعلقة بسلطة الانتداب، والذي اضطر لوقف إصدار جريدة الإقدام، فما كان منه إلاّ وأصدر جريدة لا اسم لها معنونة بعلامة الاستفهام.

أأحدثكم عن نعيم مغبغب المناضل، المقاوم عسكرياً، الذي انضم إلى حكومة بشامون يوم دعاه الواجب، ليقف إلى جانب الأمير مجيد أرسلان وحبيب أبو شهلا، والذي أنشأ الحرس الوطني وتولى قيادته وواجه شخصياً الجيش الفرنسي، فصد هجماته المتكررة معرّضاً حياته للخطر، غير آبه أو مبالي.

أأحدثكم عن نعيم مغبغب الذي رفع علم لبنان على قبة البرلمان متحدياً سلطة الانتداب، أم عن نعيم مغبغب الذي أطلق النار على الجندي الفرنسي الذي انتزع علم لبنان وداسه بقدميه ورفع علم الانتداب بديلاً عنه، فأرداه قتيلاً، وأعاد رفع العلم اللبناني من جديد، فأصيب بأكثر من رصاصة.

أأحدثكم عن نعيم مغبغب المراسل الصحفي الذي كُلّف بتغطية أخبار القتال مع عصابات الهاغانا الصهيونية عام 1948، فوضع قلمه جانباُ وحمل البندقية وشارك في القتال، متقدماً أمام الجيش اللبناني المحترف، مخترقاً صفوف العدو، مزوداً الجيش اللبناني بإحداثيات مواقع العدو ما ساهم في إنتصار المالكية.

أأحدثكم عن نعيم مغبغب الذي آمن بمشروع الدولة الديمقراطية وبوجوب أحترام دستورها وقوانينها، بحيث أصبح معارضاً شرساً لرئيس الجمهورية عندما جدّد ولايته وبعد أن كان من أكثر المقربين إليه. أم أحدثكم عن النائب والوزير الذي شرّع وعمل لتنمية مجتمعه وتنميته، والذي تصدى لمحاولة تذويب لبنان في كيانات قومية أكبر عام 1958، فواجه وناضل مع الوطنيين إلى جانب رئيس البلاد الرئيس كميل شمعون.

وأخيراً أأحدثكم عن إيمانه بالدولة ووحدة اللبنانيين، ملبياً دعوة رئيس البلاد إلى مهرجان المغتربين في بيت الدين دون تردد، فوقع ضحية الأحقاد والضغائن والصغائر، ووقع ضحية التسويات السياسية، فكان كبش النداء الذي ذبح وهدر دمه دون حساب بحجة عدم إجهاض مشروع إعادة توحيد لبنان.

يكفي للتدليل على أهمية هذا الرجل أن أذكر أمامكم القليل القليل مما قاله بعض زملائه في أول أجتماع لمجلس النواب بعد أغتياله :

" أنه أسطورة من أساطير هذا البلد في الجرأة والوفاء، في العلم في "الاندفاع " ( غسان تويني) .
" لو جمعنا نوح الحمام ودموع الآلهة، بل لو جمعنا له تفجع الأيامى "واليتامى منذ أبد الدهر، لما وفيناه حقه. شاب من ألمع شباب هذا البلد، قرن
"إلى الشجاعة بصيره وعقله، وإلى الإقدام وفاءً وإخلاصاً وتوازناً... إن "موت نعيم مغبغب إنما هو موت شعب بكامله، لأن الاغتيال السياسي معناه "القضاء على جميع القيم الإنسانية والقيم الوطنية في بلد كلبنان..."
 

أيهــا الأصــدقــاء،

في أيام نعيم مغبغب النائب وأمثاله كنا نتسابق لحضور جلسات مجلس النواب لكي نتثقف، لكي نطّلع، لكي نتعلم كيف تُدار شؤون البلاد. أما اليوم، وفي عصر يستطيع كل مواطن متابعة مجريات النقاشات السياسية عبر وسائل الإعلام، بتنا نخجل من ذاتنا، ومن المستوى الذي انحدر إليه الخطاب السياسي الذي تحوّل إلى مهاترات ومزايدات وإهانات متبادلة وعنتريات.

في أيام نعيم مغبغب الصحافي، كنا نرى في الصحافي مناضلاً صاحب رسالة حراً، مسؤولاً، ملتزماً الحقيقة، شريكاً في تثقيف الرأي العام. أما اليوم، ومع إحترامي لبعض رجال الصحافة الذين لا نزال نفخر بمناقبيتهم، لم تعد الصحافة صحافة، بل أصبحت جزءاً من الصراع السياسي والمذهبي الخاضع لاعتبارات الفئوية والتعصب والمال، وتحولت بعض الصحف إلى وسيلة أبتزاز وتشهير وفبركة روايات وصور مزورة للإساءة إلى هذا السياسي أو ذاك.

في أيام نعيم مغبغب كان أكثرية سياسيينا أحراراً، يتخذون مواقفهم إنطلاقاً من قناعاتهم الوطنية ومن ضميرهم، أما اليوم فأصبحت معظم المواقف مرتبطة بتوجيهات هذه الدولة أو تلك حتى لو كانت على حساب الوطن ومصلحة اللبنانيين.

في أيام نعيم مغبغب، وبالرغم من المصاعب والأخطار، كان اللبنانيون مرتاحين أن مسؤولين منتخبين يعملون لمصلحة الوطن ولحمايته ولتطويره. أما اليوم فحالة الاشمئزاز والخوف عارمة لدى معظم اللبنانيين الذين حافظوا على صفاء البصيرة والموضوعية.

بالنسبة إلي، أنا الذي عايشت السياسة في لبنان منذ عقود، وعشت أيام السياسة المسؤولة المترفعة التي يتنافس فيها الرجال على بذل أفضل ما لديهم لخدمة دولتهم وشعبهم، ويلتزم فيها السياسيون مصلحة وطنهم ويدينون بالولاء لأمتهم، وعشت الأحداث الأليمة التي حلّت بلبنان، وصولاً إلى هذه الأيام التعيسة البائسة التي لم تعد السياسة فيها قيماً وأخلاقاً وإخلاصاً وتضحية، بل أصبحت تناتشاً للنفوذ وتطاحناً على المناصب وتسابقاً على المكاسب والثروات غير المشروعة ووصولاً إلى هذه الأيام التي تتقدم فيها المصلحة الخاصة، أو مصلحة العائلة، أو مصلحة الحزب، أو مصلحة المذهب، على مصالح الوطن والمواطنين.

بالنسبة إليّ، عندما أتذكر كباراً من لبنان، كنعيم مغبغب، كباراً لم يترددوا ثانية في بذل ذاتهم وحياتهم من أجل كرامة الوطن وخير اللبنانيين، أصاب بالخيبة والقنوط والاشمئزاز مما أصبحنا عليه.

اليوم، نشهد إنقلابات في المواقف وتعديلاً بالمبادئ وضرباً للقيم الإنسانية والديمقراطية.

اليوم نفتقد كثيراً لخامة نعيم مغبغب الذي كان يقود المناضلين في صفوفهم الأولى، يتعرض للخطر قبلهم، يُطلق النار عليه ويستمر دون حساب أو تردد. وكأنه يطلب الموت عن شعبه وقضاياه.

فاليوم منابرنا تحولت إلى راجمات للشتائم ومؤسساتنا الدستورية أصبحت حلبة صراع وتجريح واتهامات. 
 

أيهــا الأصـدقــاء،

اسمحوا لي بمناسبة التقائنا حول ذكرى نعيم مغبغب أن أتوجه، بأسم اللبنانيين، بالاعتذار إلى كل شهداء لبنان الذين بذلوا حياتهم لكي يبقى لبنان بلد الإنسان والكرامة والوحدة والاستقلال . نعم، بالاعتذار وطلب الغفران، لأننا نغفل عن تضحياتها، لأننا نفرط بشهاداتهم، لأننا لم نحفظ الأمانة.

واسمحوا لي أن أزيد، أننا إذا لم نستيقظ من ثباتنا قبل فوات الأوان، وإذا لم نأخذ المبادرة لإنقاذ مجتمعنا من الحقد والتعصب والكراهية، وإذا لم نحرر عقولنا من الاصطفافات الفئوية، ونعود إلى المبادئ التي قام عليها لبنان، نكون حقاً قد فرّطنا بالأمانة وهدرنا دم هذا الوطن العزيز,

إذ كيف يمكن لدولتنا أن تستقيم، إذا كان لكل فئة منا مشروع دولة خاصة به ؟ وكيف لمجتمعنا أن يتطور، إذا أسقطنا قيمه والقواعد التي قام عليها ؟ وكيف يمكن لشعبنا أن يتوحد، إذا بقي كل منا يرفع علمه على حساب علم لبنان ؟ فلنعد إلى أصالتنا، ولنعد إلى جذورنا، ولنعد إلى وطننا بعد أن هجرناه.

ولنعد قبل فوات الأوان لئلا نخجل من شهدائنا ولكي لا نخجل من أبنائنا.

ففي أيام البؤس والانحطاط التي نعيش نفتقد أمثالك يا نعيم مغبغب ونخجل منك، لأن لبنان، الذي ناضلت واستشهدت من أجله، ليس لبنان اليوم. إلا أنني ومن منطلق إيماني بأصالة شعبنا ووطنيته، أعاهدك وأطمئنك أن حلمك لم يندثر وأن لبنانك سيبقى مشروعنا، وأن مدرستك الوطنية ومسيرتك ستبقى مصدر إلهامنا ووحينا. 

  • شارك الخبر